يخوض البرلمان المغربي في الأيام الأخيرة غمار تجربة جديدة، ليحسبها ربما ، في خانة توسيع الديموقراطية، او لتفعيل ترسيم الأمازيغية كما نص الدستور ، وبالتالي كي لا يصبح الأمازيغ بعيدين عما يقال داخل هذه المؤسسة التي يفترض أن تتكلم كل لغات الشعب، وتكون بالتالي الناطقة بلسان حاله وأحواله المادية والمعنوية وخوالج تعابيره، وآرائه في قضايا الوطن وطرق تسييره وكيفية استغلال ثرواته وتوزيعها بين فئات الشعب وفق القانون ،ولا أحد فوقه. وذلك بالعمل على ترجمة فورية لأعماله من اللغة العربية أو بالأحرى اللهجة الدارجة المغربية– لأنها الأكثر تداولا في كل اجتماعات  البرلمان  –  واللهجات  الأمازيغية،  لحد هذا ليس في الأمر ما يثير الإنتباه، بل قد نعتبر ذلك مزيد من توسيع فضاء العمل الديموقراطي الذي يجب أن يكون البرلمان بغرفتيه أحد محركاته ودافعيه الى الأمام ليشمل كل الأعراق والإثنيات، وإن كانت لدينا بعض التساؤلات، منها هل نسبة الأمية تسمح لأغلبية المواطنين من قراءة الأمازيغية وكيفما كانت الحروف التي كتبت بها سواء تيفيناغ او الحرف اللاتيني؟ وهل لنا أمازيغية واحدة أم امازيغيات؟ بل  هناك أمازيغية الريف مثلا ، تنطق باختلاف قد يكون غير مفهوم في الجهة الأخرى من سلسلة جبال بني يزناسن بالجهة الشرقية.

  وفي كل الأحوال فالمغربي المغلوب على أمره لا تهمه ترجمة ولا وقت له لمتابعة خطب ومداخلات النواب لأن شغله الشاغل هو البحث عن لقمة العيش في البوادي والقرى المنسية، وليس له وقت مشاهدة ممثلي الأمة على الشاشة الفضية ،وهم يقرؤون خطبهم، بعضهم بصعوبة ، ندرك بسهولة أنهم ليسوا  هم كاتبوها   . اليست اللغة الأقرب للمواطن في هذه الحالة هي تلك التي تقترب منه بمشاريع فعلية، بحيث ينزل في الصباح الموالي والموعود به في  فترة الحملات الانتخابية ، ليجد عمود الكهرباء منتصبا والنور يضيء الطريق التي مازال زفتها يلتصق بعجلات النقل الرابط القرية والمدينة ، ثم يخطو خطوات ليجد المدرسة بكل مستلزمات التعليم ، كما أكد السيد ممثل الأمة في برنامجه الإنتخابي بأنها من أولوياته في عهدته البرلمانية إن هنا فاز ، وها هو قد فاز بالمقعد فأين المستشفى الذي وعد به؟ هذا المشفى الذي كان سيعوض السكان مشاق السفر للرباط للتداوي خلال الأشهر الثلاث الموالية، حسب ما يشير الموعد، إن بقي مريضنا على قيد الحياة ، كثيرة هي الوعود التي كانت حلما وصدقناها،  نحن ذوي النيات الحسنة، لأننا لا نعي على ما يحتوي المطبخ السياسي ، تلك السياسة الإنتقائية والفئوية والتي وضعت أساسا لخدمة طبقة معينة والباقي لا أحد يعلم مصيرهم؟

  إلا أن الترجمة الحقيقية التي كنا وما زلنا ننتظرها من برلماننا الموقر ، هي ترجمة آمال وطموحات ومطالب الشعب الذي يتوق الى التمدرس والتطبيب والشغل ،مع كرامة تصون ماء وجهه، أينما حل وارتحل بين أرجاء الوطن الحبيب دون تمييز ولا تحقير بل بمساواة وكرامة، مع ضمانات فعلية لحرية التعبير وقدرة توصيله عبر وسائل الإعلام دون بتر ولا انتقاص ، كرامة مواطن في معاملته من قبل السلطة الإدارية والجماعية والقضائية ، ورد الإعتبار لمواطنته التي تسلب منه من خلال ذلك التعامل الفض والذي تلمس فيه معاملة دونية بل هي اقرب الى الإحتقار ، خاصة لمن لا يمتلك سندا ماديا أو معنويا في السلطة. إن الخطوة الأساسية التي كان على البرلمان أن يخطوها قبل التفكير في الترجمة الفورية وفي تكاليفها البشرية واللوجيستيكية هي ترجمة فعلية وحقيقية للإرادة الشعب الذي منحها لأعضاء البرلمان كجواز المرور لردهات البرلمان بصوته ،، ترجمة تلك الإرادة التي يبدو ان أغلبيتهم تناسوها بمجرد ولوجهم  قاعة الجلسات العامة وجلوسهم على تلك الكراسي التي تبدو وتيرة وتغري بغفوة لحد الحلم  بوضع جديد ويلقي عرض الحائط بالوعود الانتخابية وما تحمله من “مشاكل” لتتحول الى مشاريع خاصة ، بناية فخمة لسكناه الثلاثية او الرباعية وسيارات وخدم وأرقام تفوق كل ما تتصورون في حساباته البنكية.

 والآن، وهل بعد كل هذا أيستطيع البرلمان القيام بترجمتين، الأولى وهي سهلة ترجمة اللغة العربية الى الأمازيغية والثانية وهي الأصعب والتي هي من اختصاصاته الدستورية، وهي ترجمة إرادة الشعب الى مشاريع قوانيين ، والدفاع عن حقوقه عبر كل الوسائل التي سطرها الدستور بكل وضوح. وبذلك سيكون بالفعل مؤسسة تمثيلية لخوالج الشعب ومعبرا فعلا عما يحتاجه في حياته اليومية ويرفع عنه المعاناة سواء في البوادي أو المدن ، وتوفير التعليم والتغطية الصحية والتطبيب المجاني والكامل لمن لا يمتلك القدرات المادية ،والسكن الذي يحفظ كرامة المواطن المحتاج والذي لا حول له ولا قوة ، وبذلك على الأقل يسحب من الطرقات تلك الجحافل  من المتسولين وقطاع الطرق والنساء اللواتي يبعن أجسادهم في أبشع صور تسوق عن بلدنا لتجارة البشر ، كل ذلك وغيره يشوه كل ما يقال في خطب السياسيين باننا نتقدم وترمي كل كلماتهم في مزبلة التاريخ ، لأنها لا تترجم فعليا واقع المغرب وكيف يجب أن يكون …