
" طحن مو" الوجه البشع لعلاقة الآمن بحقوق الإنسان

واقعة القتل التعسفي لبائع السمك محسن فكري بمدينة الحسيمة أعادت من جديد طرح النقاش حول علاقة الأمن بحقوق الإنسان؟ لاسيما، وأن الطريقة التي قتل بها الرجل كانت مروعة وصادمة للرأي العام، الذي لم يستسغ مصادرة حق مواطن في الحياة من خلال تدويره في شاحنة للأزبال وهو حي يرزق، بعد أن صادرت السلطات كمية الأسماك التي اقتناها من ميناء مدينة الناضور وقذفت بها في شاحنة للأزبال، دون مراعاة شعوره وخسارته المهولة وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كرب أسرة، بحجة أن تلك الأسماك فاسدة أو ممنوع صيدها وبيعها في الأسواق!!
آراء أخرى
يرى الخبراء الأمنيين أن هناك 3 أسئلة أساسية تؤطر مجال استخدام رجل الشرطة لأي سلطة أو صلاحية وهي:
هل استخدام القوة في حالة ما لها صلاحية في القانون؟، وهذا يسمي المشروعية،
وهل تعتبر ممارسة رجل الشرطة لصلاحيته لها ضرورة مطلقة في هذا الوضع؟، وهو ما يمثل مبدأ الضبط،
وهل تتناسب السلطة المستخدمة مع خطورة الجرم؟، وهذا ما يسمى التناسب.
هذه المبادئ الثلاث التي تحكم عمل رجل الشرطة ينبغي على هذا الأخير أخذها دائما بعين الاعتبار عند أدائه لمهامه كموظف مكلف بإنفاذ القوانين.
لقد تنبه المجتمع الدولي إلى أهمية دور الشرطة في حماية حقوق الإنسان وصونها والدفاع عنها وتوفير الضمانات الكفيلة برعايتها لأن الأمن الفردي للمواطن كما يقول الدكتور محمد الطراونة في أحد دراساته ذات الصلة بعلاقة الأمن وحقوق الإنسان هو جزء من الأمن الجماعي وهو صمام الأمان لدولة القانون والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار يعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/169 الصادر في 17 ديسمبر/كانون الأول 1979 المصدر والأساس لذلك من خلال إقراره مدونة قواعد وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين “الشرطة”.
المدونة كما ذهب إلى ذلك الدكتور الطراونة ليست معاهدة أو اتفاقية بل هي صك من الصكوك التي تتضمن توجيهات للحكومات والهيئات في مسائل ذات علاقة بحقوق الإنسان والعدالة الجنائية حيث طرحت هذه المدونة مجموعة من المبادئ التي تحكم عمل الشرطة في مجال حقوق الإنسان يمكن إيجازها فيما يلي.
أولا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، في جميع الأوقات، تأدية الواجب الذي يلقيه القانون على عاتقهم، وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية، على نحو يتفق مع علو درجة المسؤولية التي تتطلبها مهنتهم، ومن هنا يتوجب على الأجهزة الشرطية القيام بأعمالها سندا للقانون بحيث لا يجوز اعتقال شخص بدون سند قانوني وبناء على أمر قضائي مسبب ولا يجوز لها اعتقال أي شخص بدون إتاحة الفرصة له للاتصال بمحاميه على أن يكون مخالفة ذلك تحت طائلة البطلان والملاحقة في حال إذا خالفت الأجهزة الشرطية هذا المبدأ،
ثانيا: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم،احترام الكرامة الإنسانية وصونها، والمحافظة على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ورعايتها كون حقوق الإنسان المشار إليها محددة ومحمية بالقانون الوطني والدولي،
ثالثا: ينبغي على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين الحفاظ على سرية ما في حوزتهم من أمور ذات طبيعة سرية ما لم يقتض خلاف ذلك كل الاقتضاء أداء الواجب أو متطلبات العدالة.
علاقة الأمن بحقوق الإنسان علاقة مهمة، وتبديد سوء الفهم الحاصل في هذا الإطار، هو المدخل الكفيل بتذويب جليد الخلاف، بين الأجهزة الأمنية والمجتمع الذي لم يعد يتقبل الإهانة والشطط في استعمال السلطة والمساس بالحق في الحياة والحط من الكرامة الإنسانية.
رابعا: لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية كحالة الحرب، أو التهديد بالحرب، أو إحاقة الخطر بالأمن القومي، أو تقلقل الاستقرار السياسي الداخلي، أو أية حالة أخري من حالات الطوارئ العامة، لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة…،
خامسا: يتوجب على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين توفير الحماية التامة لصحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم، وعليهم، بوجه خاص، اتخاذ التدابير الفورية لتوفير العناية الطبية لهم كلما لزم ذلك،
سادسا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين الامتناع عن ارتكاب أي فعل من أفعال إفساد الذمة ومواجهة جميع هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة،
سابعا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين احترام القانون ومدونة السلوك وعليهم أيضا، قدر المستطاع، منع وقوع أي انتهاكات لهما ومواجهة هذه الانتهاكات بكل صرامة،
التذكير بهذه المبادئ المهمة المؤطرة لسلوك رجال الشرطة بين الفينة والأخرى أمر تستدعيه بعض الوقائع التي تفرض على كل الفاعلين ” الدولة، المجتمع المدني، الأحزاب” ضرورة المساهمة الجماعية في تكريس الحكامة الأمنية على أرض الواقع، وإخراجها من المجال النظري إلى المجال العملي، وتحويلها من إشكال مجتمعي إلى انشغال يومي في كل أبعادها، ولاسيما، تلك المرتبطة منها بعلاقة الأمن بحقوق الإنسان.
في كل دول العالم مدونات السلوك الشرطية توضع من أجل أن تطبق وهذا الأمر يقتضي ما يلي:
1 تدريسها في كافة المعاهد الشرطية،
2 إجراء اختبارات لابد أن تجتاز في مضمونها،
3 الحرص على أن يقتنيها كل العاملين في الجهاز الأمني،
4 ينبغي أن تكون هناك رغبة حقيقية لدي القيمين على الشأن الأمني في البلاد في التطبيق العملي لنصوصها.
إشكالية العلاقة بين الأمن وحقوق الإنسان إشكالية بنيوية لا يمكن حلها إلا من خلال مقاربة تشاركية يكون فيها دور لكل الفاعلين ” الأمني، السياسي، المدني” كل حسب موقعه.
لهذا، يتعين في الحالة المغربية على وزارة الداخلية، باعتبارها الوزارة الوصية على الشأن الأمني في البلاد، أن تأخذ بزمام المبادرة من خلال مسؤوليها الأمنيين، العمل على تطوير البعد الحقوقي وتضمينه في نشاط ووظيفة واستراتيجيات عمل الجهاز الأمني الذي يعد من أهم الآليات الوطنية التي يتوجب عليها احترام حقوق الإنسان وصيانتها من التعسف.
علاقة الأمن بحقوق الإنسان علاقة مهمة، وتبديد سوء الفهم الحاصل في هذا الإطار، هو المدخل الكفيل بتذويب جليد الخلاف، بين الأجهزة الأمنية والمجتمع الذي لم يعد يتقبل الإهانة والشطط في استعمال السلطة والمساس بالحق في الحياة والحط من الكرامة الإنسانية.
المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي، الذي يتمتع اليوم بصلاحيات أمنية كبرى، ويجمع بين جهازين أمنيين كبيرين، بات مطالبا بضرورة الحرص على ضمان احترام مدونة السلوك الشرطية دون أي تفريط في المبادئ الكبرى المحددة لواجبات الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين..
هناك إمكانية لتحويل مدونة السلوك الشرطية من باب الاجتهاد إلى لافتات صغرى ذات معاني كودية بألوان مختلفة توزع في كل أقسام الشرطة، حتى تشجع عناصر الشرطة على الالتزام بها، وتذكيرهم بفحواها باستمرار، من قبيل : “لا تضرب” و “تجنب العنف” و “احترم المواطن” ” هناك قرينة البراءة” ” احترام حقوق الإنسان التزام وطني ودولي”.
ومن باب الاقتراحات أيضا يتعين على سبيل المثال لا الحصر الدفع في اتجاه تشكيل خلية مركزية لمتابعة تطبيق ضباط الشرطة لمدونة السلوك في مختلف قطاعات العمل خاصة ذات الصلة بالجمهور وخدمات المواطنين، وإعلان نتائج ما تتوصل إليه هذه الخلية بصورة منتظمة عن مدى الالتزام بها للرأي العام.
وجود مثل هذه الخلية في رأي الخبراء الأمنيين يكون مفيدا من حيث قدرتها على تلقي شكاوي عناصر الجهاز اتجاه بعضهم البعض، وقد يكون مفيداً أيضاً تشكيل هيئة مستقلة من مؤسسات المجتمع المدني، لتراقب أداء هذه الإدارة، ولتتلقى شكاوى المواطنين حول انتهاك رجال الشرطة للمدونة.
فكرة تركيز السلطة الأمنية في يد شخص واحد يمكن أن تكون إيجابية لو كانت الغاية منها هي ضمان فعالية ونجاعة الجهاز الأمني بعيدا عن فكرة التحكم والهيمنة والتطويع. ومن هذا المنطلق فإن تركيز سلطة القرار الأمني الداخلي في المغرب بيد عبد اللطيف الحموشي، الذي أصبح يجمع بين جهازين أمنيين من طبيعة مختلفة ” واحد سري والآخر علني”، عامل مساعد لهذا الأخير كي يشرع في إصلاح أعطاب الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها، ولا سيما، الأجهزة التي لها علاقة أو احتكاك مباشر مع المواطنين في التظاهرات أو الاعتصامات أو المسيرات السلمية أو بشكل فردى من خلال مراجعة الأفراد لمراكز الشرطة كمشتكين أو مشتكى بهم أو شهود، لأن هذه المواجهة تفرض على الدولة وأجهزتها الشرطية احترام حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.
احترام حقوق الإنسان يقع وفق ما ذهب إليه الدكتور الطراونة في دراسته السالفة الذكر ضمن الأولويات، وهو الأمر الذي يستدعي في المرحلة الراهنة من الدول، من ضمنها المغرب بكل تأكيد، ضرورة اتخاذ التدابير الإدارية والتشريعية المناسبة التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان أثناء قيام الأجهزة الشرطية بأعمالها وذلك من خلال إيجاد نوع من الانسجام أو الإدماج ما بين المعايير الدولية الواردة في مدونة سلوك الموظفين بإنفاذ القوانين والتشريعات الوطنية من خلال إدماجها في التشريع أو الممارسة الوطنية وإذا تضمنت التشريعات أو الممارسات الوطنية أحكاما أشد من تلك الواردة في هذه المدونة يعمل بتلك الأحكام؛ و إيجاد نوع من البرامج التدريبية لتأهيل أفراد الشرطة في مجال حقوق الإنسان، وتطوير مناهج التدريس في معاهد الشرطة وتضمين البعد الحقوقي فيها، ومراعاة قواعد السلوك القانوني من طرف رجل الشرطة أثناء عمله مثل افتراض قرينة البراءة عند التحقيق مع الأشخاص ومراعاة قواعد المحاكمة العادلة ومراعاة الضمانات القانونية للأشخاص عند القبض عليهم أو تفتيشهم أو احتجازهم؛ و إنشاء مكتب للشكايات لدى دوائر الشرطة يتيح للمواطنين تقديم شكوى بحق أي فرد من أفراد الشرطة قام بتجاوز حدود القانون وأن يتم اطلاع الأفراد على مصير الشكوى وطبيعة الإجراء المتخذ بحق من يثبت عليه انتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية؛ إفهام رجال الشرطة أن العمل بموجب مدونة السلوك بشقيها الأخلاقي والقانوني هو التزام على عاتق الدولة تفرضه الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأن الفرد (المواطن العادي) لم يعد يندرج ضمن صميم سلطانها الداخلي إنما أصبح في عالم اليوم أحد أشخاص القانون الدولي.
وبالعودة إلى واقعة القتل التعسفي لمحسن فكري التي هزت كيان المجتمع وفجرت نقاش سياسي وحقوقي كبير في مواقع التواصل الاجتماعي داخل المغرب وخارجه فإن المطلوب خلال هذه المرحلة ليس هو المناورة أو البحث عن مخارج لتجاوز غضب الشعب وتهدئة النفوس بل المطلوب هو القطع مع ثقافة تبرير السلطوية والقمع والتعسف وإعادة النظر في ممارسات وسلوكيات الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التي تتعارض مع مدونة السلوك وتضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط.
قبل هذه الواقعة المؤلمة تفاعل الرأي العام الوطني بغضب شديد مع وقائع أخرى لا تقل إيلاما وبؤسا ومأساوية وشططا وتعسفا ولكن ماذا كانت النتيجة؟ هل تم أخد العبر من تلك الوقائع؟
عندما أحرقت أمي فتيحة جسدها بسبب الحكرة فتح التحقيق، وعندما توفي كريم لشقر فتح التحقيق، وعندما احترق أطفال طانطان فتح التحقيق، وعندما قتل كمال العماري فتح التحقيق، وعندما احترق خمس شباب في عز الحراك العشريني فتح التحقيق، وهناك وقائع لا حصر لها فتح فيها التحقيق؟
المشكل ليس في التحقيق، بل في ترتيب المسؤوليات وربط هذه المسؤولية بالمحاسبة، لأنه عندما ترتكب الجرائم ويفلت القتلة والمجرمين من العقاب ومن المساءلة، يفقد الشعب الثقة في المؤسسات وفي القانون وفي كل شيء، وهذا في تقديري هو الخطر الداهم الذي يمكن أن يهدد النظام العام في أي لحظة.
في واقعة فكري ما كان لبلاغ المديرية العامة للأمن الوطني أن يكون بتلك الصيغة مادام أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقق في الواقعة تحت إشراف النيابة العامة المختصة لأن تبرئة السائق والشرطي سيفهم منها أن الجاني شخص مجهول وفي هذا الأمر تأثير على سرية التحقيق إن لم نقل توجيه مساره !