من غرائبية الصدف التاريخية، ان يصل حزب التجمع الوطني للاحرار إلى رئاسة الحكومة المغربية، الجهاز التنفيذي، المنوط له دستوريا، الإعداد لسياسات العمومية الحكومية، وتنزيلها على أرض الواقع، في ظل سياق سياسي عالمي مطبوع بأزمة مالية حارقة، نتيجة لتداعيات جائحة فيروس الكورونا من جهة، وسياق الحرب الروسية الاوكرانيا، من جهة ثانية، وما ترتب على ذلك من تداعيات، أثرت سلباً على وضعية الإقتصاد العالمي. 

والمعروف على حزب التجمع الوطني للأحرار، أنه حزب الاوليغارشية، وأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، ورجال المال والأعمال، والمدراء التنفيذيين لكبريات الشركات المغربية، ونسبة إلى ذلك، سميتها حكومة “البي دي جي” اي مختصر الرئيس المدير العام باللاتنية.

دون أن ننسى ان المغرب، اطلق مشاورات واسعة قبل عامين، للإعداد نموذج تنموي جديد، شخّص مكامن الخلل في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية… وصوصرفت عليه ميزانيات ضخمة، وقدم وصفات للحلول، التي من شأنها ان تحقن شرايين البلاد بإكسير حياة جديد، يمتد إلى النصف الأول من العقد الثالث من هذا القرن.

في ظل المعطيات أدناه، يخيل إلينا اننا أمام وصفة متكاملة لنجاح مهمة حكومة البي دي جي، في ظل سياسي يجيد التعامل مع المال، ومشروع حكومي يتخذ من النموذج التنموي الجديد، خارطة طريقة للخروج ببلادنا من عنق الزجاجة.

غير أن واقع الحال يشير إلى أن وضعية الاقتصاد المغربي، كانت أكثر انتعاشا قبل وصول حكومة البي دي جي، وكذا الواقع المعيشي للمغاربة، ما الذي حدث بالضبط؟ وان صح التعبير اين يوجد مكمن الخلل؟.

قامت حكومة البي دي جي، بالاستغناء على مضامين وتوصيات النموذج التنموي الجديد، واكتفت باستوزار أعضاء لجنة إعداد ذلك النموذج، وأعدت برنامجا صوريا، اكتفت بالترويج له إعلاميا تحت يافطة “الدولة الاجتماعية“، في توظيف فادح لمشاريع ملكية تتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية.

وإذ ما نظرنا إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن، الذي أضحى غارقا إلى الأذنين في الفاقة والديون، وفضائح مباريات الوزارات، التي تفجرت مؤخرا، ويتهم ضحاياها الحكومة وبعض الوزراء باستغلال النفوذ لتوظيف الأقارب والأبناء والحاشية، فإننا إزاء برنامج حكومي يرمي إلى تنزيل مفهوم الدولة اللا إجتماعية، دولة الأغنياء يزدادون غنى وفقراء يزدادون فقرا، في تماهي واضح مع فكرة الفقراء زائدة دودية ينبغي استئصالها، واستثمارها لملء الحسابات البنكية لشركات الكبرى، التي يملك رئيس الحكومة وبعض أعضاء حكومته الجزء اليسير منها.

في نهاية المطاف، نكتشف بأننا أمام رجال أعمال ومال، لا يجيدون التعامل مع المال، ولو كان كذلك، لما غرقنا جميعا في ويلات هذه الازمات الاجتماعية والمالية والأخلاقية، وإنما نحن أمام رجال أعمال ومال نجحوا في ظل بيئة اقتصادية متحكم فيها، ينجح فيها من أريد له ذلك، لا من يستحق النجاح.

وبالتالي، لا نموذج تنموي تم تنزيله ولا رجال أعمال يجيدون التعامل مع المال والميزانيات، ما جعلنا ندخل في دورة انكماش اقتصادي لم يعرف لها المغرب مثيلا، إذ حسب توقعات النقد الدولي، فإن الإقتصاد المغربي يأتي متذيِّلا ترتيب الاقتصادات العربية من حيث نسبة النمو، لا نريد من حكومة البي دي جي، لا دولة اجتماعية ولا نموذج تنموي جديد، ولا شعارات فضفاضة، نريدها ان تعيد وضعية الاقتصاد المغربي إلى وضعيته السابقة، وأن تترك السياسة لمن يجيدونها، وليهرولوا للاستفادة من اقتصاد الريع وتحقيق مراتب متقدمة على مجلة الفوربس.