لم أكن أنوي أن أتدخل في النقاش العقيم الذي خلقه التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول “وضعية المساواة و المناصفة بالمغرب”  لأن ذلك لا يدخل ضمن وظيفتي كأكاديمي يشتغل في مجال البحث العلمي داخل نطاق أسوار الجامعة. لكني أعترف أنني لم أستطع مقاومة ذلك رغم المجازفة التي يتطلبها. 

مهما يكن، دعونا نتفق منذ البداية على أن حقوق المرأة تدخل في صميم حقوق الإنسان الأساسية التي تكفلها جميع القوانين و المواثيق الدولية و الوطنية، و بالتالي فمسألة مساواة النساء مع الرجال في المجال الاقتصادي و القانوني شيء لا مناص منه، لأن ذلك يندرج في صيرورة التطور الإنساني، الذي لا يستطيع المغرب أو غيره أن يفلت منه، مهما تفنن فقهاء الجمود و الاستبداد في محاربته، بذريعة مخالفته للشرع أو لهوية ماضوية تم نسجها من فراغ للتحكم في رقاب الرجال قبل النساء.  

عموما يمكن القول أن إشكالية الحيف الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي و القانوني الذي يصيب المرأة في المغرب ليست بالجديدة، و لا يمكن لأي تقرير مهما كانت جودته أن يحلها، فما بالك بتقرير أقل ما يمكن نعته به هو أنه عادي جدا و لا يأتي بأي جديد في الموضوع، اللهم إعادة صياغة  فرنسية ركيكة جدا للنقاش الذي يدور في صالونات الهيئات الحقوقية و النسائية الدولية قبل الوطنية. 

مع ذلك فهذا ليس بشيء غريب خصوصا وأن مقاولي حقوق الإنسان، سواء الوطنيون أو الدوليون يلجئون في الغالب إلى خبراء من العينة المتوسطة  لنسج تقارير تحت الطلب و بكلفة لا يعلمها إلا إدارة الضرائب. هنا تذكرت أنني كنت قد اتفقت مع زميل لي بوضع دليل عمومي بعنوان “كيف تصبح خبيرا في خمسة أيام” لكننا لم نستطع صياغته إلى اليوم.  

يجب الإشارة أن هذه التقارير التي يعتقد مقاولو حقوق الانسان أنها موضوعية و علمية لا تمت إلى ذلك بصلة، لأنها ببساطة تفتقد لعنصر أساسي و محوري هو الاستقلالية. لكن ما العمل حين تختلط كل الأوراق و يعتقد حتى بعض الباحثين و الأكاديميين أنفسهم أن البحث العلمي يجب تدييله بتوصيات لأصحاب القرار؟ 

الآن إذا أردنا فعلا الدفاع عن حقوق المرأة العادلة فإننا مطالبون أولا أن نبتعد عن اللغة اليقينية  و الشمولية التي تؤدي إلى زرع الشقاق في المجتمع و من ثم خلق تجاذبات إيديولوجيه، نحن في غنى عنها  في هذه المرحلة الدقيقة بالذات، بين مقاولي الدين و مقاولي السياسة. 

ذالك أن الدفاع عن حقوق المرأة يمر بالضرورة عبر النقاش الهادئ و العلمي حول الأوضاع المجتمعية للمرأة و حول التحولات المجتمعية التي تخترق عمق المجتمع و التصورات الدينية و الإيديولوجية التي تقاوم هذا التغيير. لأن السؤال المحوري هو لماذا يعمل مقاولو الشريعة على مقاومة انعتاق المرأة المغربية  القانوني و الشرعي بالرغم من انعتاقها الاجتماعي الفعلي. 

كما يتعين الوقوف الفعلي على مواطن الحيف المجتمعي الذي يطال المرأة و محاولة تجاوزه القانوني أو الإداري. و بدلا من الخوض في حق المرأة في الميراث، الذي يظل نقاشا فقهيا قد لا توجد فيه حلول واضحة مع الفكر الديني المتحجر لفقهاء الاستبداد،  يتوجب أولا خلق الظروف القانونية و المؤسساتية  و الاقتصادية الكفيلة بتحقيقه مثل: رفع الحيف القانوني المباشر عن النساء الأرامل اللائي يتشردن، لا لشيء إلا لأنهن لم يخلفن ذّكورا أو وريثا ليرثوا آبائهم. ثم رفع الحيف عن النساء اللائي يجدن أنفسهن مطالبات بدفع نفس المبالغ التي يطالب بها الذكور لمصلحة الضرائب، وكأن هذه الأخيرة تشتغل بقانون وضعي لا يعترف للذكر بحظ الأنثيين….

هذا إذا كان فعلا علينا أن نتجاوز النقاش المباشر و العقيم مع مقاولي الشريعة و منظري الجمود، أما إذا كان الغرض هو استعراض العضلات و الاستقواء المؤسساتي فإن المجلس الوطني قد أخطأ في التوقيت و في المضمون.