أكد عبد الاله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، أن أهمية الإصلاح بالمغرب تستمد مشروعيتها من قدم الدولة المغربية وتاريخ شعبها العريق بحيث يحظى كدولة بوضعية اعتبارية منذ القدم وقام بأدوار ومسؤوليات كبيرة في التاريخ ولا يجب أن يتخلى عليها كما كان أيام الحرب الصليبية التي اتجهت للشرق ولم تستطع مواجهة المغاربة.

وأوضح بنكيران في لقاء مع شبيبة حزبه بمراكش أن نابليون اتجه لاستعمار مصر ولم يأت للمغرب،كما أن الاستعمار الفرنسي دخل الجزائر سنة 1830، وانتظر 82 سنة ليأت للمغرب سنة 1912 كحماية وليس كاستعمار.

وأضاف أن تاريخ المغرب بالأندلس التي قضينا بها ثمانية قرون شاهدة على الوضع الاعتباري لبلدنا، بحيث يمكننا وصفه بأنه من أقدم بلدان العالم إن لم يكن أقدمها، والتي استمر تاريخها لقرون كالصين واليابان.

وتابع أن تاريخ المغرب عرف حكم الأدارسة والمرينين والمرابطين والموحدين والوطاسيين والسعديين والعلويين، وحافظوا جميعا على هيبة الدولة وحدودها.

وأردف بنكيران أن بعد الدولة تأتي أهمية الحفاظ على الحزب، موضحا أنه منذ خروج أعضاء البيجيدي مما وصفها بنكيران “من العزلة قرروا الاندماج مع المجتمع لأنهم كانوا أيام الحركة الإسلامية قد قطعوا التواصل مع الجميع”.

وأكد الأمين العام السابق للعدالة والتنمية أنه هو من كان وراء خروج إخوانه في  العدالة والتنمية من السرية إلى العمل في إطار القانون، مضيفا أن الأمر لم يكن سهلا وأن العمل السياسي لم يكن هدفا بدليل أن الميثاق الأول لحركة التوحيد والإصلاح جاء في المرتبة الثامنة.

وفي سياق متصل قال بنكيران انه لا يرغب في لقاءاته مع الشباب الحديث عن أبناء جيله، وإنما في أن يحثهم للبحث عن طرق للحفاظ عن بلدهم واستقرارها، وأن يكون لديهم دور في إصلاح الدولة والمجتمع، وذلك للقيام بالدور التاريخي الذي لعبه المغاربة.

وتابع موضحا:”عندما كنت رئيسا للحكومة قال لي أحد أمراء الخليج، من لنا نحن في الخليج غير إخواننا المغاربة، لأنهم واعون أن المغاربة هم الذين حموا ظهرهم، بفضل جهود أبائكم وأجدادكم الذين كانوا في معارك الزلاقة وواد المخازن وكان لهم هذا الدور من جهة أقاموا حضارة بالأندلس يستحيل محو آثارها، والإسبان سيعترفون بالأخطاء التي ارتكبوها ضد المغاربة المسلمين..”

وخاطب بنكيران شبيبة حزبه أن الهدف من انتمائهم للحزب ليس الحصول على مناصب المسؤولية كمستشارين جماعيين أو برلمانيين أو حتى وزراء، حيث أكد أن هذه المناصب ليست هدفا وإنما وسيلة، ومن كان يرغب في الكسب فعليه التوجه للسوق، لأن المنطق في تدبير الشأن العام يقول: أنك ستخدم وطنك ومواطنيه وتعويضاته ثانوية وليست الأساس.

وكشف المتحدث ذاته أن اطلع مؤخرا على تقرير حول أكثر الدول المتشبثة بالأخلاق الإسلامية، حيث تصدرتها إيرلندا وماليزيا كأول دولة إسلامية في المرتبة 16 وأول دولة عربية حصلت على النرتبة 43.

ووجه بنكيران نقدا لاذعا للمتشبتين بالمناصب من إخوانه حيث طالب شباب حزبه بأن يقدموا له العزاء في حياته قبل مماته، ناهيك إن كانوا يعملون من أجل قطع الطريق عن باقي إخوانهم ليبقوا في مناصب المسؤولية.

وأضاف أن مثل هؤلاء غير صالحين ويجب أن يذهبوا من حزب العدالة والتنمية لأن حزب العدالة والتنمية اليوم حزب كبير ولكنه لم يكن كذلك سنة 1992 عندما كنا نبحث عن وصل التأسيس وتوصلنا من عمر بن شمسي برسالة تقول انه لا يمكن لهذا الحزب أن يتأسس.. وكنا كالأيتام في مأذبة اللئام”.

وروى بنكيران تفاصيل من بداية دخول حزبه في المحطات الانتخابية، موضحا أن الدكتور الخطيب لم يكن يتوقع أن يحصلوا ولو على مقعد واحد في انتخابات 1997، لكنهم حصلوا على تسع مقاعد بعدما اقتطعت منهم مقاعد أخرى ومنها المقعد الذي تخلى عنه محمد حفيظ بعد ظهوره في برنامح على إذاعة “بي بي سي” رفقة  محمد الساسي.

وفي ذات السياق نفى بنكيران أن يكون الدكتور الخطيب عراب الإسلاميين كما يلقبه البعض، موضحا في هذا الصدد أن القصر الملكي كان يخاطبه هو شخصيا وليس الدكتور الخطيب.

وكشف بنكيران أن الملك الحسن الثاني عندما رفض مشاركة الإسلاميين في انتخابات 1993، بعث له مستشاره أحمد بن سودة، وأخبره أن الملك يرفض مشاركتهم في هذه المحطة الانتخابية وإذا شاركتم فلتتحموا مسؤوليتكم.

وتابع بنكيرام موضحا:”بعد اتصال بنسودة بي ولقائي الأول به طلبت منه لقاء ثانيا ذهبت إليه رفقة الراحل عبد الله باها لأني كنت آنذاك رئيسا للحركة، واستقبلنا مستشار الملك وأخبرنا أن الراحل الحسن الثاني يحترمكم ولهذا طلب مني أن أستقبلكم، وإلا كان كلف شخصا آخرن نحن فهمنا أنه يقصد الراحل إدريس البصري”.

وأردف رئيس الحكومة السابق مسترسلا في رواية تفاصيل اللقاء الذي جمعه بالمستشار الملكي أحمد بن سودة بالقول انه :” طلب منه ماذا يريدون؟”، فطلب هو الاخر مهلة حتى ينعقد مجلس شورى الحركة وتم التصويت أن بعدم المشاركة، وعندما ذهبنا للدكتور أصر على المشاركة لكني رفضت وتخاصمنا مدة من الزمن قبل أن نتصالح من جديد” يضيف بنكيران.

وعرج بنكيران عن ظروف عزل الحزب عن الحركة في مؤتمر 1996، وعن المحطات الاتخابية التي شارك فيها الحزب بدء من انتخابات 1997، وصولا للحزب الذي يتصدر المشهد السياسي.

وأعلن بنكيران أنه مع الحفاظ على تصدر المشهد السياسي، لكن ليس بالحفاظ على مناصبها لأنه لدينا روح يجب الحفاظ عليها وإلا ما معنى أن تكون جالسا على كرسي ولا أثر إيجابي لك وبدون فائدة “بحال البطانة” دون أن تساهم في الإصلاح.

من جانب آخر أكد بنكيران أنه لا يدعي أنه حقق إصلاحات كبرى لحظة توليه رئاسة الحكومة، لكنه ساهم إلى جانب الملك في خروج المغرب من أزمة الربيع العربي الأولى، وأن دوره لن ينكره أي أحد.

وقال انه هو من بدأ إصلاح صناديق التقاعد وصندوق المقاصة وقانون الإضراب وأن حكومته كانت السبب عدم مجيء المعطلين  للاحتجاج أمام البرلمان لطلب العمل، وأن حكومته من أنقذت المكتب الوطني للماء والكهرباء من الانهيار.

وتابع موضحا أنه صاحب العبارة التي يستخدمها البعض للاستهزاء من سعد الدين العثماني: “تحل الروبني تلقى الماء وتشعل النكاصة تلقى الضو”، مشيرا إلى أنه هو من قالها في لقاء مع علي الفاسي وفؤاد الدويري، عندما عقدا لقاء معه وطلبا إدخال إصلاحات على تكلفة الماء والكهرباء.

وقال بنكيران لم أنتبه إن كانت سترتفع الفاتورة وإنما كان همي أن تجدوا الماء والكهرباء في بيوتكم، ولهذا لا يجب الاستهزاء من سعد العثماني.

وجدد بنكيران قوله انه كان في الحكومة أي التسيير ولكنه لم يكن في الحكم ، مضيفا أن دور الحكومة جزء لديها صلاحيات ولكنها ليست شاملة لأن المؤسسة الملكية لديها دور في القانون والأعراف وفي الدستور.

وحذر بنكيران إخوانه من أن يكون  مصير حزبهم مصير حزب الاتحاد الاشتراكي، بعد أن قضى أكثر من ولاية في الحكومة، موضحا أن الأحزاب التي تصل للحكومة تنسى السر الذي مكنها من بلوغ تصدر المشهدالسياسي، حيث تبدأ في النزول تدريجيا إلى أن تصل للانحطاط.

ودعا المتحدث ذاته شباب حزبه لطرح السؤال ومراجعة أنفسهم، موضحا أن إخوانه سنة 2008 اشتغلوا على أطروحة النضال الديمقراطي بسبب النتائج التي حققها الحزب سنة 2007، وحينها تم انتخابه كأمين عام لأنه معروف عنه أنه شخص التوافقات والبحث عن حلول، لكنه “وجد نفسه وجها لوجه مع تيار جارف يريد أن يستحوذ على كل شيء” على حد تعبيره.

واعلن بنكيران أنه حاول التواصل مع الأمناء العامين لباقي الأحزاب ومنهم عبد الواحد الراضي الكاتب الأول للاحاد الاشتراكي وعباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال، من أجل تشكيل جبهة لمواجهة “الوافد الجديد”، ولكنهم قالوا لي أن المغاربة لن تنطلي عليهم فكرة تأسيس حزب إداري، فقررت مواجهته بمعية إخواننا في الحزب رغم أنهم وضعوا ضدي عدة شكايات في المحاكم.

واعترف بنكيران أنه اعتمد في مواجهته مع “البام” على السمع والطاعة للملك في المعروف، وذلك بالقول للملك بطرق مناسبة “ان هذا الأمر غير صحيح”، وأحيانا عبر الأشخاص المناسبين، وأحيانا يتنازل ولهذا صوتوا عليه المغاربة في انتخابات 2015 وانتخابات 2016”.

وفي هذا الصدد أوضح أن من كشف مواجهته مع “البام”، هو خروجه لمواجهة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة من خلال تصريح، لعلي أنوزلا، في يومية المساء، وآنذاك اتصلوا بسعد الدين العثماني والراحل عبد الله باها من القصر الملكي وقالوا لهما ان كلام فؤاد عالي الهمة يخصه ولا يمثل موقف القصر الملكي، بعد مغادرته لوزارة الداخلية.

وأضاف أنه كان مستعدا للمشاركة في برنامج القناة الثانية للرد على فؤاد عالي الهمة، لكن العثماني وباها رفضا وتم الاتفاق على مشاركة الرباح بدلا عني في برنامج القناة الثانية.

وأكد أن مواجهته للتيار الذي كان يرغب في الاستحواذ على كل يوازي ما حققته حكومته للمغاربة، لأن التيار الذي لم يسمه انفضح أمره على حد تعبيره.

وفي إشارة منه لإلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة دون أن يسميه، قال بنكيران أنه كان يخاف منه على المغرب وليس على حزب العدالة والتنمية فقط، مضيفا أنه لم يكن يعرف ما كان يدور في خلده من أفكار رغم أن العلاقات الإنسانية بينهما كانت عادية.

ونفى بنكيران أن يكون له تيار داخل حزب العدالة والتنمية، موضحا أن هناك شخص وحيد يعزه ويزوره باستمرا وهو عمدة فاس والوزير السابق إدريس الأزمي، وإذا أخبركم أنه لدينا تيار وسبق واتفقنا على أمر ما سأغادر هذا الحزب”.

وفي سياق متصل كشف بنكيران أسباب استضافته لعدد من اليساريين بالقول أن التخلق بأخلاق الإسلام شبيه بخيمة كبيرة، تضم الجميع لأنهم يشعرون بالعدل والمساواة والإنصاف وهي أشياء لا يجدونها في أحزابهم ومنظماتهم.

واعترف رئيس الحكومة السابق أنه لا ينتظر أن يتولى منصبا جديدا وأنه مكتف بما حققه في مساره السياسي، وأنه يفضل أن يترك أولاده وأحفاده متواضعين ماديا في بلد فيها عدل من أن يتركهم أغنياء في بلاد فيها ظلم”.

ودعا بنكيران بضمان حرية الشباب في التعبير عن آرائهم، موضحا: ” من العار أن تكون لدينا لجن التفتيش، ولولا تدخل المعتصم الله يسمح له،لما سمحت بتمرير مذكرة متابعة أصحاب الرأي المختلف، ومن حق الجميع أن يقول ما يريد، أمااستدعاء الناس للتحقيق معهم وإرهابهم حول تصريحاتهم فهذا غير معقول.”

وتابع:” عندما أسمع بأن تدبير أمور الحزب يكون بالكولسة وتشكيل الأتباع والموالين، فهذا عار وعليكم الابتعاد منه، لأن الله هو الفاعل المختار وإذا أراد لكم مصلحة سيجلبها لكم”.

وختم بنكيران مداخلته بالتأكيد على موروث المغاربة المتمثل في الإسلام والملكية وأنهم مطالبون بأن يكونوا مواطنين صالحين، مذكرا أنه اعتبر اليوم الذي توصل فيه برد من الملك يقول “بأن القداسة لله والعصمة للأنبياء وأنا ملك مواطن”، فتح رباني مبين، وأنه من اقترح على المعتصم على تضمين مذكرة الحزب في الاصلاحات الدستورية تضمينها التوقير والاحترام للملك”.

وخاطب المغاربة بالقول:” إنه من الطبيعي أن لا تعجبكم بعض القرارات الملكية لأنه إنسان يصيب ويخطئ، ولكن بالنظر للعشرين السنة التي مرت من حكمه فيها أخطاء لكن بها نعم كثيرة لا يغفلها أحد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مساهمته خلال العشر سنوات الأخيرة، فقد ساهم بإخراج بلادنا من كل الأزمات، لأن الملكية هي الأساس لكي نبقى أمة، بالنظر لما تعيشه بلدان مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وإذا لم تعجبكم كمغاربة بعض القرارات فجيب قول ذلك بالأدب اللازم بما في ذلك نحن كحزب في رئاسة الحكومة، لأنه الأصل هو الطاعة لكنها مقيدة بالمعروف وليس بأي ثمن وإذا كتب علينا التضحية ماذا سيحدث؟ لأن دعاة الإصلاح والأنبياء وأدوا الثمن، وإلا أصبحنا مجموعة من الجبناء المتصارعين فيما بينهم، لأن مدة الاستوزار “بحال سبع ايام ديال الباكور” سرعان ما تنتهي وتصبح مواطنا عاديا يمشي في الأسواق”.