قبل أزيد من 5 أشهر من هذا التاريخ عبرنا في مقال بعنوان “السعودية تدمر نفسها بتحالفها مع “ترامب ” تم نشره بهذا المنبر وغيره، عن رفضنا لسياسة السعودية وتحالفها مع الرئيس “ترامب”، وأن هذا التحالف سيكون حتما تحالف دم وفقر و تخلف للمنطقة العربية ككل، و لم نكن نتصور آنذاك أن الأحداث ستكون قاتمة و دراماتيكية بهذا الشكل الذي نتابعه اليوم، فحكام السعودية يخاطرون بالبلاد و بالمنطقة التي لازالت دماء أبنائها تنزف و مستقبل شبابها يدمر، خدمة لأهواء و ميول أشخاص فقدوا بوصلة العقل و المنطق و حتى استيعاب أدنى أساسيات التحليل السياسي و الاستراتيجي السليم… 

نقر مبدئيا في هذا المقال أنه “ليس بين القنافد أملس”، فحكام العالم العربي من المحيط إلى الخليج لا يعبرون عن مصلحة و تطلعات شعوبهم ، وحروبهم خاسرة وتفتقد لكل معايير الموضوعية أو المصلحة الوطنية آو القومية، لكن درجات التفاوت تتغير تبعا للموقع السياسي و الجيواستراتيجي للبلد ، فمن المؤكد تأثير السعودية إقليميا ودوليا ليس هو نفس تأثير بلد كالصومال أو السودان رغم أن كل هذه البلاد تستحق منا التقدير و الاحترام ولها إمكانيات و قدرات هائلة، لم توظف بعد لخدمة التنمية المحلية والإقليمية لمجموع الوطن العربي..

مقالنا هذا فيه نقد لسياسة حكام السعودية، فالقرارات الأخيرة التي تم انتهاجها منذ التدخل السافر في ثورات الربيع العربي، و بلغت أوجها بضرب اليمن و اليوم تهديد أمن لبنان تحث ذريعة تضييق الخناق على إيران و حلفاءها في المنطقة، لسنا بصدد الدفاع عن إيران فموقفنا رافض للتوجه الإيراني، لاسيما في جانب توظيف المذهب الشيعي، و جعله أداة لتغلغل بباقي البلاد العربية والإسلامية، لكن مع ذلك نقر بأحقية إيران في الحصول على الحقوق المتعارف عليها دوليا في مجال التكنولوجيا النووية،  و أن تضخيم حالة العداء لاتصب في مصلحة الخليج أولا و العالم العربي و الإسلامي ثانيا…

فالحروب بالوكالة ومن خلف الستار كلفت المنطقة العربية الكثير من الدماء، و الفرص التنموية الضائعة، أربع بلدان دمرت بأيدي و أموال عربية والدائرة لازالت في اتساع، الدور الذي تطلع به السعودية اليوم و معها الإمارات دور في غاية السوء، فان تصبح إسرائيل حليف للسعودية، فهذا أمر لايمكن لمسلم عاقل أن يقبل به، مهما كانت الدرائع كما انه من غير المقبول أن تصبح الشعوب العربية مسرحا لتصفية الحسابات مع إيران،  و خط دفاع أول لحماية عروش حكام الخليج، فتدمير سوريا و ليبيا و اليمن و مصر غايته إرهاب شعوب الخليج، وفرض الإقامة الجبرية على كل حركة مطالبة بالحريات المدنية والسياسية ، الجريمة التي ارتكبتها بلدان الخليج في حق الحكم الشرعي في مصر سنة 2013، و في حق الثورة السورية و الليبية و اليمنية  لا يمكن أن تمر بسلام…

لا نريد لشعوب الخليج وفي مقدمتها السعودية أن تصاب بمكروه، كما لا نريد لدماء أهلنا في الإقليم العربي أن تسفك أو تنتهك أعراضهم، فطبول العرب تدق على مشارف حدود لبنان اليوم ، و الجهود السعودية و الإماراتية تبذل بتحالف مع الحكم الغير شرعي في مصر لتصفية  القضية الفلسطينية، خدمة للمشروع الصهيوني…المنطقة بلغت أقصى درجات الانحدار و الفوضى تقترب من عروش بلدان الخليج بالتدريج، تبعا للمثل الشائع “جنت على نفسها براقش”…

نناشد شعوب الخليج بالضغط على حكامهم و ألا ينصاعوا للاستقرار الهش و للمكاسب الآنية وللوعود الزائفة، فحكام السعودية والإمارات يهددون مستقبل بلدانهم و باقي الإقليم فالسياسات المتبعة خاطئة، و يكفي متابعة الهزائم التي تحقق تباعا في اليمن و سوريا و ليبيا ،فحكام الخليج للأسف ينفذون أجندة سياسية تمليها المصلحة الغربية ومعها مصلحة إسرائيل طبعا ، لكن لاتخدم بأي حال من الأحوال المصلحة الوطنية أو العربية و الإسلامية…

و موقفنا هذا لا يعني تأييد الموقف الإيراني ودورها السلبي في زعزعة أمن و استقرار الإقليم العربي، لكن علينا أن ندرك أن النفوذ الإيراني تضخم حجمه نتيجة لغياب الرادع، فتدمير العراق و إضعاف سوريا و تفقير مصر و الانصياع للأجندة الأمريكية والصهيونية جعل القوى المناهضة للأمركة و للاحتلال الصهيوني، ترتمي في الحضن الإيراني كما ارتمى أحرار الفيتنام و كوريا في الحضن الشيوعي سابقا …

محاصرة إيران في المنطقة لايمكن أن تمر عبر بوابة التصعيد العسكري، و التحالف مع إسرائيل و أمريكا، و إنما عبر التهدئة والحوار مع إيران و دعم حقوقها المشروعة، كما ينبغي للعالم العربي أن يسعى بدوره لنفس ما تسعى له إيران، فبناء القدرات العسكرية والتكنولوجية والنووية، مطلب لابد منه في ظل احتكار إسرائيل للسلاح النووي و التفوق العسكري، بدل من تبذير الأموال الطائلة في حروب خاسرة، كان من الأفضل الاستثمار في تنمية الإقليم العربي و تقوية جسور التكامل بين الخليج وباقي البلاد العربية، وتوسيع دائرة المشاريع التنموية ذات البعد الإقليمي..

الاستغلال السيء للسيولة المالية لبدان الخليج في دعم النزاعات الإقليمية ، يصب في مصلحة الغرب، نتمنى من الشعوب العربية أن تدرك أن طوق النجاة لازال بيدها و انه بالإمكان إنقاذ الدم و المال و العرض، و الطريق لذلك هو الاختيار الحر للحكام و الحكومات و توسيع نطاق المشاركة السياسية والحريات المدنية والسياسية، الحل هو الضغط بطرق سلمية و غير عنيفة لتصبح صناديق الاقتراع هي أداة التداول على السلطة و اختيار الأكفاء ، فالتغيير و الإصلاح السياسي، أصبح مطلب وجودي و كل مواطن مسؤول على هذا الدم الذي يسفك وهذه الحقوق التي تنتهك، لأن هذه الفرعنة السياسية التي اجتاحت الإقليم مكان لها أن تتضخم، لولا صمت شعوب الخليج على جرائم حكامهم في حق ثورات الربيع العربي… “هذا بيان للناس وهدى و موعظة للمتقين” (الآية 138 آل عمران) ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..