في ظل التضامن والقيم الإنسانية الرفيعة التي شاهدناها في واقعة الطفل “ريان”، والكثير من التمظهرات الإيجابية من تدبير، وتيسير، وانخراط المساهمين بشكل مباشر وغير مباشر في إنقاذ هذا الطفل الشجاع، تبرز أيضا جوانب تستدعي النظر إليها بعمق، ومحاولة القطع معها تدريجيا من أجل بناء أفق مجتمعي سليم.

طغيان ثقافة الفرجة

يعيش المجتمع اليوم وأكثر من أي وقت مضى ذروة ميلاد وتجدر “قيم” (كارثية)، ينظر فيها البعض وهي “شريحة مهمة” للمآسي كعروض مسرحية تشويقية، يتقمص فيها أفراد المجتمع أيضا أدوارا، كأننا بصدد تقنية مسرح ” المنتدى” حيث يتم إشراك الجمهور في الأداء لمقاربة قضايا اجتماعية- راهنية، لكن في واقعة “ريان” هذا الأداء يغيب فيه العقل، وتحضر فيه الحماسة في جانبها المظلم، والتي برزت في أشكال متعددة يمتزج فيها الجهل بالأنانية، وحيث يتحول الواقع المرير إلى صورة، وتغدو هذه الصورة مرآة لذات الواقع الذي قد يكون مزيفا، ومن تم تغيب أدنى أسس الانضباط الاجتماعي في الأحداث المصيرية التي تبتغي الكثير من الاتزان، والحكمة في تدبير الأمر.

التجارة بالقضايا الإنسانية

هناك دائما لدى البعض استعداد تام، لاستغلال أي واقعة لأهداف براغماتية محضة، وتحضر البراغماتية هنا أيضا في جانبها البشع، حيث التجرد التام من القيم الإنسانية الكونية، وانعدام الضمير الذي ينتج عنه سلوكات مشينة كالنصب والاحتيال، وجمع أموال بدون حق، باسم عائلة مكلومة، تعيش مأساة حقيقية، وفي ظل ظروف مجتمعية يفترض أن توقظ في البعض الجوانب المشرقة لدى الفرد، التي تعبر عن جانب حتى لو كان شبه منعدم من إنسانيته.

ضياع أخلاقيات المهنة

في كل حدث كبير يمر، تظهر كوكبة من أشباه الصحافة أو ” المواقع المسماة إخبارية”، والمدعين- المدعويين ” مؤثرين” التي تضرب عرض الحائط القيم النبيلة لمهنة الصحافة، من أجل تحقيق أهداف دنيئة تنتعش من الأخبار الكاذبة، ومن التعتيم والتضخيم في غياب آليات الضبط الذاتي، ومواثيق الشرف، و ضعف التكوين في الصحافة الرقمية إلى غيرها من الأسس… إبان رحلة بحثها عن السبق ” في مفهومه السيء”، هذا السبق الذي ينذر بتفاقم ظاهرة مقلقة بشكل مريع، لا تكترث ولا تراعي لأدنى الشروط الموضوعية التي ترتبط بأولويات العمل في مجال الصحافة، على اختلاف القضايا موضوع المواكبة والتغطية.