في حواره التلفزيوني الاخير، صرح رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن هناك توجيهات عليا من أجل “تطبيق القانون بصرامة” بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية بالبلاد، في إطار التدابير الاستثنائية لمواجهة جائحة كرونا!

ماذا تعني عبارة “تعليمات صارمة” في هذا السياق؟ كيف سيتم فهمها من طرف الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون؟ كيف سيتم تنزيلها على أرض الواقع في التعامل مع المخالفين لإجراءات الطوارئ؟

هناك توجيهات تعطى للمسؤولين في الحكومة، لا يتم الانتباه إلى مخاطر تأويلها، من طرف الجهات المعنية بتصريفها. وبما أن هناك قانون يؤطر حالة الطوارئ، فان هذا القانون، قد حدد بشكل واضح، العقوبات التي يمكن أن  تطال أي مواطن لم يحترم مقتضياته.

من غير المستبعد، أن يكون المقصود من التعليمات الصارمة، التي تحدث عنها رئيس الحكومة في خروجه الإعلامي الاخير، هو منع التعاطي بمرونة مع عدم التقيد بإجراءات الطوارئ المعلنة من طرف المواطنين، غير أن  الممارسات  التي وقعت في مناطق متفرقة من جغرافية هذا الوطن، والتي ثم توثيق جزء كبير منها بالصوت والصورة، اتسمت فيها تدخلات رجال السلطة واعوانهم بعنف غير مشروع، ولا يمكن تسويغه تحت أي مبرر كان بجائحة كرونا، مادام أن هناك قانون يعاقب على عدم احترام إجراءات الطوارئ!

قبل يومين فقط، تم نشر شريط فيديو يوثق لانتهاكات غير مقبولة لحقوق الإنسان، من طرف مسؤولين في السلطة بمدينة مراكش. كما أن هناك شريط فيديو آخر، تضمن مزاعم حول تعريض مواطن بمدينة بني ملال للتعذيب، وللمعاملة القاسية، والمهينة، والحاطة من الكرامة الانسانية، من طرف رجل سلطة وعون سلطة داخل أحد الملحقات الإدارية بالمدينة.

المعني بالأمر، قدم من خلال ذلك الشريط، معطيات صادمة، تفيد بأن رجل السلطة ومساعده، جردوه من ملابسه، وقاموا بتعنيفه وإهانته، لمجرد أنه طالب باستعادة محجوز. كما تضمن نفس الفيديو شهادات أشخاص آخرين، ضد نفس المسؤولين، مما يستدعي فتح تحقيق جدي في الموضوع!

عندما يتعلق الأمر بمزاعم حول تعرض اي إنسان للتعذيب، فإن الأمر، يستدعي فتح تحقيق عاجل، قبل اللجوء إلى أي إجراء آخر، وذلك من أجل ترتيب الأثر القانوني في مواجهة اي طرف، تبث أنه مسؤول عن فعل يجرمه القانون، أو ادعى وقائع غير صحيحة!

المفروض في مثل هذه الوضعيات، إخضاع الضحية المفترض إلى الخبرة الطبية، للتأكد من صحة تعرضه للتعذيب، وغيره من الممارسات الماسة بالسلامة الشخصية، او القاسية، او الحاطة من الكرامة الإنسانية، لاسيما، وأن الدستور المغربي يجرم هذا النوع من الممارسات. كما ان المغرب صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من الممارسات الماسة بالكرامة الإنسانية، وهناك آليات وطنية للوقاية من التعذيب، أحدثت خصيصا لرصد وتتبع هذا النوع من الجرائم الخطيرة!

إثارة مثل  هذا النوع من القضايا الحقوقية، لا ينبغي فهمه، كما لو أن الأمر ينطوي على استهداف مقصود لرجال السلطة المكلفين بإنفاذ القانون، بل إن الأمر، يدخل في اطار التنبيه إلى مخاطر استغلال حالة الطوارئ، او تدبيرها بمنهجية غير سليمة من طرف بعض المسؤولين، يكون من شأنها المساس بحقوق الإنسان. وفي هذا الاطار، لا يسعنا، إلا التنويه بقرار توقيف المسؤولين بالقوات المساعدة، الذين قاموا بتعنيف مواطن مسالم، بطريقة غير معقولة بمدينة مراكش.

لا نشك بأن الظرفية صعبة، ونقدر بأن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق السلطات العمومية، من أجل حماية الأمن الصحي للمغاربة من تفشي الوباء، غير أن هناك تصرفات صدرت من طرف بعض رجال السلطة، خلفت استياء كبيرا لدى الحقوقيين، وولدت لديهم مخاوف كبيرة، من سيادة أي توجه نكوصي، في التعاطي مع حقوق وحريات المواطنات والمواطنين!

نعم لتطبيق القانون في مواجهة المخالفين لتذابير الحجر الصحي، ولكن هذا لا يمنع الحقوقيين، من  التنبيه لمساوئ اي تعامل من شانه مخالفة القانون، وانتهاك أحكام الدستور،.والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، تحت يافطة أن هناك توجيهات لتطبيق القانون بصرامة!

تدخلات الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، تظل مقيدة بالقانون، ولا ينبغي ممارستها، إلا في اطار القانون، ودون المساس بحقوق المواطنين التي يحميها الدستور المغربي بشكل واضح، من خلال عدد من الفصول الدستورية الواردة في باب الحقوق والحريات.