في الوقت الذي أعتقدت فيه أن المغرب سيسير في اتجاه الرد بقوة على الاستفزازات السعودية المتكررة والماسة بسيادة الدولة وباستقلالية قرارها السياسي في تعاطيها مع ازمات محيطها العربي، وخصوصا، موقفه الحكيم من الأزمة الخليجية القطرية والتي نأى فيها بالنفس بحس دبلوماسي براغماتي مشروع روعيت فيه مصالحه الحيوية والإستراتيجية…

جاءت الإدانة الملكية لاستهداف الرياض بمجموعة من الصواريخ التي أطلقت على المملكة العربية السعودية من داخل الأراضي اليمنية لتضع حدا لهذا الاعتقاد “الطوباوي” لكي يكون هناك انسجام بين الموقف الدبلوماسي المعبر عنه والمشاركة المغربية في التحالف الدولي ضد ما يسمى ب “الميليشيات اليمنية” المقاتلة للسعودية.

 من ضمن الخيارات الدبلوماسية التي فكرت في امكانية لجوء المملكة إليها بعد الصمت المغربي على تغريدات آل الشيخ غير الودية أن يكون ذلك الصمت مقدمة لإعلان موقف انسحاب المغرب من التحالف الدولي في اليمن والاتجاه في المقابل إلى تمثين العلاقات المغربية القطرية على كل الأصعدة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية لرد الصاع صاعين وإعطاء درس لن ينسى لحكام السعودية على أن المغرب لا يساوم على هيبته الدولية ولا يقبل المساس بأي شكل من الأشكال بهيبته وبسيادته الوطنية وباستقلالية قراره السياسي في علاقاته الدولية مع محيطه العربي أو الأوروبي أو الإفريقي..

أخطأت الاعتقاد بمثالية زائدة عن اللزوم لأن التوجه البراغماتي للمملكة كان هو سيد الموقف،لا سيما،  في ظل وجود تقارب أمريكي سعودي و في ظل توطيد علاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع حكام السعودية الجدد الذين يغدقون على البيت الأبيض بملايير الدولارات عبر صفقات تسلح غير مسبوقة من أجل إضفاء نوع من الشرعية عليهم خلال المرحلة الراهنة في الوقت الذي يشتد فيه الحصار على الشعب اليمني الذي يعاني من الجوع والفقر والتقتيل بسبب الحرب التي تشنها عليه المملكة السعودية في إطار تحالف دولي يطرح اكثر من علامة استفهام حول جدواه ومشروعيته!

علاقة أمريكا بحكام السعودية الجدد أصبحت مخيفة للكثير من الدول التي اصبحت لها قناعة راسخة أن صفقات محمد بن سلمان بملايير الدولارات مع زعيم البيت الأبيض ترامب ستكون مما لا شك في ذلك محكومة بدفتر تحملات إقليمي ودولي لا أحد يعرف طبيعة بنوده ولا نوعية تاثيراته الجيوستراتيجية في المنطقة على المديين القريب والمتوسط!

من حق الدولة المغربية في ظل هذا المناخ الدولي أن تكون حريصة في تعاطيها الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية من باب ترجيح “مصالح البلد العليا” لكن هذا لا يبرر التفريط في هيبتها التي كثر عنها الحديث في الآونة الأخيرة على خلفية الحراك الاجتماعي لجرادة في ممارستها لسياستها الخارجية في علاقاتها الدولية مع اي كان.  

من المعلوم السياستين الداخلية والخارجية للدولة المغربية تشكلان وجهان لعملة واحدة ومن يدفع بهيبة الدولة داخليا لتبرير ممارسات السلطة عليه أن يدفع بنفس الهيبة حتى في علاقاته الدولية على المستوى الخارجي بمواقف واضحة ولا لبس فيها عوض الركون إلى الصمت عندما تهان سيادة البلد وكرامة مواطنيه بمبرر أن مصلحة البلد أولى وأن مجال السياسة الخارجية يقتضي إعمال الكثير من البراغماتية!