تابعت خلال الآونة الأخيرة، ما ينشره بعض المدونين ممن يتم تصنيفهم تعسفا بالمؤثرين على مستوى الشبكات الاجتماعية، بسبب تلك العلامة الزرقاء، التي تمنح لهم من طرف إدارة الفاسسبوك، بعد أن يصل عدد متابعيهم إلى رقم معين، والحقيقة أن حيازة تلك العلامة، لا تعني بأي حال من الأحوال، أن أصحابها يشكلون رأيا عاما، أو قادرين على التأثير فيه، كما تسوق لنا ذلك بعض الأطراف لأغراض في نفسها!

من ضمن هؤلاء المدونين، يوجد بعض الأساتذة الجامعيين، وبعض الصحفيين، وبعض كتاب الرأي، وبعض السياسيين، وبعض البرلمانيين، وبعض المسؤولين الحكوميين السابقين، والقائمة طويلة جدا.

تحليل ما ينشره هؤلاء المدونين من تدوينات، وأشرطة فيديو بالصوت والصورة، تتطرق إلى عدد من القضايا التي يراد لها أن تصبح من أولويات المجتمع، في إطار ما يسمى بإستراتيجية الإلهاء، ولدي قناعة راسخة بأن الجزء الأكبر من هؤلاء المدونين، لا يعبرون عن قناعاتهم الشخصية، بقدر ما يخدمون أجندات متعددة في أبعادها، ومختلفة في خلفياتها، تتصارع فيما بينها للسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف توجيه الرأي العام في اتجاهات معينة تحقق الأهداف المرسومة بدقة، بحكم التأثير الكبير الذي أصبح لهذه المواقع على عدة مستويات.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن خرجات المدونة مايسة سلامة الناجي  “رأس سوق الفايسبوك”- خلال الآونة الأخيرة، رأى فيها البعض بأنها لا تخرج عن نطاق تصريف مواقف  جهات معينة، لا ترغب في وصول رجال المال والأعمال إلى قيادة الحكومة في انتخابات 2021، وهذا الرأي  الذي يكون مبنيا في غالب الأحيان، على تحليل سياسي لعدد من المؤشرات السياسية، يمكن أن يكون خاطئا، ويمكن أن يحتمل الصواب أيضا.

وحتى لا ينزعج البعض من أخذ مايسة نموذجا، فإن ما ينشره أيضا بعض الصحفيين ممن يتهجمون  على مايسة سلامة الناجي نفسها، في صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، أو في مواقعهم الإلكترونية، لا يخرج أيضا عن إطار تصريف مواقف جهات أخرى، ترفض  ولاية حكومية ثالثة للإسلاميين، وليس لها أي مشكلة مع رجال المال والأعمال، وهذا ما يفسر  الإسهال الكبير في عدد التدوينات التي تكتب يوميا على صفحاتهم، ومواقعهم، لترويج فكرة جوهرية تحت الطلب، وهي أن حزب العدالة والتنمية كارثة عظمى على الدولة والمجتمع، وهو مصدر كل الأزمات، ومنبع كل الشرور، بل منهم من خجل فقط من تحميل هذا الحزب، المسؤولية المعنوية عن الحادث الإرهابي الذي وقع في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.

ماذا يعني كل هذا النزيف؟

يعني أن هناك صراعا في مواقع صناعة القرار داخل الدولة يتم تصريفه من خلال (حروب الوكالة) عبر ما يسمى بالمؤثرين الاجتماعيين في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة أنه أصبح يصعب على المتتبع، تصنيف كل تلك التعبيرات على مستوى هذه الفضاءات، وقد لاحظ عدد من المتتبعين كيف كان الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، في حواره مع الرمضاني بإذاعة ميد راديو، يخندق هذا الأخير في جهة معينة دون أن يقوى على ذكرها.

هل هذا الأمر صحي؟

في دولة هشة ديمقراطيا مثل المغرب، تصبح مثل هذه الظواهر أمر عادي جدا، ولكنها تعكس في العمق حقيقة مرة، وهي أن الانتخابات في المغرب، لم تعد أي سلطة قادرة على ضبط نتائجها قبليا، بسبب عدد من المتغيرات التي فرضت نفسها على الجميع، وأدت في النهاية إلى بروز كل تلك التعبيرات على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي!

كيف هي الصورة الآن؟

هناك حملات قوية في اتجاهين متناقضين: إضعاف حزب العدالة والتنمية من جهة، وإفشال مخططات وتحركات حزب رجال المال والأعمال من جهة ثانية.

من أجل ماذا؟

لفسح المجال أمام حزب الاستقلال بقيادة نزار بركة كرهان أول لتدبير  المرحلة المقبلة، أو أمام حزب البام بقيادة وهبي كرهان ثاني للتخلص من عقدة الاستحقاق الانتخابي لسنة 2011 والاستحقاق الانتخابي لسنة 2016 . ولهذا على الجميع أن يستحضر السياق والظروف التي أصبح فيها كل من نزار بركة وعبد اللطيف وهبي أمينين عامين لكل من حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة.

أين تتموقع باقي الأحزاب السياسية وفق هذا المنطق؟

باقي الأحزاب أصبحت في ظل موازين القوى السياسية الراهنة تلعب أدوار ثانوية وأصبح مصيرها بالتالي  مرتبطا بنتائج الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

فحزب الاتحاد الاشتراكي، تحول إلى أداة سياسية مهمة لحزب الأحرار، وحزب التقدم والاشتراكية دخل في مرحلة التيه السياسي، ولا مشكلة لديه في التموقع حكوميا مع البام، أو البيجيدي، أو الاستقلال، في حال فوز أي حزب منهم بالانتخابات المقبلة.

أما حزبي الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، فهما الآن من التوابع السياسية لحزب الحمامة، ويمكن لهما تغيير تبعيتهم السياسية في أي لحظة، إذا تبعثرت الأوراق.