لو كان لدى بعض الفاعلين السياسيين والحزبيين والحكوميين حس المسؤولية السياسية والحزبية لما خرجوا بتصريحات طائشة داخل مؤسسات دستورية لم تخلق من اجل الدفاع عن مصالح الشركات الاحتكارية  ولما كتبوا تدوينات بئيسة تصادر حق جزء كبير من أبناء الشعب المغربي بكل مكوناته في الانخراط في مبادرة  مقاطعة بعض المنتجات كشكل احتجاجي حضاري ومتمدن ضد الرأسمال الجشع والاقطاعية..

 ولكن بما أنهم صرحوا بما صرحوا وكتبوا ما كتبوا فإن جزء كبير من المغاربة لن تعوزهم  إمكانية إدراك خلفية تلك الانفعالات التي تقوي مبادرة المقاطعة وتعطيها مناعة أكثر في تحقيق أهدافها في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وسيطرت لوبيات معينة على مفاصل الاقتصاد الوطني. 

الطموح في تحقيق أهداف معينة أمر مشروع ولكن عندما يلجأ الفاعل الحزبي إلى إستعمال وسائل غير مشروعة إن لم نقل قذرة لتحقيق الغايات الشخصية تحت غطاء المصلحة الوطنية المفترى عليها حينها نصبح أمام تدليس سياسي مردود عليه وإلا فما معنى وصف المقاطعين بالمدوايخ والقطيع ونعث مبادرتهم بالخيانة الوطنية؟ لماذا يراد ربط منتجات بعض الشركات بالوطن؟

المقاطعة كانت ناجحة بمدنيتها وسليمتها وترتبط في أبعادها بحق المغاربة في التعامل مع المنتجات المعروضة أمامهم في السوق بكل حرية. المغاربة أحرار في التعامل مع أموالهم ومن حقهم أن يشتروا بيها ما يشاؤون من المنتجات ولا سلطة ولا وصاية لأي جهة كانت على اختياراتهم.

مادام أن التعبئة سلمية والسلوك مدني فإن ردود الفعل المتشجنة حول المقاطعة هي التي ستزيد من صب الزيت على النار بل هي التي تعطي مناعة أكبر للحملة وتجعلها ناجحة وتظفي عليها المصداقية والمشروعية.

 احترم مواقف وخيارات الجميع  غير أنني لا أوافق  التحليل الذي يذهب في اتجاه أدلجة فعل المقاطعة وتحزيبه وربطه في الكثير من جزئياته بمكون سياسي معين يتهم بالسعى إلى تصفية حسابات سياسية معينة مع فاعل سياسي آخر. هذه لعبة سمجة! 

الفعل الاحتجاجي لا يمكن اخضاعه بالضرورة لبنية تنظيمية حزبية أو تسييسه وفق اديلوجية معينة والذين يدفعون في اتجاه أن الجهة التي تقف وراء المبادرة هي “الخوانجية” فإن دفعهم  مؤسس على أمور هشة وينطلق من تحليل سطحي ومبني على اقتفاء أثر انتماءات المدونين وهذا أمر لا يستقيم ويفتقد للرجاحة العقلية. 

اختيار تلك المنتوجات يمكن أن يكون له منطق اقتصادي وليس بالضروري سياسي. هناك شركات تحتكر 60 في المائة من السوق الاستهلاكية للمنتجات التي تستثمر فيها وهي بذلك تشكل رأس حربة الرأسمال الجشع الذي لا تهمه إلا مصالحه وارباحه ولايأخد بعين الإعتبار دخل المواطنين ووضعهم الاجتماعي وقدرتهم الشرائية. كما أن بعض تلك الشركات يستغل ثروة طبيعية هي في المقام الأول والأخير ثروة للشعب المغربي الذي من حقه أن يستفيد منها بشكل معقول والكل يعلم أن قواعد القانون الدولي تعطي للشعوب حق استغلال ثرواتها الوطنية التي اصبحت للاسف الشديد محتكرة من طرف اقلية في البلاد.

نقطة أخرى لا ينبغي القفز عليها في ظل محاولات البعض ربط مبادرة المقاطعة بتيار سياسي معين وهي أن جزء كبير من مغاربة الخارج هم الذين ساهموا بشكل كبير في انجاح هذه المبادرة من خلال تصوير اشرطة فيديو فضحت الفجوة في الأسعار بين المغرب وأوروبا وأمريكا رغم أن الفرق شاسع بين دخل المواطن هنا وهناك وعلى هذا الأساس لا يمكن بأي حال من الأحوال خندقة كل هؤلاء المواطنين في بنية حزبية معينة وهم المحرومين من المشاركة وفق  تحليلات ايديولوجية  هشة للفعل الاحتجاجي الذي يخوضه جزء كبير من مغاربة الخارج والداخل بشكل تضامني ضد الاحتكار.

 نحن في تماس مع المغاربة في الشارع وفي المقاهي وفي كل الفضاءات العمومية ونستطيع من خلال هذا الاحتكاك رصد الخلفية التي تؤطر معركة المقاطعة بكل وعي.

بعض المحسوبين عن اليسار ينفخون في البيجيدي وبعطونه قوة لا تناسب حجمه وسط الشعب ويخدمونه  ويعملون الدعاية المجانية له من حيث لا يدرون رغم أن غاية تحليلاتهم معلوم خلفيتها المؤطرة بصراعهم السياسي والاديلوجي الذي لا يخفى عن كل عاقل مع الاسلامويين.

 الانتقائية التي جعل منها البعض مشجبا لهدم المبادرة يمكن ان تكون تكتيك لتحقيق هذف استراتيجي والمثل يقول: ” منين ما ضربتي القرع يسيل دمو” .

البيجيدي يمكن أن تكون له حساباته  السياسية من وراء دعم مناضليه للمبادرة في ظل تصريح مناوئ لها من طرف زعيمهم الذي خدم مصالح الرأسمال الجشع كما هي حسابات اليساريين غير أن الجزم بأن “الخوانجية” يقفون وراء المبادرة بناء على قرائن بسيطة أمر لا يستقيم ومجرد هرطقة لا فائدة منها في ظل دخول فئات عدة ملزمة بواجب التحفظ على خط المبادرة من خلال ترويج صور ترمز لها مرفوقة بلافتات ورقية تتبنى فيها المقاطعة دون ان يصدر اي نفي او تأكيد في شان صحتها مما يزيد من حالة الالتباس.

أعتقد أن المهم هو التمرين الاحتجاجي وإذا كانت اي جهة ترى انها قادر على اخد زمام المبادرات السلمية والمدنية فلتتفضل.