الاعتذار شكل حضاري لا يمكن أن يفهمه إلا من يملك فعلا مقومات الفكر الحضاري وهو شيمة وليس بمنْقصة ولا بضعف أو انتكاس ،ولا يجب أن ينتاب المعتذر شعور بالانكسار بل عكس ذلك فله أن يعتزّ بكونه سلك مسلكاً لا يسلكه إلا من يملك شجاعة فكرية وأدبية.

وإذا ما حاولنا تمحيص  ما  اعتبرته شركة سنطرال دانون اعتذارا بعد تخوين المقاطعين من طرف أحد مسؤوليها  وما صاغته البرلمانية الصحفية واعتبرته بدورها اعتذارا بعد أن نعتت المقاطعين/ات في تدوينة لها  بالقطيع فهل فعلا يمكن أن نعتبر مبادرتهم  بمثابة اعتذار الشجعان أم انه شيء آخر يبدو من مضمونه وسياقه  انه لا يبعد عن كونه جاء اضطراريا لانقاد ماء الوجه والانحناء أمام عاصفة النقد والتنديد لسلوك أقل ما يمكن أن يقال عنه انه أهوج ولا مسؤول أسْقط ورقة التوت لتبدو حقيقة الشركات المحتكرة للسوق المغربي وبرلمانية كان عليها أن تراعي على الأقل تاريخ حزبها وقيمه ومبادئه.

إن اعتذار  الشجعان يشترط فيه أساسا الإقرار بالخطأ وما نتج عنه من ضرر معنوي دون لف أو دوران ودون أدنى محاولة لتبريره ، فهل هذا فعلا ينطبق على مضمون الكلام الذي رأت فيه شركة سنطرال والبرلمانية الصحفية اعتذارا ؟

 بالنسبة لشركة سنطرال دانون فعليها بداية ان تدرك جيدا أن الاعتذار لا يصلح ما أفسده الاحتكار ، حتى وإن افترضنا أنه اعتذار ، طالما أن كلامهم لا يختلف عن ما قاله مسؤولهم حين نعت المقاطعين/ات بخونة الوطن لكونهم يقاطعون منتوجا وطنيا بعد أن أعقب على كلمات الاعتذار بقوله على ان ما يهمم هو مصلحة الفلاح والبادية  ، بمعنى آخر وبشكل مُضْمر وكأن لسان حالهم يقول ، إن  الدافع فيما تفوه به مسؤولهم سابقا هو مراعاتهم لمصلحة الفلاح والكسّاب المغربي . فيا حسرة عليك أيها الفلاح البسيط الذي تتهاوى عليك الفؤوس من كل ناحية ، تارة  حين ترى الضيعات الكبيرة المتسعة على مرمى البصر تقضم فدادينك، وتارة حين تجد نفسك أحيانا أمام شحت غيث السماء  وهوس تسديد قروض الأعلاف ، لتكتمل الدائرة ببعض الدريهمات ثمن حليب بقراتك المعدودة تؤديها لك شركة محتكرة لسوق منتجات الحليب.

 أما بالنسبة لما أسمته البرلمانية الصحفية اعتذارا فلا يعدو أن يكون سوى تهرب مفجوع من مواجهة الحقيقة بالتعذر بالخطأ غير المقصود لتستدرك في تدوينة أخرى اعتبرتها توضيحية دون أن إدراك منها على أنها تتناقض كليا في ما اعتبرته اعتذارا وعلى أن توضيحها هو بمثابة زلة تضاف لزلتها الأولى  بقولها “حينما نتحدث عن القطيع فلا نعني عامة الشعب وأصحاب النوايا الحسنة بل إننا نتحدث عمن تحركه أهداف سياسية وحزبية ضيقة…”

 لن يسعفنا استعمال كل أساليب الندبة للتعبير عن الفجع من هذه النظرة التي تضمر الاستصغار والاحتقار لمبادرة انضمت إليها فئات مختلفة ترى فيهم السيدة البرلمانية مجرد قطيع تحركهم دوافع سياسية ، إنه في حقيقة الأمر مجرد التماس العذر لما صدر سواء منها أو من طرف الشركة المعنية طالما أن عناصر التعذر وإيجاد التبرير لا زالت قائمة وبعيد كل البعد عن  مقومات حتى الاعتذار البسيط المتعارف عليه .