يتغير العالم في القناعات والاختيارات السياسية، وتسعى الأنظمة لاستيعاب منطق العصر بناء على التكتلات، وتنويع العلاقات الاقتصادية، والشراكة الإستراتيجية في ميدان الاقتصاد والتجارة، وتبادل الخبرات العلمية والتقنية ، ويبقى الجار الشقيق على حاله يعيش في أحوال الماضي، وتركة الحرب الباردة، المبدأ الأصيل يقتضي الحرص على سلامة الجيران، وتمتين الرباط الأخوي، يعني الاختلاف الأيديولوجي مقبول، والتنافس محمود، ولا يعني بالضرورة الإبقاء على العدوانية الثابتة، وتوهيم العالم بالدفاع عن حقوق الآخرين من خلال فكرة تقرير المصير، وتعميم السلبية، بل يجب على الشعب الجزائري أن يقرر مصيره لوحده، لإعادة النظر في البرامج والشعارات، وانتخاب رئيس للبلد يكون بالتوافق والتراضي ، يملك هذا الرئيس مواصفات معقولة في تدبير شؤون البلد بعيدا عن السلطة العسكرية، وعملا بدستور حداثي ملزم للجميع، ينهي الاحتقان، وانغلاق الخطاب السياسي بناء على صعود كوادر سياسية بخبرة في الأداء، ذلك أنفع للمستقبل من تقليب صفحات الماضي للتفتيش في كل ما يعزز العداء ويزيد في جرعته  .

تناقضات الخطاب السياسي الجزائري في شتى الميادين، مفارقات في بناء الوحدة المغاربة مع الإصرار على التقسيم والتجزئة، خطاب سياسي يرمي بالعداء إلى أقصى الدرجات، ينادي بتقرير المصير، ولا يأخذ بالمبدأ في شتى بؤر العالم لدى كيانات مختلفة في الثقافة والانتماء الديني، مخلفات الحرب الباردة، نظام غارق في الماضي، والعالم يتجه نحو التكتلات والمصالح، تناقضات أخرى في القول بالأخوة وحسن الجوار، مع سلوك العداء إزاء الجار القريب الذي يتقاسم معه التاريخ والهوية، شعارات جوفاء، وتضليل متعمد ونقد غير بناء، فالنظام العسكري الجزائري قام بتربية أجيال على الحقد والعداء ، واستمالة الجماهير، بل العداء تحول للقنوات الإعلامية والمساجد في التحريض والرغبة في تفكيك وحدة المغرب وحقه في أرضه ،  سؤال يطرحه القاصي والداني عن الدوافع الظاهرة والكامنة للنظام الجزائري في العداء السافر ؟ هل يعقل أن يتحول العداء إلى تهديد للوجود ؟

التناقض بين الأفكار والأفعال، المبدأ الأصيل في الفعل ينبني على قواعد صارمة في التعامل، والثبات على الموقف، وعندما يخرج علينا زعماء الجزائر بتفكير نمطي ومعمم، تدرك أن الخطاب السياسي لا زال يراوح ذاته في التشويش على عدالة القضية، وثبات الوحدة الترابية للمغرب في المحافل الدولية، وبقدر ما يميل الجار للتضليل الإعلامي، والتقليل من قيمة المغاربة في الدفاع عن أرضهم، وحقهم في السيادة الكاملة، يزيد “الجار” إلهاب حماسة الآخر في تبديل المواقف، وتقويض فرص التسوية العادلة، من منطلق الأخوة وحسن الجوار. يعرف المحللون للشأن المغاربي، وكل من يقرأ في حيثيات الصراع، أن للجار أطماع في الانفتاح على المحيط الأطلسي، والزعامة للمنطقة المغاربية، ونوايا لا ندركها في تحركات النظام العسكري، الذي يزيد من عمره في البقاء، والتمدد في شرايين المجتمع، لإعادة إنتاج ذاته، وأدواته في التحريض والاستمالة بطرق عفا عنها الزمن، العالم اليوم في الألفية الثالثة، يشهد ولادة أنظمة ديمقراطية، وعدالة انتقالية، من القبضة الحديدية والحكم الشمولي نحو التعددية السياسية وبناء التكتلات ، والجار عندما يسوق الأدبيات الماضية في التدبير والتسيير، ويحول الخيرات المادية، من عائدات الغاز والبترول نحو تقويض فرص التنمية البشرية فإن هذا النوع من الأنظمة محكومة بالنهاية من قبل شعوبها، ومحكومة بانهيار داخلي وسقوط قناعها خارجيا، لأنها لا تواكب حركة العصر في التنمية الهادفة، مطالب الحراك الجزائري جاءت بالنتائج العكسية، وانتهت بالفشل في صعوبة إبعاد العسكر عن ميدان السياسة، وعودة الجيش إلى ثكناته العسكرية، وظيفته مراقبة المشهد السياسي عن بعد حتى تعيد السياسة ترتيب ذاتها، وفق المبدأ الأصيل في العمل السياسي الذي يعني التداول السلمي للسلطة، وانتخابات حرة ونزيهة، وتكريس الدولة المدنية ، فالحراك الاجتماعي أسقط العهدة الخامسة، لكن الانتقال الديمقراطي كتجربة فعلية منبثقة من سلطة الجماهير لازالت بعيدة المنال، تغيير المقاعد، وتبديل الكراسي، وإعادة النخبة العسكرية للحكم في شخص الرئيس عبد المجيد تبون، الحل يكمن في رحيل النظام العسكري بكامله، وإفساح المجال للخطاب الشعبي، وضرورة التغيير الشامل في هياكل الدولة، لا يتدخل الجيش في السياسة، ولا في الاقتصاد، دوره في حماية الحدود، وصون البلاد من التهديدات الإرهابية والعدو الخارجي، ملامح الحراك جاءت بالنتائج العكسية، لم تتغير قواعد اللعبة السياسية، ولم يتم تفكيك بنية النظام العميقة والمترسخة في المؤسسات، ما يعني الإبقاء على الأوضاع السائدة، وإجهاض حلم الملايين من أبناء الشعب الجزائري في بناء دولة مدنية تتسع للكل، دولة تهتم بأمورها، تحل أزماتها، وتعمل على خلق أجواء مناسبة للعمل المغاربي، تتكامل مع جيرانها ومحيطها، وتعيد الاعتبار لذاتها في الإصلاح بعيدا عن ترسبات المرحلة السابقة، من عهد بومدين وبوتفليقة، تجديد الخطاب السياسي في الجزائر  ضرورة ملحة لأجل الشعب، ومصلحته في العبور نحو التنمية، بدل إنتاج الأوهام من خلال الدعم السخي للكيان الوهمي المصطنع، لن يستفيد الجار من موارده عندما تصرف على أغراض وأنشطة ضارة، التقسيم والتجزئة ضد الخطاب الوحدوي، الذي انتهجه بومدين زمن هيمنة القومية العربية، يعني المساس بالأوطان فكرة تقوض جهود الوحدة ولم شتات البلدان، صراع عمر طويلا في شمال إفريقيا، استنزف إمكانيات مادية كبيرة من الطرفين، ودخلت المنطقة في استقطاب وحرب باردة، ولم يفلح الجار في جني سوى خيبات الأمل، وما يؤلم الجار الآن اعتراف العديد من الدول بمغربية الصحراء، وعودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وأخيرا إعلان الولايات المتحدة الصريح عن مغربية الصحراء، رسائل النظام العسكري للشعب وللعالم، أنه مستهدف من القوى المعادية، والإعلامي المرئي والمكتوب يعيد اجترار الخطاب، كذلك تجنيد الجزائر للخطباء في المساجد للتشويش والتشويه بالمغرب.                                             لا يجني الجار من العداء سوى ضياع الفرص والمنافع للبلدين ، في تهافت الأفكار الهدامة، والتقليل من قدرة البلدان للزيادة في النماء والاستقرار ، سنوات من الصراع كانت تنتهي للوحدة، والاعتراف بأخطاء الماضي، وإنهاء الانقسام، الأمل المنشود في ثقافة جديدة تعيد الاعتبار للتاريخ المشترك ، وتجبر الضرر، وتعيد استنبات الفكرة الميالة للخير العميم، بين ما تمتلك الجزائر من خيرات باطنية وطاقات بشرية، وما يمتلك المغرب من قدرات في مجال الفلاحة والتجارة،  نسيت الجزائر تركة الاستعمار الفرنسي، سخرت أموالها للدعاية المجانية، وسالت الدماء بمبررات واهية صنعت أمجاد وسمعة النظام العسكري الراعي للبوليساريو، نحن نعلم أن القوة لا تؤسس للحق والعدالة، غير كافية في تحقيق الرخاء والنمو للشعوب، والعناد غالبا ما يصنع إيديولوجيات منغلقة، والماضي يستثمر لإعادة بناء الذات من الداخل ، ومن هنا كانت هذه التناقضات واضحة، يعني الحياد مع التموقع في النزاع، والاعتراف أمام الملأ أن الجزائر مع كل الشعوب التي ترغب في تقري مصيرها، لم تعبر الجزائر عن رغبة الشعب الشيشاني في تقرير مصيره، وكل الشعوب القوقازية، أو الشعب الباسكي، أو شعب كورسيكا في فرنسا، وفك الارتباط بين المارتينك وبعض الدول الإفريقية مع فرنسا، الهشاشة في تدبير أمور الدولة والركون للماضي والزيادة في وتيرة الصراع، تدعيم البوليساريو بالمال والعتاد، لا يهدأ الإعلام في تصويب السهام نحو المغرب، والمقارنة بين المغرب وإسرائيل كمحتل ، فالشعب تربى على فكرة مناهضة الاستعمار، ومن حق الصحراويون العيش مستقلين في بلدهم من خلال الحكم الذاتي، ولا حق سوى العودة للوطن، والمبدأ الأصيل يتوخى أن تكون الجزائر داعمة للمغرب في وحدته الترابية ، والحرب التي دارت هناك في الماضي أصبحت من الأرشيف، والتاريخ الأسود الذي يبقى عالقا بين البلدين تنسيه الجهود الداعمة للأخوة والمصلحة المشتركة، فالجزائر تمتلك صحراء شاسعة، وموارد طبيعية غنية، ولا تمتلك الحكمة والصواب في النأي بذاتها ، وعدم إيذاء غيرها ، حرصها على احترام الجار واجب أخلاقي، ينم عن الكفاءة السياسية، وقراءة عواقب المستقبل، انفصام في ذاتية السياسي يعكس الحقد الدفين، والتشرذم الذي تعاني منه النخبة ، طرد المغاربة من الجزائر في 1975، والتعنت في فتح الحدود، ذاكرة الجار نسيت الحروب والمعارك الضارية من أجل تحرير البلد، ولم تنس حرب الرمال، العناد يقابل بالإساءة للجيران، وإرغام الآخر القريب والبعيد على معاداة المغرب ، تونس وضرورة الاصطفاف مع خيار الوحدة المغاربية، ليبيا والرغبة في تضافر الجهود قصد حل أزمتها سياسيا بعيدا عن تركة القدافي، وموريتانيا والمصلحة المشتركة مع المغرب، معبر الكركرات كشف المستور، وأزال ستار العداء الكامن، وأظهر كمية الأحقاد الدفينة والمستبطنة في اللاشعور، مخلفات الحرب الباردة، وعقود من العداء، لا بد من طي صفحات الماضي .

يعيش العالم اليوم صراع مرير مع الأزمات الاقتصادية والأوبئة، صراع ضد الأنظمة الاستبدادية والغلو الفكري، عالم يتشعب بتناقضات جمة، ويتسع الفكر حتى يشمل الممكن في إنجاز المرغوب والمطلوب في الاقتصاد والثقافة والسياسة، الجار على حاله، عجوز في سياسته، متهافت في أوهامه، شديد العناد في مواقفه، شعب يميل في منحى الانصياع للخطاب الذي لازال مكبلا بقيود القوة، وأحلام نسفت الوحدة . خطاب يتموقع بين التناقضات الصارخة والانغلاق السياسي، بين المبدأ الأصيل في الوحدة والتكامل، وبين التناقض في التقسيم والتشتيت، معارك السياسة والإعلام تظهر نمط التفكير، والرغبة في تقويض جهود العقلاء في حكمة يرتوي منها الخطاب حتى نعيد للسياسة منطقها الذي ينشد المصلحة المشتركة ، انسداد سياسي وانفراج في حل قضية الصحراء على أسس الحكم الذاتي، وعودة الناس إلى وطنهم للبناء، تنتهي هذه المعضلة التي أطالت في عمر النظام العسكري، فقد صدق أفلاطون عندما أعطى للطبقة العسكرية مكانها الطبيعي في الحراسة والمراقبة، ومنح العقلاء من الفلاسفة، وأهل الفضل القيادة والرئاسة، فكانت الدولة مبنية على أساس الاستحقاق، وبعد النظر في العبور بالمجتمعات نحو السلم والتحرر من الحاجة والاستبداد السياسي، المبدأ القويم في الإنسان يعني العودة إلى الثقافة والانصياع للعقل ، وحسن الجوار والأخوة بين الشعبين، أما القاعدة المتينة فهي عدم الاعتداء، وترك الناس يعيشون بسلام في أرضهم، وكفى من الإدعاءات المزيفة، واستغباء الشعوب بدعوى العدو الخارجي المتربص على الحدود، وخطر التفتيت والتقسيم، لا تعني هذه التناقضات سوى الهروب من الانتقال الديمقراطي والهوس بالزعامة .