وماذا بعد فاجعة الصويرة؟
لا شيء!
آراء أخرى
هكذا لا شيء!
سيزمجر الكل بأسنانه الورقية…
سيخرج المثقفون البواسل أقلامهم البلاستيكية من غمدها ويلوحون بها كالسيوف في وجه طواحين الهواء…
ستفتح الداخلية تحقيقا نزيها في النازلة…
وسيتكفل القصر بنفقات العلاج والموتى…
ستندد الجمعيات الحقوقية بالوضع الكارثي للفقراء بالمغرب…
وستبدأ المزايدات السياسوية حول المأساة…
سنغرق جميعا في بحر من القيل والقال وكثرة السؤال وغريب الموال…
ثم…لا شيء!
أي هكذا لا شيء!
ما بقي من إحساسنا بالانتماء لهذا الوطن غير الشعور بالذنب والعجز والكثير الكثير من الغضب المدفون فينا كالنار تحت الرماد…
نحن كأعواد قصب في حقول جرداء…لا ماء يسقي الجذور…والرياح العاتية تعصف بنا ذات اليمين وذات الشمال…وان هدأت نخر الذل ما تبقى من آدميتنا…
″ الإنسان في نهاية الأمر قضية ″ كما يقول الكاتب والروائي الفلسطيني، الشهيد غسان كنفاني.
ومشكلتنا في المغرب أننا لا قضية لنا.
لقد قتل شيء ما بداخلنا وفقدنا الإحساس بكل شيء…
مشكلتنا يا سادة أننا كالثرثار ومحب الاختصار…
شهوة الكلام تستعبدنا ولسان حالنا لا ينفك عن تكرار البيت الشعري الجميل :
جرت مقادير الإله بما كان ويكون فسيان منك التحرك أو السكون
وكالمتصوفة الموغلين في الهرمسية نردد أذكار الصباح والمساء ونتلو الأدعية ونقيم الصلوات ثم ندع الخلق للخالق…
في طفولتنا سمعنا أجدادنا يتسامرون ب″ عام الجوع ″ وهم يضحكون…
سمعناهم يذكرون طقوس الانتحار الجماعية بسبب المجاعة والأوبئة، ″ تانداروت ″ بالامازيغية السوسية…
في طفولتنا أيضا، رددنا جميعا أغنية الرسوم المتحركة ″ جزيرة الكنز ″
″ خمسة عشر رجلا ماتوا من اجل صندوق ″
وفي كهولتنا نقرا :
خمس عشرة امرأة متن من اجل صندوق…
لا صندوق كنز بل صندوق خبز…
سيتم تحديد المسؤوليات وكما هي العادة دائما،
وسيرا على المثل الدارج : طاحت الصومعة، علقوا الحجام !
لكن لا احد سينتبه إلى أن المسؤول الحقيقي وراء تدافع هؤلاء النسوة هو الجوع والفقر والهشاشة وفشل السياسات الحكومية المتعاقبة في المجال الاجتماعي.
لقد دخلنا منذ عقود في زمن جديد، زمن عجيب وفريد في التاريخ.
انه زمن سياسة الأزمة بما تحمله الكلمة من معنى وليس كما يعتقد الغالبية من أزمة للسياسة.
لا توجد أزمة بل سياسة الأزمات من″ الإرهاب″ مرورا ب″ندرة الماء″ وصولا إلى ″الغذاء″…واللائحة طويلة…
لذا فلا تنتظروا الكثير من بعد الفاجعة فليس بالإمكان أفضل مما كان.
سيزداد الأغنياء ثراء والفقراء فقرا…ستصادر الأراضي وغابات الأركان من أصحابها…سيباع الماء والهواء…وما تحت الأرض من معادن وغاز خلسة…ولن تتوقف الزيادات أبدا في المحروقات والمواد الأساسية…سيحتفظ المهووسون بالكراسي بمناصبهم…وستجوب سياراتهم الفارهة الشوارع وكأن شيئا لم يكن…وسيطلون عليكم يوميا بأجسامهم المترهلة ولغتهم الخشبية عبر القنوات التلفزية يرددون على أسماعكم نفس الاسطوانة المملة منذ عقود…
لا شيء ثم لا شيء!
ما نراه اليوم في الصويرة ليس سوى غيضا من فيض، فانتظروا المزيد…
ونحن معكم من المنتظرين!
