تصريح حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، حول موريتانيا و بيان اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يعبران عن نزعة وطنية شوفينية مشدودة إلى الماضي لاستعادة الحضور في الحاضر لحزب الاستقلال الذي ساهم هو و نخبه مع النظام السياسي منذ الاستقلال (و خصوصا منذ انفصال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عنه سمة 1959) في مآسي سياسية للشعب المغربي أعاقت تحرره الديمقراطي و بالتالي أعاقت تجاوزه للتخلف الاجتماعي و السياسي.

 ولجوء شباط إلى إثارة ماضي أصبح في ذمة التاريخ و مقبرته، و هذا الماضي هو الذي لا زال إلى الآن الثقافة السائدة داخل حزب الاستقلال، هو محاولة تزييف التاريخ الراهن والواقع السياسي الراهن في المغرب و المنطقة المغاربية، و محاولة قراءة ماضوية للتاريخ بدل الاستفادة من التاريخ و قراءة إلى أي مستقبل يتجه المجتمع والنظام السياسي المغربي و العلاقة بين دول المنطقة. في واقع الشعوب و المجتمعات الإنسانية اليوم في العالم نجد أن عددا من الدول تفتتت إلى أكثر من دولة خلال و في نهاية القرن العشرين و بداية القرن الحالي. يوغوسلافيا، تشيكوسلوفاكيا، الاتحاد السفياتي و قبلها باكستان التي انفصل عنها بنغلاديش، والكونغو و جنوب السودان… وما تشهده اليوم بلدان مغاربية و شرق-أوسطية من دمار للإنسان ليس سوى نتيجة لماضي استعماري مقيت ولاستبداد حكام وكتل طبقية وأيديولوجيات شوفينية تحاول استعادة أحداث تاريخية و ماض طواهما التاريخ.

تصريح حميد شباط بقدر ما يعبر عن وطنية شوفينية ماضوية بقدر ما يعبر كذلك عن غباء سياسي و يكشف غياب الوعي الديمقراطي والديمقراطية في ممارسة أحزاب و نخب الدولة المخزنية في التعاطي مع القضايا الداخلية والعالمية 

وأعتبر أن لجوء حميد شباط إلى تاريخ المنطقة المغاربية، وهو تاريخ لم تتشكل فيه ثورة وطنية ثقافية ديمقراطية مغربية توحد الشعب المغربي في تنوعه الثقافي والإثني و الهوياتي، كلجوء جماعات الإسلام السياسي لإحياء مجتمع النبوة و خلفائها و فقهائها ولاعتقادها أن عودة المجتمع المغربي إلى العيش كما كان الماضي الإسلامي وعهد النبوة والخلافة هو الحل للمعضلات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.   

والمغرب كباقي الدول المتخلفة، و لا تثير هنا البلدان المتقدمة، تعرف انقسامات لأنها لم تنجز ثورتها الوطنية التحررية و مبادئها الانسانية و لم تنجو ثورتها الثقافية الديمقراطية التي توحد و تنظم الاختلاف في تنوعه داخل وحدة الشعب الذي ليس معطى جامد ما دمت تخترقه التناقضات و الصراعات الإثنية و القبلية والثقافية لم ترتق إلى صراع طبقي بين مجتمع الطبقات و مجتمع الإنسان الجديد الذي يتجاوز التناقضات و الصراعات الإثنية و القبلية و الثقافية و يبني شعب ومجتمع المواطنين و المواطنات المتحررين من هذه التناقضات و الصراعات الإثنية و القبلية و الثقافية و المندمجين في إنسانية الإنسان و جدلية توحد خصوصيته الوطنية و كينونته العالمية الانسانية.

السياسة بلا ثقافة إنسانية عميقة توحد ثقافة الشعب الوطنية الديمقراطية و خصوصياتها و تنوعها بثقافة إنسانية الإنسان ليست سوى نزعة من النزعات التي لم ترتق إلى الثقافة الديمقراطية الانسانية و إلى إنسانية الإنسان المتحرر من جميع أشكال الاستغلال و الاستلاب.              

تصريح حميد شباط بقدر ما يعبر عن وطنية شوفينية ماضوية بقدر ما يعبر كذلك عن غباء سياسي و يكشف غياب الوعي الديمقراطي والديمقراطية في ممارسة أحزاب و نخب الدولة المخزنية في التعاطي مع القضايا الداخلية والعالمية التي تتعامل معها الدولة و أحزابها و نخبها بمزاجية و بنزعة شوفينية.

لذلك فإن تصريح شباط لا يتجاوز كونه نزعة و رد فعل على موقف موريتانيا من الصراع حول الصحراء في المنطقة. و معروفة تاريخيا العلاقة بين صحراويي البوليساريو و صحراويي موريتانيا،  و هو تصريح يجسد غياب الثقافة الديمقراطية و النزعة الشوفينية يوضح أن السياسة التي تبنى على نزعات الماضي التاريخي و تفتقد للثقافة العلمية الديمقراطية و للثقافة التاريخية الانسانية لا تنتج سوى سياسة شعبوية و الكوارث السياسية.