أظن انه ليس من الحكمة أن نختزل فاجعة سيدي بوعلام في عمل فردي قام به شخص ما ، فالمشكلة أكبر من ذلك ، إنها مسؤولية دولة بأكملها شيّدت سياستها على  توزيع مؤونات بدعوى محاربة هشاشة الفقر، الشخص مسؤول جنائيا نعم والدولة مسؤولة سياسيا واقتصاديا بخططها الهوجاء وسياساتها التفقيرية وفتحها الباب لأشخاص منهم من يتاجر بالسياسة ومنهم من يتاجر بالدين ، هذا حتى لا ننزلق في ما يراه البعض مناسبة لاقتناص الفرص لتصفية حسابات مع خصومهم  السياسيين .

 نعم لقد أضحى تجار الدين والسياسة على مسلك واحد يتغنّى الأول بالفردوس في جنّات الخلد إن أجلسته بصوتك على أرجوحة المنصب المدسّم بدسم القرفيات والزرقاوات ، شأنه شأن السياسي الذي يطير بخيالك نحو عوالم مفروشة بالمساواة والشغل الوفير والتنمية الاقتصادية ، قد يتشابهان بقدر التشابه بين التوأم   ولا يختلفان إلا في شكل تثمير المرجعيات وجعلها في خدمة أجنداتهم وتطلعاتهم .

الدجل الديني والسياسي تكوّنا في نفس الرحم ، ونهلا من منبع واحد قوامه انتهاز الفرص والاغتناء على حساب الفقراء. 

ما وقع في الجماعة القروية لسيدي بوعلام ليس سوى جزء من تمظهرات واقع بئيس لم تستطع الخطب الرنانة ولا التقارير التي نسخت حروفها في مكاتب مكيّفة أن تغطّي الاختلالات التي شابت خطط وبرامج حكومية تعاقبت على اعتلاء  كراسي المسؤوليات ، واكتفت بتدبيج التقارير عن النماء والرخاء الذي تعرفه مجموع الأقاليم ببلادنا ، والتغني بالاستثناء المغربي في ردهات المنتديات الدولية ؛ وها هي فاجعة أخرى تنضاف  لفاجعات سابقة ذهب ضحيتها أبناء وبنات هذا الوطن الموؤود، منهم من قضى نحبه تحت أكوام الإسمنت المسلح لعمارات ومنازل انهارت على قاطنيها بسبب الغش وتغْماض العينين من طرف السلطات المعنية جراء رشاوى دست في جيوبهم قصد التمْياك عن التلاعبات في معايير البناء، ومنهم من قضى في حوادث سير مفجعة نتيجة الإهمال في التطبيق السليم لقانون السير والجولان و الترخيص لناقلات وشاحنات متهالكة لكي تجوب طرقاتنا وتحصد أرواح مواطنين أبرياء . 

ضحايا جماعة بوعلام بإقليم الصويرة وصمة عار في جبين كل الذين تعاقبوا على مسؤوليات وطنية أو إقليمية لهذه المنطقة المنكوبة التي توشّحت السواد بعد دهس نسائها وفتياتها وعجائزها من أجل لقمة عيش مشؤومة ، وهو جواب لكل الذين يرغبون في تبرير ما لا يمكن تبريره بادعاءات جوفاء من قبيل المغاربة لايعرفون معنى الاصطفاف وانتظار دورهم ، أو القول على أن اللّهْفه هي اللي قتلات عباد الله . إنه البهتان العظيم والأخ الشقيق لتعيّاشْتْ من نوع آخر ، وستبقى بمثابة صيحات في واد أجوف لثلة  ممن أصابت حناجرهم الصدأ ولم تتح لهم الفرصة لتصريف خزعبلاتهم التي أفرغوها في مواجهة الوقفات المتضامنة مع حراك الريف ، وهاهم الآن يشحذون حناجرهم المؤدى عنها لترويج أكاذيبهم وتمريقاتهم ، وحسبهم أرواح هاته النساء توجع ذمتهم وسريرتهم ، ونحيب أطفالهن صدى أبديّا في آذان كل من ساهم من قريب أو بعيد في هذا المأتم المفزع الذي تجاوزت روائحه حدود الوطن وأسقط ورقة التوت عن المتاجرين بالدين والسياسة .