شيء جميل أن تجد في المغرب الساعفة تنقل مشتبها إصابته بفيروس “كوفيد-19” وتحمله لمركز استشفائي لتجرى له التحاليل المخبرية ويتلقى الرعاية الطبية طيلة زمن الحجر الصحي صباح مساء حتى يشفى، ويخضع لتتبع صحي ويوفر له نظام غذائي ورعاية طبية، ثم يحتفى به لحظة الخروج من المشفى، ويعود إلى بيته، والجميع في خدمته أسدى له طيبا معروفا.

جميل أن نرى قففا توزع هنا وهناك على اختلاف قيمتها وسعيراتها، تعكس تعاضدا بين  الفقير والميسور والجار ومتوسط الدخل، تعاون في الميدان على الخير  بين التقنوقراطي والأمني والمخابراتي و العسكري والمدني  من أجل  توفير الأمن الغذائي والصحي زمن الحجر الصحي وفرض حالة الطوارئ الصحية في بلاد المغرب.

جميل أن نرصد مبادرات هنا وهناك لمدرسين وأسر ومدارس من أجل مواصلة الربط بين التلميذ والكتاب المدرسي والمقرر الدراسي، وسط سعي وزارة التربية الوطنية لرسم معالم  لبنات “التعليم عن بعد” في المدارس، ونظيرتها “الدراسة عن بعد” في الجامعات.

جميل أن نرصد يوميا التعاضد مع من هم بلا مأوى، وممن فقدوا شغلهم، ومن كانوا بلا شغل يعليون أسرا، يبحثون عما يسد رمقهم، يقيمون في غرفة (بدل شقق أو بيوت أو منازل) يعيشون بأكثر من أسرة يتناوبون على المبيت، كما كانوا يتناوبون على العمل ليل نهار، فمنعتهم الجائحة من ذر دريهمات تقيهم شر مد اليد، وطلب العون، وسؤال المحتاج.

جميل أن نرى يوميا هذا التعاون والتلاحم والتآزر، فترى السياسي يقر بأنه لا وقت للجدال والمزايدات ولي الذراع، وأنه يتعين علينا أن ننقذ البلد بأقل الخسائر  ونؤمن تعويضات لفاقدي الشغل في القطاع المهيكل وغير المهيكل، علنا نستعيد أنفاسنا ونقيم ما ضاع، ونواجه الآني الجارف، حتى نسلم من شظايا”الجائحة” التي تسقط يوميا ضحايا موات، حتى نرتب الأولويات لمرحلة  مستقبلية أصعب، تحتاج لكل أبناء هذا الوطن.

جميل أن نسمع صدى بعض ممن كانوا بالأمس يجهرون ويجاهرون قسوة على غيرهم، فيعتبرون الأمن الصحي هو الأساس والأمن التعليمي والتربوي الذي يوفر تعليما ناجعا منصفا ذي جودة أولى الأولويات، وجميل أن نتحسس أًصواتا هناك وهناك تقر بأن أولى الأوليات القطاعات الاجتماعية، بعدما خانوا من كانوا سترشدون بهم وستنصحون إليهم ويأتمرون بهم، فأوصدوا عنهم الأبواب وأوقفوا عنهم وصفات الاسترشاد، وتركوهم لحالهم مع آهات الشعب المكلوم.

جميل أن أن نعيش زمنا يتساوى فيه الفقير  والوزير والغني والعالم والمتعلم والطالب والأستاذ والمدرس والتلميذ وغيرهم، هم أفراد الشعب جميعهم من مواقع عدة ومسؤوليات متعددة، لا خلاص لهم إلا  “النجاة” من “الجائحة” التي صارت ديدن كل واحد، يلمهم سقف “الحجر الصحي”.

جميل أن نرفع صوتنا جميعا ونقول علينا “ترتيب أولوياتنا”، وقبل ذلك، على البعض منا (على قلتهم) أن لا يستغلوا “الجائحة”، كما استغلوا ما قبلها من “جوائح” دون أن يحاسبوا وهم من ألفوا أن لا يقبلوا عتابا أو لوما أو انتقادا، وإن لم يستغلوها في زمنها، قد يستغلوها بعدها، في منح “أسبقية المرور” لزيد أو عمرو، وفي تمرير “صفقات” لهذا وذاك، بدعوى تضرر في زمن “الكورونا” وهو الذي تبرع زمن “الشدة”، أو أنه وزع “قفة يتيمة” لم تكف غنى السؤال من أسرة صبرت على قضاءها وقدرها، من دون أن تمد يدها أو ترفع صوتها.

جميل أن نرى الثروات توزع بالعدل، وأن تسترجع الثقة للمؤسسات قبل الأشخاص الذين تواروا وتركوا “أهل الحل والعقد” لحالهم، وأن يعاد ترتيب الأولويات، وتمنح الفرصة للكفاءات من فضلاء هذا الوطن في الداخل والخارج،  وأن تستعاد الملايير المودعة في حسابات غير الحسابات التي يراقبها “بنك المغرب” في الداخل، وأن تمنح “الحقوق” وتقر “الواجبات”، حتى يعيدوا لهذا البلد رشده، في مغرب تحرر فيه الطاقات وتستثمر فيه المبادرات، وتوزع فيه الثروات عدلا لا ريعا، وبنفس جديد للحريات قوامه المصداقية والمسؤولية يحاسب الجميع أمام مرأى من الجميع، حتى يصير مغربا أفضل بعد كورونا ينشده كل مغربي ويحلم به…

ومن بين السيناريوهات الأشد قتامة بعد زوال الوباء، أن تنكص الحريات وتسيج،  وتنهب الخيرات وتهدر الطاقات والموارد، ويتفاقم بؤس الفقراء والمعوزين الطامحين  والطامعين في انفراج جدي، علنا نتجاوز مآسي الحاضر ومخاوف المستقبل بنفس جديد لإصلاح الخلل وتقويم العطب.

للجميع مطلب واحد: “مغرب أفضل بعد كورونا”. لكن هل سيكون مختلفاً، وبأي درجة، أم سيكون كما كان، من دون استبعاد رتوشات لن تغير من الواقع المعلوم شيئاً؟.

“مغرب أفضل بعد كورونا” يحتاج لقرارات حكيمة تنبني على مبادرات راشدة، وتتأسس على سياسات متزنة واعدة، وتستهدف كينونة الإنسان المغربي ومستقبله، حتى لا يسلم أمره لله، وتبقى السيناريوهات المغيبة معلقة حتى زمن آخر.