لقد ذهب نقاش القاسم الانتخابي أدراج الرياح مع إثارة زوبعة (قفة جود) وأصبح قرار المجلس الدستوري المثير للانتباه في خبر كان، في الوقت الذي كان يفترض فيه فتح نقاش دستوري عميق حول وظيفة المحكمة الدستورية في ظل دستور 2011، على ضوء مثل هذه القرارات!

سبحانك يا جليل، لقد أصبح مستقبل الديمقراطية في المغرب  في فكر النخبة السياسية المغربية، يرتبط بقفة بئيسة، وزعت في كل جهات المملكة، ومن طرف كل الفاعلين السياسين، خلال كل  المحطات الانتخابية التي عرفها المغرب مند فجر الاستقلال!

إنها استراتيجية استنزاف الرأي العام في النقاشات التافهة، إنه الذكاء المخزني في تعطيل النقاشات الحقيقية حول قضايا الوطن المصيرية، التي ترتبط بالديمقراطية، وحقوب الإنسان، وبحق الشعب في استغلال ثرواته الوطنية، وفي التحرر من سلطة ونفوذ ووصاية القوى الاستعمارية!

ربط قفة أخنوش بإدارة بايدن وبالمؤتمر الدولي للديمقراطية وفق ما نقلته بعض المواقع الإلكترونية على لسان نزار بركة يستحق وصف النكثة!

القفة بشكل عام تجسد منطق التسيد، مهما كان مصدرها، حزبا سياسيا، أو سلطات عمومية، لأن الشكل الذي يتم بواسطته تصريف هذه العملية (الإحسانية) يتعارض مع مضمونها الإنساني والخيري النبيل، ومع قيم التكافل الاجتماعي الحقيقية!

العمل الإنساني النبيل، لا ينبغي أن يتم بشكل فلكلوري يمس بكرامة الإنسان وبآدميته، وهناك طرق عدة يمكن اللجوء إليها لتوزيع الدعم، تحفظ إنسانية الإنسان، عوض تلك البهرجة الاستعراضية والمهينة لصورة المواطن المغربي الفقير!

من استمع إلى النائب عن حزب التجمع الوطني للأحرار، مصطفى بايتاس، وهو يرد على الأحزاب التي انتفضت ضد القفف التي وزعت جمعية جود التابعة لحزب الحمامة، يعتقد بأن هناك صراعا قويا داخل دواليب الدولة، بين حيتانها الكبرى التي تتصارع على السلطة في البلد!

في ظل هذه النقاشات التي تندرج في إطار السيرك السياسي، يتأكد يوما بعد آخر، أن الأحزاب السياسية تحولت إلى أدوات للصراع بين أجنحة الدولة العميقة، التي تتوارى عن الأنظار!

الكل يعلم من هو البام، وكيف ولد سياسيا، وفي أي سياق، وبأي أهداف، وكم كانت الكلفة المالية  لمشروعه السياسي؟

والكل أيضا يعرف من هو أخنوش، وكيف أصبح أمينا عاما لحزب التجمع الوطني للأحرار، وفي أي سياق، وما هي الأدوار التي أنيطت به؟

 والجميع يعرف من هو نزار بركة، وكيف جيئ به للأمانة العامة لحزب الاستقلال بعد معاقبة حميد شباط، وفي أي سياق؟

ولا أحد يجهل من يكون العدالة والتنمية، وكيف نشأ، وكيف كبر، وفي أي سياق ترأس الحكومة لتدبير الشأن العام؟

والكل بدون شك، يعرف من هو حزب التقدم والاشتراكية حاليا، وفي أي سياق تحالف مع الإسلاميين سنة 2011، ووفق اي أجندة،  ولا يخفى عن أي عاقل في المغرب،  نوعية الأدوار التي بات يلعبها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال العقد الأخير في واجهات متعددة؟

المؤسف أن مثل هذه الصراعات غالبا ما يكون لها ضحايا كثر، وببقى إلى حدود الآن الضحية الأكبر هم الصحفيين، الذين يقبعون في السجون ويخوضون معارك الأمعاء الفارغة، بعد أن اختل ميزان الصراع السياسي، في ظل ظرفية تتسم بالكثير من التعقيد والغموض!

الكل بات يستعمل المواطن المغربي المقهور، في تدبير الصراع حول تملك السلطة والتحكم في مفاصل الدولة، والحال أن هذا الأخير، هو الحلقة الأضعف في معادلة هذا الصراع البئيس، وهو القنطرة التي يستعملها الجميع لإضفاء نوع من المصداقية على خطابه السياسوي المتآكل!

اتقوا الله في هذا الوطن الذي يبقى أكبر من الجميع، وفوق الجميع، وأغلى من كل شيء، واتقوا الله في هذا الشعب الطيب الصبور، الذي عاني كل أصناف البؤس الاجتماعي بسبب فساد النخب السياسية، وبسبب تحالف المال والسلطة، وبسبب عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبسبب الإفلات من العقاب!

حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يتشدق نائبه البرلماني بالإحسان العمومي والتكافل الاجتماعي هو نفسه الحزب الذي تورط عدد كبير من أعضائه في قضايا مالية، تفوح منها روائح كريهة، وحزب الاصالة والمعاصرة الذي يقدم نفسه في صورة الحزب الملائكي الطاهر، هو نفسه  الحزب الذي صدرت أحكام قضائية عدة ضد منتسبين له بسبب الفساد، وحزب الاستقلال الذي يتباكى على صورة المغرب الحقوقية هو الذي ارتبط اسمه بفضيحة النجاة. أما باقي الأحزاب التي لم يتم ذكرها فيكفي تذكيرها بتوقيعها على ذلك البيان التافه، الذي اتهم نشطاء حراك الريف بخدمة أجندة الانفصال!