بداية الأسبوع الماضي كنت أتحدث مع الصديق أبوبكر الجامعي عن تطور الوضع الصحي لوالده ولم يخطر ببالي ولو لحظة أنه سيرحل عنا إلى دار البقاء.. سقط الخبر قبل قليل وبكل ما تحمل الكلمة من معنى فإن اللسان يعجز عن التعبير عن فراق شخص طبع حياتنا منذ الطفولة.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

عرفت خالد الجامعي أول مرة وأنا في الاعدادي من خلال كتابته كرئيس تحرير لجريدة لوبينيون.. كنت كل خميس أتلصص على جريدة والدي رحمه الله لكي أستمع بركن الشباب الشهير ..

لكنني سأشاهده على التلفزيون أول مرة سنة 2000 عندما استضافه مصطفى العلوي في برنامجه حوار، وشكل فارقا بجرأته ولكنته البدوية مع لغة الخشب التي دأبنا عليها في “إتم”..

للأسف أنها لم تسجل أو على الأقل لم تنشر على الإنترنت بعد وأتمنى أن تفعل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بالمناسبة لتخليد الرجل.. مما قال فيها:

“آمولاي المصطفى.. 40 عام وانت كتهضر خلينا نهضرو..”

وعن العهد الجديد قال “اليوم عندنا ملك خدام غدا الله اعلم”..

وعن الهجوم الذي تعرض له البصري بعد إعفائه قال: “طاحت الصومعة علقوا الحجام.. من منا لم يطرق بابه لقضاء حاجته؟ أنا واجهتو فاش كان وزير.. دبا لا”..

طبعا، عرفت في ما بعد أنه كان يحل من خين لآخر ضيفا على القناة الثانية التي لم نكن نشاهدها في المغرب الآخر، وفي فيلم عبروا في صمت لحكيم النوري الذي لم نكن نشاهد سوى إشهاره على التلفاز..

بعد خروجه مع العلوي توالت خرجاته في الإعلام أبرزها حوارات مطولة مع صديقنا المعتقل سليمان الريسوني فك الله أسره، لا تزال موثقة على الويب..

ميزة الراحل الأهم أنه خبر دار المخزن حتى ضبط ميكانزمات التفكير داخلها ولهذا تراه يشخص ويستبق ويستشرف بنجاعة منقطعة النظير. وإذا قاطعه أحدهم مع التلميح إلى حكم نفسي مسبق يرد عليه بجرأة: أنا ملكي آ السي. أش كتخربق؟

ميزته الثانية ليست أقل أهمية وهي ملكته في التواصل مع المغاربة بلغة يفهمونها جميعا، ذلك أن الرجل فرنكوفوني ولهذا إذا تكلم الدارجة بقي عليها ولا تختطفه مفاهيم الفصحى كما يحدث للكثيرين بشكل ينفر آذان المواطن المتخصص..

أما ميزته الثالثة فهي انفتاحه على العالم وهو ما منحه قدرته على التأقلم مع تطورات العصر واستباق المستقبل. لقد كان الراحل من أول اعمدة الصحف الورقية الذي انخرط في نشر مقالات على المواقع الإلكترونية في زمن كان زملاؤه ينظرون إليها من أبراج عاجية، وطالما بشر بأن المستقبل للصحفي – المواطن، وكان أول من أجرى حوارات مصورة مع صحفيين – مواطنين منذ 2006 حتى أنني أذكر أنه قال لأحدهم وهو يسرد مثالا في معرض جواب : دبا مثال.. أنت.. أنت صحفي وجا واحد.. ويبدو أن المحاور ارتبك ورد عليه خالد: نعم أنت صحفي.. ثم استرسل في حديثه..

لتبقى ميزته الأقوى هي زهده في ريع المخزن.. عاش بسيطا ومات بسيطا ولو شاء لغرق في عطايا القصر والأجهزة كما فعل نفر من الذين لا يساوون حتى سدس عشر كفاءته. لهذا قال لأحد أكبر رجال الأعمال المقربين من الملك عندما لوح بمقاضاته قبل سنوات: عنداك يسحاب لك تخلعني بفلوسك، أنا راه عندي 35 عام مورايا يال المواقف..

ستظل خالدا بيننا يا خالد..