توقع موقع “ذي نيشن”، في مقال كتبه توني كارون ودانييل ليفي، أن إسرائيل سوف تخسر حربها في غزة لأنها تخوض حربا عسكرية بينما تخوض حركة “حماس” حربا سياسية ضدها.

واستشهد كاتبا المقال بما قاله وزير الخارجية الأمريكية السابق هينري كيسنجر عن هزيمة بلاده في حرب فيتنام في سبعينات القرن الماضي، عندما كتب  أنهم أخفقوا كأمريكيين في رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: “حرب العصابات تنتصر فيها إذا لم تنهزم ، أما الجيش التقليدي فهو ينهزم إذا لم ينتصر”.

وقال الكاتبان إنه على الرغم من العنف الذي أطلقته إسرائيل على الفلسطينيين، فقد فشلت في تحقيق أي من أهدافها السياسية.

وفيما يلي نص المقال:

قد يبدو من الحماقة الإشارة إلى أن مجموعة من القوات المسلحة غير النظامية، التي يبلغ عددها بضعة عشرات الآلاف، محاصرة ولا تتمتع بإمكانية الحصول إلى أسلحة متطورة، وهي تواجه واحدة من أقوى الجيوش في العالم، المدعومة والمسلحة من قبل الولايات المتحدة. ومع ذلك، يحذر عدد متزايد من معاهد التحليل الاستراتيجي من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب على الفلسطينيين على الرغم من العنف الكارثي الذي أطلقته منذ الهجوم الذي قادته «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر. وباستفزاز الهجوم الإسرائيلي، ربما تكون «حماس» قد حققت العديد من أهدافها السياسية الخاصة.

يبدو أن كلا من إسرائيل وحماس تعيدان ضبط شروط تنافسهما السياسي ليس على الوضع الراهن قبل 7 أكتوبر، بل على الوضع الراهن لعام 1948. ليس من الواضح ما الذي سيحدث بعد ذلك ، ولكن لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق.

أدى الهجوم المفاجئ إلى تحييد المنشآت العسكرية الإسرائيلية، وفتح أبواب أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم وأدى إلى ارتباك مروع قتل فيه حوالي 1,200 إسرائيلي، 845 منهم على الأقل من المدنيين. إن السهولة الصادمة التي اخترقت بها حماس الخطوط الإسرائيلية حول قطاع غزة ذكرت الكثيرين بهجوم تيت عام 1968. ليس بالضبط لأن هناك اختلافات شاسعة بين حرب استكشافية أمريكية في بلاد فييتنام البعيدة وحرب إسرائيل للدفاع عن احتلال في الداخل، يشنه جيش مواطن بدافع من الشعور بالخطر الوجودي. وبدلا من ذلك، تكمن فائدة المقارنة في المنطق السياسي الذي يشكل قاعدة لهجوم للمقاومين .

في عام 1968، خسر الثوار الفيتناميون المعركة وضحوا بالكثير من البنية التحتية السياسية والعسكرية السرية التي بنوها بصبر على مدى سنوات. ومع ذلك، كان هجوم تيت لحظة حاسمة في انتصارهم على الولايات المتحدة – وإن كان ذلك بتكلفة هائلة في الأرواح الفيتنامية. من خلال شن هجمات هائلة رفيعة المستوى في وقت واحد على أكثر من 100 هدف في جميع أنحاء البلاد في يوم واحد، حطم المقاتلون الفيتناميون المسلحون تسليحا خفيفا وهم النصر الذي تم الترويج له للجمهور الأمريكي من طرف إدارة جونسون كما كشف للأمريكيين أن الحرب التي طلب منهم التضحية بعشرات الآلاف من أبنائهم من أجلها لا يمكنهم أن ينتصروا فيها.

قامت القيادة الفيتنامية بقياس تأثير أعمالها العسكرية من خلال آثارها السياسية بدلا من المعايير العسكرية التقليدية مثل عدد الرجال القتلى وحجم العتاد المفقود أو مساحة الأراضي المكتسبة. وهكذا تأسف هنري كيسنجر عام 1969: “لقد خضنا حربا عسكرية بينما خاض خصومنا معركة سياسية. نحن سعينا إلى الاستنزاف الجسدي وكان خصومنا يهدفون إلى استنزافنا النفسي. في هذه العملية أخفقنا في رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: حرب العصابات تنتصر فيها إذا لم تنهزم أما الجيش التقليدي فهو ينهزم إذا لم ينتصر”.

هذا المنطق دفع جون ألترمان Jon Alterman من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة أن يدرك أن إسرائيل معرضة لخطر كبير للهزيمة أمام حركة حماس:

إن مفهوم حماس للنصر العسكري… هو الاعتماد على قياس الانتصار بالنتائج السياسية على المدى الطويل. حماس لا تنظر إلى النصر في أفق عام واحد أو خمسة، ولكن من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يقوّي التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة إسرائيل. في هذا السيناريو، تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة حولها وترفع منسوب الغضب عندهم كما تساعد على انهيار حكومة السلطة الفلسطينية من خلال ضمان أن ينظر إليها الفلسطينيون أكثر على أنها مساعد عاجز للسلطة العسكرية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، ستبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، وتنحاز دول وشعوب الجنوب في العالم بقوة إلى القضية الفلسطينية وتتراجع أوروبا عن دعمها لتجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويندلع نقاش أمريكي داخلي حول إسرائيل، مما يقلل دعم الحزبين الجمهوري والديموقراطي الذي تتمتع به إسرائيل منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين.

وكتب ألترمان أن حماس تسعى إلى “استخدام عناصر قوة إسرائيل للانتصار عليها. إن قوة إسرائيل تسمح لها أن تقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمر البنية التحتية الفلسطينية، وتتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس. كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس الحربية”.

وقد تم تجاهل هذه التحذيرات من طرف إدارة بايدن والقادة الغربيين، الذين ينبع دعمهم غير المشروط للحرب الإسرائيلية في الوهم بأن إسرائيل كانت مجرد دولة غربية أخرى تمارس حياتها العادية سلميا قبل أن تتعرض لهجوم غير مبرر في يوم 7 أكتوبر – إنه وهْمُ الكسلاء الذين يرفضون الاعتراف بواقع كانوا متواطئين في تأسيسه.

لا يجب أن نغفل “إخفاق الاستخبارات” فقد كان فشل إسرائيل في توقع 7 أكتوبر فشلا سياسيا في إدراك عواقب نظام القمع العنيف الذي وصفته منظمات حقوق الإنسان الدولية والإسرائيلية الرائدة بأنه فصل عنصري.

قبل عشرين عاما، حذر رئيس الكنيست السابق أفروم بورغ Avrum Burg من حتمية رد الفعل العنيف. عندما كتب في صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون.”اتضح أن النضال الذي دام 2000 عام من أجل بقاء الشعب اليهودي أصبح مختزلا في حماية بعض المستوطنات، التي تديرها زمرة غير أخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين الذين يصمون آذانهم عن مواطنيهم وعن خصومهم. لا يمكن لدولة تفتقر إلى العدالة أن تستمر”،

حتى لو أحنى العرب رؤوسهم واستوعبوا خجلهم وغضبهم إلى الأبد، فلن تنجح هذه الدولة. إن البنية التي تعتمد على القسوة البشرية ستنهار حتما على نفسها…. لا ينبغي لإسرائيل، بعد أن توقفت عن الاهتمام بالأطفال الفلسطينيين، أن تتفاجأ عندما تغمرهم مشاعر الكراهية ويفجرون أنفسهم في مراكز الاختباء الإسرائيلية.

وحذر بورغ من أن إسرائيل يمكن أن تقتل 1000 رجل من حركة المقاومة حماس يوميا ولا تحل المشكل أبدا، لأن أعمال العنف الإسرائيلية ستكون مصدرا لتجديد صفوف تلك المقاومة ولكنهم تجاهلوا تحذيراته حتى عندما تذكروها فقط عدة مرات. هذا المنطق نفسه ينطبق الآن على المبالغة في التدمير الحالي الجاري في غزة. إن العنف المبالغ فيه الذي توقعت إسرائيل أن يعاني منه الفلسطينيون في صمت يعني أن الأمن الإسرائيلي كان دائما وهما.

أكدت الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر أنه لا يمكن العودة إلى الوضع السابق. ومن المرجح أن يكون هذا هو هدف «حماس» من شن هجماتها القاتلة وحتى قبل ذلك، كان الكثيرون في القيادة الإسرائيلية يدعون علنا إلى استئناف عملية النكبة عبر التطهير العرقي لفلسطين وهاهي تلك الأصوات تبرز مجددا وترفع صوتها.

عندما استأنفت إسرائيل هجومها العسكري وعادت حماس إلى إطلاق الصواريخ، أصبح من الواضح أن حماس لم تهزم عسكريا.

وشهدت الهدنة الإنسانية المتفق عليها في أواخر نوفمبر إطلاق حماس سراح بعض الرهائن مقابل الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية وزيادة الإمدادات الإنسانية التي تدخل غزة، كما تشير المذابح الجماعية والدمار الذي أحدثته إسرائيل في غزة إلى نيتها لجعل القطاع غير صالح للمعيشة بالنسبة إلى 2.2 مليون فلسطيني يعيشون هناك – والضغط من أجل طردهم وترحيلهم عبر كارثة إنسانية مخطط لها عسكريا. وفي الواقع، فإن تقديرات “جيش الدفاع الإسرائيلي” نفسه هي أنه قتل حتى الآن على أقل من 15 في المائة من قوة حماس القتالية في إطار حملة عسكرية أسفرت عن مقتل أكثر من 21,000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، من بينهم 8,600 طفل.

ـ المصدر: موقع  “ذي نيشن”
ـ نقله إلى العربية “موقع “لكم”