خلفت مشاهد الهجرة الجماعية لشباب الفنيدق خلال نهاية الأسبوع، استياء واسعا في أوساط الرأي العام، بعد انتشار مقاطع مصورة تظهر كيف يرمي شباب في مقتبل العمر أنفسهم وسط الأمواج، من أجل الهجرة لمدينة سبتة المحتلة، بحثا عن ظروف عيش كريمة.

وتأتي هذه الهجرة الجماعية، بعد أسابيع من خروج ساكنة مدينة الفنيدق في احتجاجات تطالب بإعادة فتح المعبر الحدودي مع سبتة، أو إيجاد بدائل اقتصادية للساكنة، وهو ما تفاعلت معه السلطات بتقديم وعود مستقبلية، ومبادرات استعجالية، إلا أن مشاهد “الهروب الجماعي” تطرح عدة تساؤلات حول البدائل التي قدمتها السلطات.

هروب من واقع مزرٍ

تأتي عملية الهجرة الجماعية التي أقدم عليها شباب الفنيدق، والمدينة تعيش أحد أسوأ أيامها اقتصاديا واجتماعيا، بعدما أغلق المعبر الحدودي الذي يعد الشريان الاقتصادي والعمود الفقري للمدينة، وهو الواقع الذي زاد تأزما مع تفشي جائحة كورونا وما خلفته من انعكاسات سلبية، وتدابير احترازية أسهمت في تفاقم الأوضاع، خاصة بعد قرار الإغلاق الليلي في رمضان.

وتؤكد مصادر محلية لموقع “لكم” أن من أرباب الأسر من لا يجد قوتا يسد به جوع أبنائه، بعدما فقدوا مصادر دخلهم، وفي ظل غياب أي بديل اقتصادي يقيهم شظف العيش.

وقد بلغ عدد الشباب الذين فروا من هذا الواقع خلال اليومين الماضيين حوالي 100 شخص، حسب مصادر محلية، لقي ثلاثة منهم، على الأقل، مصرهم غرقا في عرض البحر، في محاولة هجرة جرت أمام الأنظار.

ولم تغير الاحتجاجات التي نظمتها الساكنة من واقع الأمر شيئا، في الوقت الذي يؤكد فيه محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان وجود احتقان كبير لدى الشباب وعموم المواطنين بالمدينة، وهو ما تعكسه بجلاء مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال حسابات وصفحات المنطقة، التي تظهر اليأس وفقدان الأمل من مبادرات الحكومة.

وأشار بنعيسى في تصريح لموقع “لكم” إلى أن الاحتقان الذي تعرفه المنطقة والمغرب عموما، زادت من حدته الإجراءات المتخذة أخيرا، وعلى رأسها الإغلاق الليلي، وهذا الاحتقان هو ما تترجمه شرارات الاحتجاجات التي تخرج بين الفينة والأخرى في عدة مدن.

امتصاص للغضب

مع توالي الاحتجاجات بمدينة الفنيدق، شهر فبراير الماضي، سارعت السلطات إلى امتصاص غضب المحتجين، وقدمت وعودا للساكنة بـ”تحقيق إقلاع اقتصادي” بالعمالة، حيث عبر والي الجهة في اجتماع جمعه بعدة مسؤولين حينها، عن تفهمه للوضعية الصعبة للساكنة وانتظاراتها.

ومن الوعود التي استعرضها المسؤولون، والتي تهدف إلى الخروج بالمنطقة من الأزمة التي تعيشها؛ بناء وتهيئة منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، وهو المشروع الذي سيكلف 400 مليون درهم، لكن سقفه الزمني حُدد في سنة 2022.

كما أن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي يهدف إلى تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب بكلفة 21 مليون درهم، لن يتم إنجازه قبل سنة 2023.

في حين لم تسفر اجتماعات المسؤولين المحليين بالمستثمرين لتدارس الإمكانيات المتاحة للتشغيل على المدى القريب، وخلق فرص شغل للساكنة، سوى عن مبادرات بسيطة لا تسمن ولا تغني من جوع.

مبادرات موقوفة التنفيذ

وأكد رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان أن المبادرات التي اتخذتها السلطات تبقى محدودة، حيث لم يستفد منها سوى بعض النسوة المشتغلات في التهريب المعيشي، عبر إدماجهن في بعض المصانع.

وكشف بنعيسى في تصريح لموقع “لكم” أن باقي المبادرات تبقى موقوفة التنفيذ، إذ لا وجود لحدود اليوم لمشاريع تستهدف الشباب، أو لمبادرات تعمل على إدماجهم في المصانع بالمدن المجاورة.

وبخصوص المشاريع الطويلة المدى التي أعلنت عنها السلطات، فأكد رئيس المرصد أنها تبقى حبرا على ورق، والشباب لا يمكنه أن ينتظر سنوات عدة من أجل استكمال بناء وتهييئ مناطق صناعية أو غيرها من أجل الحصول على فرصة عمل.

وهذا الواقع، يضيف المتحدث، هو ما دفع الشباب إلى الهجرة الجماعية، في وقت لم تتدخل السلطات لثنيهم عن هذا الأمر، خوفا من إشعال فتيل الاحتجاجات في المنطقة، وتركتهم لمصيرهم.

وبخصوص الحلول التي يمكن أن تخفف من واقع الحال بالمنطقة، أشار بنعيسي إلى أن المقترحات التي تم تقديمها للسلطات المعنية باءت كلها بالفشل، لافتا إلى أن المنطقة غنية بمواردها الاقتصادية والسياحية التي يمكن استغلالها للتخفيف من حدة الوضع، لكن القرارات التي يتم اتخاذها تجري عكس التيار، وحتى المبادرات في عمومها تبقى مثالية أكثر منها مبادرات واقعية.