تعيش جماعة العدل والإحسان على إيقاع الذكرى التاسعة لرحيل مؤسسها ومرشدها الراحل عبد السلام ياسين، من خلال تنظيمها لفعاليات وندوات ولقاءات شارك فيها مجموعة من الأسماء المناضلة والنوعية في مجالات شتى وفي مقدمتها الحقوقية والإعلامية، معظمها إن لم أقل جميعها تنتمي للتيار اليساري.

وتأتي ذكرى رحيل ياسين لهذه السنة في الوقت الذي مر على تأسيس جماعة العدل والإحسان التنظيم السياسي الأكبر في المغرب، أزيد من أربعة عقود، وهو ما يجعلنا نسجل بعض الملاحظات بخصوص عملها وأولياتها ومبادراتها.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن اهتمامنا بمسار ومبادرات العدل والإحسان، تأتي انطلاقا من اعتبارنا أن الجماعة تمثل أولا قوة ضاربة في المجتمع، وتأثيرها باد لكل متتبع في الساحة السياسية المغربية منذ حوالي أربعة عقود، ثم ثالثا وهذا هو الأهم النية الواضحة للجماعة في معارضة النظام القائم، وإن كان على المستوى العملي الأمر يحتاج إلى كثير من التدقيق وإلى كثير من التوضيح، أمام تغول السلطة بالمغرب والتي لم تعد تجد أمامها معارضة حقيقية، اللهم من أسماء وأصوات تحتاج إلى دعم ليس فقط إعلامي بل حقوقي وسياسي وتنظيمي، ثم إن فرد أو أفراد لا يمكن أن يشكلوا معارضة إذا لم يكونوا يتوفرون على تنظيمات نقابية وشبيبيه ونسائية وإعلامية وجمعوية وتواجد في المجتمع والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

أولا: إذا قارنا تأثير الجماعة بين فترة الراحل ياسين والفترة الحالية التي دامت 9 سنوات، سنجد أن الفرق يتسع مع مرور الوقت، وتأثير الجماعة في تناقص مستمر، فالجماعة في حياة مؤسسها كانت تقدم على مبادرات بشكل أقوى، كما أنها كانت تحتج وتقود المظاهرات وفي كثير من الحالات لوحدها، سواء في ما يتعلق بحقوق الإنسان، أو بالقضية الفلسطينية أو غيرها، مما يجعلها تتصدر العناوين، بل وتتصدر المشهد المغربي برمته، بل وكانت تقدم على مبادرات توجه فيها الخطاب مباشرة إلى ملك البلاد، كرسالة من يهمه الأمر مثلا، أما اليوم ومنذ رحيل ياسين، الحضور الميداني للجماعة في تراجع، كما أن حضورها السياسي والإعلامي والحقوقي في تراجع مستمر، وخرجات رموزها بدت قليلة في المدة الأخيرة مع تسجيل بعض الاستثناءات.

ثانيا: تراجع الحضور السياسي للجماعة يحيلنا على تراجعها التنظيمي الذي لم يعد كما كان في عهد الراحل ياسين، رغم أن البعض يعتبر أن هذا التراجع هو  تراجع تعيشه كل التنظيمات السياسية بالمغرب، إلا أنه بالنسبة إلي الأمر يختلف بالنسبة لجماعة نعرف أن عدد منتسبيها يقدرون بالآلاف، وبالتالي لا يمكننا أن نسلم بهذا ببساطة، وحتى نوضح أكثر لنعطي بالقطاع الطلابي للعدل والإحسان كمثال على ذلك، والذي كان في المراحل السابقة القوة الضاربة داخل الجماعة بالإضافة إلى الأذرع التنظيمية الأخرى، اليوم المعطيات تشير إلى بداية تواضع الحضور الطلابي بمختلف الكليات والجامعات، كما أن مشاركة الجماعة في الاحتجاجات لم تكن كما كانت في المرحلة السابقة، فحضورها أصبح رمزيا بمختلف المدن والجهات، سواء تعلق الأمر بفلسطين أو حقوق الإنسان، أو حرية التعبير أو غيرها، وهذا يتطلب توضيحا من قيادة الجماعة.

ثالثا: هذا الأمر يدفعنا إلى الحديث عن القيادة في حد ذاتها، فقيادات الصف الأول هي التي لا زالت تتحكم وتتواجد في مقدمة  المؤسسات المؤثرة منذ سنوات طويلة، مع تسجيل حضور بعض الاستثناءات القليلة والتي تحتاج إلى الدفع بها أكثر نحو الأمام، وهو ما يجعلنا نضع مسألة تشبيب القيادات على المحك (أمين عام الجماعة ونائبه، رئيس الدائرة السياسية، رئيس العلاقات الخارجية، رئيس الهيئة الحقوقية، رئيس مجلس شورى الجماعة..)، فهذه الأسماء التي عرفناها منذ سنوات هي التي لا زالت، وهو ما يظهر أن قضية التشبيب لا زالت عصية وتعيش مخاضا.

رابعا: تتعلق بإخفاق الجماعة في تشكيل جبهة أو قطب معارض، وهذا يرجع لأسباب كثيرة، منها الأوضاع الإقليمية في بعض البلدان العربية، فهناك من المعارضين في المغرب من يعتبر أن بشار الأسد مقاوم وممانع في حين يعتبره الخطاب الرسمي للعدل والإحسان سفاح ديكتاتوري، وهو ما أثر على علاقتها مع بعض القوى خاصة اليسارية منها.

كما أن سقف المطالب الذي ترفعه الجماعة في الوقت الراهن، يجعل التقارب مع بعض القوى سواء كانت إسلامية أو يسارية أمر صعب نوع ما خاصة وأن معظمها تصل مطالبها في حدود الملكية البرلمانية، وبالتالي ففي تقديري أن على الجماعة خفض سقف مطالبها حتى يتسنى تكوين جبهة تضم أكبر عدد ممكن من فضلاء المغرب، لأن استمرار المواقف الحالية يعني التقارب فقط مع حزب النهج الديمقراطي الممانع.

نحن لا نقول بتخلي الجماعة عن مشروعها ومواقفها، ذاك شأنها، لكن إن هي أرادت التحالف والعمل المشترك مع الآخرين فالمفروض تحديد الأولويات والمطالب المرحلية، ثم بعدها نمر إلى المرحلة الموالية وهكذا، أما رفع السقف منذ البداية وخاصة في هذا الوقت الذي تعرف فيه المعارضة نوعا من التراجع، فإن الجماعة ستجد نفسها وحيدة، وفي أحسن الأحوال ستكون فقط إلى جانب حزب النهج الديمقراطي الذي لا أعرف سبب أو أسباب هذا التردد في العمل المشترك معه بشكل رسمي في ظل تقارب المواقف والتقديرات.

لذلك المطلوب من الجماعة أن تخرج من حالة الانتظار التي عمرت طويلا، ونحن نتساءل إلى متى؟ صحيح أن المعارضة السلمية والمدنية خاصة الجادة منها مكلفة لكن لا محيدة عنها إن كانت هناك رغبة في التغيير.

كانت هذه فقط بعض الإشارات، لأن الأمر يحتاج إلى نقاش أعمق وتواصل أكثر مع جماعة العدل والإحسان التي نعتبرها أحد المكونات البارزة في المعارضة المغربية الجادة إلى جانب آخرين طبعا سواء كانوا أشخاصا أو تنظيمات.