رحمان النوضة يكتب: نَــقْـد مَـنْـطِـق ”الـتَـطْـبِـيـع” مَـع إِسْــرَائِــيــل
نَشَر الصحافي رَشِيد نِـيـنِــي مقالًا، وَدَافَع فيه على إِقْدَام النظام السياسي بالمغرب على «تَطْبِيع» العلاقات مع إسرائيل. ومعنى «التَطْبِيع» هو اعتبار إسرائيل دولة عاديّة، وإِقَامَة علاقات كاملة وطَبِيعِيَة معها. ولَخَّصَ رشيد نِـينِي في هذا المقال كلّ «المُبَرِّرَات» التي اِسْتَـعْمَلَهَا العديد مِن أنصار «التَطْبِيع» مع إسرائيل. وَفي مَا يَلِي، نَـفْحَصُ مَدَى سَلَامَة المَنْطِق المُسْتَعْمَل في هذه التَـبْرِيـرَات.
وَمِمَّا كتبه رَشيد نِينِي:
1- «نُطَبِّعُ لأن القادة الفلسطينيين يتعاملون مع إسرائيل ويسترزقون بالقضية الفلسطينية». والصَّحِيح هو أن الفلسطينيّين لَا «يُطَبِّعُون» علاقاتهم مع إسرائيل، وَإنما يُقَاوِمُون الاستعمار الإسرائيلي، ويُكافحون ضِدَّه، وَيُضَحُّون بكلّ شيء، وفي كل يوم، حسب إمكانِيَّاتِهم المتواضعة، وحسب مَدَى دعمهم مِن طرف الشعوب الأخرى. لَكن تَخاذُل، أو خِيَّانة، بعض الأنظمة السياسية العربية، بالإضافة إلى ضعف الإمكانات المادية للفلسطينيين، هي التي تَدفع الفلسطينيّين إلى مُمارسة تَكْتِيكَات مَرْحَلِيَّة، أو مُؤَقَّتَة، في تَعامُلهم مَع العَدُوّ المُحتل. وحتّى وإن قام الفلسطينيّون باتِـفَاقية سلام (مؤقّتة) مع العدو الاستعماري، فَلَا شيء يفرض على الدول العربية أن تَحْدُوَ حَدْوَ الفلسطينيّين المقهورين مِن طرف تَكَالب مجمل الإمبرياليات العالمية. لأن إسرائيل هي مُستعمرة ومَحْمِيَة مُشتراكة لِكلّ الإمبرياليّات العالمية. وقد طالب الفلسطينيّون عَلَنِيَّةً من الدول العربية وغيرها أن لَا «تُطَبِّع» علاقاتها مع إسرائيل.
2- كتب نِـيـنِـي: «نُطَبِّع لأن تُركيا طَبَّعَت مِن زمان، ولا أحد ينتـقدها». والصَّحِيح هو أن سُلُوك طَرَف ثالث، مثل تُركيا، لَا يُبَرٍّر أن نُـقَـلِّد هذا السُلُوك، حيث بِالإِمْكَان أن يكون هذا السُّلُوك خَاطِئًا، أو مُتخلّفًا، أو شَاذًّا، أو مُنْبَطِحًا، أو خَائِنًا.
3- كَتَب نِـيـنِـي: «نُـطَـبِّـعُ لأنه، في هذا الظرف، كل بلد يراعي مصالحه». والصَّحِيح هو أنه، إن كان مِن المَشْرُوع أن يُراعِيَ كلّ بلد مُحدّد «مصالحه»، فهذا لَا يُبَرِّرُ أن تَذْهَبَ مُرَاعَاة هذه «المَصالح الخُصُوصِيَة» إلى حَدِّ مُشاركة هذا البلد المَعني (المغرب) في مُؤَامرة، أو في خِيَّانة، أو في دَعْم مَشروع ظَالِم، أو استعماري، أو اِسْتِيطَانِي، أو عنصري، ضدّ شعب آخر (هو هُنا الشعب الفلسطيني المظلوم). وَإِلّا تَحَوَّلَت «مُرَاعَاة المصالح الخُصُوصِيَة» إلى مُبَرِّر حتّى لِلسَّرِقَة، وَلِلنَّهْب، وَلِلجَريمة، ولِلـقَتْل.
فإن كانت مصلحتي الأنانية تَدْفَعُنِي إلى الغِشِّ، وإلى السَّرقة، فإن الأخلاق، والقانون، يَمْنَـعَانِـي مِن ذلك. وكُلَّمَا إِتَّخَذْنَا قرارات سياسية حَصْرِيًّا على أساس «مصالحنا الخُصُوصية»، سنكون قد دخلنا في التَـقَـيُّـد باستعمال «المنطق النَـفْـعِي» الأناني، المُبَرَّر بِـ «وَاقِعِيَة» انتهازية، والذي يَتَنَاسَى، وَيَتَنَاقَض مع، الأخلاق، وكذلك مع القانون المُجتمعي (بما فيه القانون الوطني، والدولي). وهذا هو سُلُوك الانحطاط بِعَيْنِه !
ومِن أين أَتَى رَفْضُنَا وَشَجْبُنَا لِــ«التَـفكير الأناني»، الذي نَصِفُه بِالسَّطْحِيَة، وبالبِدَائِيَة، وبِالانتهازية ؟ إنه أتى مِمَّا عَلَّمَتْـهُ لَنَا جميعًا التجربة المُجتمعية. فَعِنْدَمَا يتّخذ شخص أو شعب موقفًا سياسيًّا بهدف الاقتصار على خدمة «مصالحه الخُصُوصيّة»، وعندما يَشْرَعُ في تنفيذ هذا الموقف، نُـلَاحِظُ أن لَا شيء يضمن له أنه سَيُحَـقِّـقُ بالتَّأْكِيد خدمة «مصالحه الخصوصية». بل يمكن أن يُؤدّي أختيّاره لهذا السُّلُوك الأناني أو الانتهازي إلى الإِضْرَار بِـ «مصالحه الخصوصية»، أو حتّى إلى تخريبها على المَدَى الطَّويل. وهذا هو ما سيحدث لدولة المغرب مِن خلال اختيّارها «التطبيع» مع إسرائيل. وَلَوْ كان حقيقةً التركيز على اختيّار خدمة «المصالح الخصوصية» يضمن النجاح في هذا التَوَجُّه المُتَمَرْكِز على الذَّات، على المَدَيَيْن المُتَوَسِّط والطويل، لأصبح السُّلوك الأناني أو الانتهازي هو السُّلوك الوحيد الموجود في حياة المُجتمع. لكن هَيْهَات !
وإذا كانت الأخلاق الحميدة المُفَضَّلَة لدى غالبية أفراد المجتمع (الوطني والعالمي)، وكذلك لَدَى نُخَبِهِ المُحترمة، تَحُثُّ على نَـبْـذِ الاقتصار على اِسْتِهْدَاف «المصالح الخُصوصية»، وإذا كانت هذه الأخلاق تُشَجِّعُ على اِسْتِهْدَاف الرَّبْط المُنْصِف والعَادِل بين «خدمة المصالح الخُصوصية» و«خدمة المصالح المُشْتَرَكَة»، فذلك يرجع لِكَوْن التجربة المُجتمعية (وَطَنِيًّا وَعَالَمِيًّا) تُذَكِّرُنَا دائمًا أن هذا المَنْهَج الجَمَاعِي، أو المُجتمعي، أو الاشتراكي، هو الوحيد الذي يُؤَدِّي إلى نجاح المُمَارسة. بينما الاقتصار على مَنْهَج الأنانية، أو الانتهازية، يُـؤدّي إلى الفشل، وإلى الهَلَاك، والخَرَاب، على الصعيدين الفردي والجماعي، وعلى المَدَيَيْن المتوسِّط والطويل. وفي النهاية، يجب على كلّ فَاعِل أن يتحمّل مسؤولية اختياراته، وأن يُؤَدِّيَ ثَمَنَ أخطائه.
4- كَتب نِـيـنِـي: «نُطَبّعُ لأن الجزائر عَدُوّ يُهَدِّد بلادنا». والصّحيح هو أن الجزائر شعب شقيق لِشعب المغرب، وَلَا تُـفرّقه عن شعب المغرب سِوَى حُدود مُصطنعة مَوْرُثَة عن الاستعمار الفرنسي. وأن مصالح الشعبين الجزائري والمغربي مُتَدَاخِلَة، وَمُشْتَرَكَة. وأن مَصِير هذين الشعبين هو حَتْمًا مَصِير مُشْتَرَك. وأن العدو الحقيقي لِشعب المغرب هو إسرائيل، وليس الجزائر. وبعض الفِئَات في المغرب، وفي الجزائر، تَعْمَل كلّ مَا في وُسْعِهَا بِهدف تَأْجِيج عَدَاوَة مُصْطَنَعَة بين المغرب والجزائر، وذلك بِهدف صَرْف المُواطنين عن المشاكل الخطيرة الموجودة داخل كلّ واحد مِن بين هذين النظامين السياسيّين. وإن كانت تُوجد تَنَاقُضات سياسية بين النظامين السياسيّين القائمين حاليًّا في المغرب والجزائر، فهذا لَا يعني أن هذه التناقضات تُوجد أيضًا بين الشعبين المغربي والجزائري. والتناقضات الموجودة بين دولتي المغرب والجزائر، لَا تُشَكِّلُ أُتُومَاتِيكِيًّا تناقضات بين الشعبين المغربي والجزائري. وبعض الفِئَات في المغرب، وفي الجزائر، تَعْمَل لِخَلق عَدَاوَة مُصْطَنَعَة وَدَائمة بين شَعْبَيْ المغرب والجزائر، وذلك بِهدف إخْفَاء الأزمات الحادّة الموجودة داخل كلّ واحد مِن بين هذين النظامين السياسيّين. وعلى خلاف بعض الظُنُون، لَا يُوجد تَطَابُق بين «الشعب» و«الدولة». كما أنه لَا يُوجد تَطَابُق بين «الشعب» و«النظام السياسي» القائم. حيث أنه مِن المُمكن أن تَكُون «الدولة» القائمة في خدمة «الشعب»؛ كما يُمكن أن تُصبح هذه «الدولة» ”عَدُوًّا” لِلشعب الذي تُقُوم عليه. وَمُجْمَل «الثورات» الماضية جَسَّدَت حُدُوث تَنَاقُض حَادّ بين «الشعب» ونظام «الدولة» القديم. وَإِذا وَضَعْنَا تَطابُـقًا أُوتُومَاتِيكِيًّا بين «الشعب» و«الدولة»، سقطنا في نزعة «وَطَنِيَة بَلِيدَة»، تُحَوِّل ُ شعوبنا إلى دُمْيَات سَخِيفَة، تَتَلَاعَبُ بها أنظمة سياسية مُسْتَبِدَّة، أو فاسدة، أو مُتخلّفة، أو حَمقاء. وقد رأينا إِبّان ”الحربين العالميّتين الأُولَى والثانية”، كيف أن «النَزْعَة الوَطَنِيَة الضَيِّقَة»، سَهَّلَت التَلَاعُب بالشعوب، وَقَادَت إلى تَعْطِيل عُقُولِ هَذه الشعوب، والزَجِّ بها في حُروب قَاتِلَة، وَمُدَمِّرَة، وَغَير مُبَرَّرَة، وَحَمقاء، وبدون أية فائدة.
5- كَتَبَ نِـينِـي: «نُـطَـبِّـعُ لتعزيز وحدتنا الترابية». والصحيح هو أن «تعزيز الوحدة التُرابية» لِأيّ بلد كان، لَا تَتَحَـقَّـق إلّا إذا كانت أُسُـسُ هذه «الوحدة الترابية» عَادلة. وأن «تَعزيز الوحدة التُرابية» لِأَيّ بَلد مُعيّن، لَا يُمكن أبدًا أن تَنجح عبر «التطبيع»، أو عبر الاعتراف بشرعية احتلَال واستعمار بَلَد آخر، هو هنا فلسطين. زِيّادة على أنه يُعَدُّ مِن باب الجهل، والتخلّف، والسَّذَاجَة، الاعتقاد أن «تعزيز وحدتنا الترابية» يَسْتَوجِبُ بالضَّرُورة الاعتراف بإسرائيل، والتطبيع معها، والتَحَالُفَ الاستراتيجي مع رَاعِيَتِهَا أمريكا، والخُضُوع لِنَزَوَاتهما الاستعمارية، والعُنْصُرِيَة، والظّالمة. وَسَيَكُون مِن باب الجَهل أو السَذَاجَة أن يَـثِـقَ أيّ شخص كان في إِمْكَانية تَـحقيـق «التَحَرُّر الوطني» لِبَلَدِه، عَبر عَـقْد تَحَالُف استارتيجي مع إسرائيل، أو مع الولايات المتّحدة الأمركية، أو أيّ دولة أخرى غازية، أو مُسْتَغِلَّة. وَمَن لَا يُدرك أن الإمبريالية العالمية، وَمَحْمِيَتِها إسرائيل، هما مِن بين أكبر أعداء «الوحدة الترابية» لِلعديد مِن شعوب العالم، فهو جاهل لِلتاريخ، وَمُتخلّف في مَيدان السياسة.
6- كتب نِـيـنِـي: «نُطَـبِّـعُ لأن لنا إخوان يهود مغاربة في اسرائيل». هذه مَزْحَة سَادِيَة! كيف يُعْـقَل أن تعتبر أن يَهُودًا صَهَايَنَة، يشاركون في استعمار واستيطان فلسطين، هم «إِخْوَان لك»، وأن تعتبر، في نفس الوقت، الضحايا الفلسطينيّين «أعداءًا» لك، وأنهم لَا يستحقّون لَا اعتبار، وَلَا شفـقة، وَلَا رَحمة، وَلَا تَضامن ؟ هذه التناقضات هي مِن علامات المَنْطِق الانتهازي، الْـلَّامَبْدَئِي، الغَدَّار، والمُـفْتَرِس!
7- كتب نِـيـنِـي: «نُطَبِّعُ لأننا وطنيون، و لنا غَيْرَة على المغرب، وعلى مصالحه». والصّحيح هو أن كلّ مَن يَعمل بِمِثل هذا المنطق الانتهازي (المَوْصُوف أعلَاه)، يَستحيل عليه أن يكون «وطنيًّا» صادقًا، وَيَسْتَحِيلُ عليه أن يُضَحِّيَ دِفَاعًا عن «وطنه»، وَلَو بِشَعْرَة واحدة مِن رأسه. وكلّ مَن يُدافع عن «التَطْبِيع» مع إسرائيل، لَا يُدافع عن «وطنه» المغرب، وإنما يُدافع عن النظام السياسي القائم في المغرب، ويدافع عن إسرائيل، وعن الإمبريالية الأمريكية. وَلَا شيء يُثْبِتُ أن «التطبيع» مِن مصلحة شعب المغرب. زِيَّادة على أنه، مِن الناحية المَنْطِقِيَة، لَا تُوجد أيّة علاقة مَنْطِقِيَّة بَين «وَطَنِيَة» المُطَبِّعِين المزعومة، وَتَبْرِيرِهم لِـلْـإِسْـتِـسْـلَام الفكري، والسياسي، والاقتصادي، لِلصَّهيونية، المَبْنِية على أساس مشروع استعماري، واستيطاني، وعُنصري.
إضافةً لِلنَّـقد السابق، تُوجد قَضَايَا أخرى إِضَافية مُخْتَـفِـيَـة في هذا «المَنْـطِـق» الذي يُحاول تَـبْرِير «تَطْبِيع» العلاقات مع إسرائيل. وَيَلزم تَمْحِيصُ هذه القضايا، وَتَعْرِيَة أَوْهَامِهَا، وفضح انتهازيتها، وَتَوْضِيح أن دِينَامِيكِيَة هذا «المنطق» المُنْبَطِحِ سَتُؤُدِّي إلى خَرَاب شَامِل. ومن بين هذه القضايا، العناصر التالية :
8- منذ أن قرّرت السُّلطة السِّياسية بِالمغرب تَرْسِيم «تَطْبِيع» العَلاقات بين المغرب وإسرائيل، دخل مُسَلْسَل التَـفْرِيط في اِسْتِـقْلَال المغرب (السياسي، والاقتصادي، والثقافي) في مرحلته النِهَائِيَة. وإسرائيل التي كانت مِن بين الفَاعِلِين القَائِمِين وَراء احتلال وَتَخْرِيب العراق، ثمّ سُورية، ثم لِيبْيَا، سَتَكُون أيضًا في المستـقبل مِن بين الفاعلين الذين يَعملون في الخفاء بِهدف تَخْرِيب الأُرْدُن، والمغرب، والجزائر، ثمّ مَصْر. لأن إسرائيل (وَحُلَفَاؤَها الإِمْبِرْيَالِيِّين) لَا تَعْمَل سِوَى بِطَرِيقَة وَحِيدة لِضَمَان أَمْنِهَا : وهي تَخْرِيب بلدان الشُعُوب المُجاورة لها، أو المُعَادِيَة لها، أو المُنَافِسَة لها. وَمَن لَا يُصَدِّق ذلك، سَيَرَاه بِأَعْيُنِه بعد مُرُور 10، أو 20، أو 30 سنة. وَآنَذَاك، سَيَكُون وَقْت التَـفْكِير قَد فَاتَ.
9- مِن بَين مُعْضِلَاتِـنَا، نحن الشُعوب المُسلمة، أو الناطقة بالعربية (المتواجدة في الشّرق الأوسط، وفي شمال إقريقيا)، هي أننا لَا نُعاني فقط من التَخَلُّف الاقتصادي، والثَـقَافِي، والمُجتمعي، ولكننا نُعاني أيضًا مِن البَلَادَة السياسية لِبعض النُّخَب الحاكمة. أَلَيْسَ غَبَاءً أَنْ تَـثِـقَ نُـخَـب حَاكِمَة عربية في عَلاقاتها، وَفي «تَطْبِيعِهَا»، مع إسرائيل، وفي اِسْتِجْدَاء حِمَاية اِفْـتِرَاضِيَة مِن طرف الإمبريالية الأمريكية، وفي نفس الوقت، أَنْ لَا تَـثِـقَ هذه النُخَب الحاكمة في شُعوبها ؟ أَلَا تُخْضِع النُخب الحاكمة العربية شُعوبها لِلتَجَسُّـس مِن طَرف العديد مِن الأجهزة المُخابراتية؟ أَلَا تُعِدُّ النخب الحاكمة العربية لِشُعُوبها جُيُوشًا شَرِسَة من الأجهزة القمعية، تَسْتِعِدُّ في كلّ يوم لِلْاِنْـقِضَاض على هذه الشعوب، وَسَحْـقِهَا، في حالة تَمَرُّدِهَا، أو انتفاضتها، أو ثورتها، ضِدَّ النُخب الحاكمة المُتَخَلِّفَة ؟
10- تُريد الأنظمة السياسية العربية، وكذلك إِمْبِرْيَالِيَات العالم، أن يُوهِمُونَنَا أن «إسرائيل هي دولة عَادِيَة»، مثل جميع الدول. وهذه مُغالطة كُبرى. لأن الكِيَّان الإسرائيلي هو الوحيد في العالم الذي يَنْبَنِي عَلَنِيَّةً على أساس أَيْدِيُولُوجِيَة دِينِيَة أُصُولية خُرَافِيَة، وعلى أساس الغَزْو، والاستعمار، والاستيطان، والعنصرية، وعلى أساس تَـقْتِيل، وتَشْرِيد، وتَهْجِير، الشعب الضحية، أي الشعب الفلسطيني.
11- في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بَنْيَمِينْ نَاتَانْيَاهُو مُتَابعًا أمام المحاكم الإسرائيلية بِسبب عِدّة قضايا فَسَاد، وفي الوقت الذي بَدأت إسرائيل تعيش فيه أزمة سياسية شاملة، وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل مُجبرة على إِعَادَة تنظيم انتخابات عامّة لِلْمَرَّة الرَّابعة في أقلّ من سَنَتَيْن، وَفي الوقت الذي تَبْنِي فيه إسرائيل عشرات الآلاف المُتَتَالِيَة مِن المنازل في المناطق الفلسطينية المُحْتَلَّة، وَفي الوقت الذي كانت فيه وِلَايَة رئيس الولايات المُتحدة الأمريكية، اليَمِينِي المُتطرِّف، دُونَالْد اتْرَامْبْ (Donald Trump) سَتَنتهي بَعْدَ حَوَالَيْ شهر، في هذا الوقت بالضَّبْط، قرّر النظام السياسي المَلَكِي بالمغرب، وَبِشَـكل مُفاجئ، قَرَّر مَنح هَدِيَة لِاِنْـقَاذ نَتَانْيَاهُو، على شكل تَـقْْرِير «تَطْبِيعَ» العَلَاقَات بين المغرب وإسرائيل، مُـقَابِل اعتراف رئيس الولايات المُتحدة الأمريكية دُونَالْد اتْرَامْبْ (Donald Trump) بِسيادة المغرب على الصحراء الغربية المُتنازع عليها ! وَبَرَّر النظام السياسي القائم في المغرب «التَّطْبِيع» مع إسرائيل بِمَـكْسَب اعتراف أمريكا بِسِيَّادة دولة المغرب على الصحراء الغَرْبية! كأن النظام السياسي القائم في المغرب يَشتري «شَرْعِيَة سِيَّادَتِه» على الصحراء الغربية بِثَمَن، أو بِواسطة، اعتراف دولة المغرب بِـ «شَرْعِيَة استعمار الصهاينة لِفلسطين»، وَلِهَضَبَة الجُولَان، وَلِجَنُوب لُبْنَان ! وهذه المُـقَايَضَة هي بَاطِلَة في القانون الدولي، لكونها تَنْبَنِـي على بَاطِل، وَلَا تَـقُوم سِوَى على أساس حُجَّة السلطة السياسية (argument de l’autorité politique). وَلَا يُمكن أن يُؤْمن بمثل هذه الاتفاقيات الانتهازية سِوَى الأشخاص اليَمِينِيُّون السُّذَجُ، الذين يَجهلون القانون الدولي، وَيَجهلون طَبِيعة الصَّهْيُونِيَة وَتَاريخها. وذاك هو مَا أَكَّـدَتْهُ افتتاحية جريدة ”الوَاشِنْطُنْ بُوسْت” (لِيَوم 30 أبريل 2021)، مُخَصَّصَة لِلمُطالبة بِإِطلاق سراح الصَّحَفِيِّين المُعتـقلين في المغرب. وَجَاء في هذه الافتتاحية ”لِلْوَاشِنْطُنْ بُوسْتْ” أن اعتراف الرئيس دُونَالد اتْرَامْب بِسيّادة دولة المغرب على الصحراء الغربية كان «مُتَهَوِّرًا»، وَأنّه «وَضَعَ الولايات المُتّحدة الأمركية في خِلَاف مُحْرِج مع حُلفائها الأوروبيّين، ومع الدول الإفريقية، وعَاكَسَ قرارات الأمم المُتَّحِدَة». واعتبرت الافتتاحية أن هذه «الصَّفْقَة كانت مُكافأة غير عادلة، وغير ضرورية».
12- يَدْعُو النظام السياسي بالمغرب الشعبَ المغربي إلى القَبُول بِتوقيع إِتِّـفَاقِيَّات جديدة «لِلتَّطْبِيع» مع إسرائيل، بينما مِيزَة إسرائيل (منذ نشأتها إلى الآن) هي أنها لَا تَلْتَزِمُ أبدًا بِأيّة إتّـفاقيّة، وَمَهْمَا كانت نَوعية هذه الاتفاقية (بما فيها اتِّـفَاقية السلام في أُوسْلُو). وتستعمل إسرائيل أيّة إتّـفاقية كَتَـغْـطِيَة، أو كَخُدْعَة، لِاحتلَال مَزِيد مِن الأراضي، بِهَدف استعمارها واسْتِيطَانِهَا. فَمَن مِنكم نَسِيَ أن إسرائيل لَمْ تَتَرَدَّد في تَسْمِيم وقتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، رغم أن عَرفات وَقَّع معها «اتِّـفاقية السّلام».
13- يَحْتَوِي توقيع إتِّـفَاقِيَة «التَطْبِيع» بين المَلَكِيَة المغربية وإسرائيل على دِينَامِيَكِيَة سياسية تُؤَدِّي إلى لُجُوء النظام السياسي بالمغرب إلى اِسْتِجْدَاء مُساعدات أمنية إسرائيلية، وقد تَتَطَوَّر إلى إقامة نوع مِن الحِمَايَة الإسرائيلية والأمريكية على المغرب.
14- تَشتري بعض الأنظمة السياسية العربية المُستبدّة (مثل المغرب) بَرْمَجِيَّات (logiciels) إِلِكْتْرُونِيَة مثل «بِيغَاسُوسْ» (Pegasus)، وَ «سَانْدْفِين» (Sandvine)، وَ «سِيرْكَلْزْ» (Circles). وَهِيَ بَرْمَجِيَّات مِن صُنْع شركات إسرائيلية (مثل مَجموعة “NSO Group”). وَهَدف هذه البرمجيّات هو مُراقبة شبكة الأَنْتِرْنِيت (Internet)، والتَّـجَـسُّـس الإِلِكْتْرُونِي على سُكّان بَلد بأكمله، وخاصّة منه، التَجَسُّـس على المعارضين السياسيّين، وعلى الصحفيين المُستـقلِّين، وعلى المُناضِلِين النـقابيّين، والحُقُوقِيِّين، والثوريّين، وغيرهم. حيث تَـتْـبَـعُ وَتُسَجِّلُ، سِـرِّيًا، هذه البرمجيات كل مَا يجري في حَوَاسِيب وَهَوَاتِف الأشخاص المُسْتَهْدَفِين، وَلَو كان هؤلاء الأشخاص يُعَدُّون بِمِئَات الآلَاف. وَيُـنَـفَّـذُ هذا التَـجَـسُّـس الإلكتروني على المواطنين رَغم كَوْنِهِ يُخالف الدستور، ويتعارض مع القانون القائم. وتجد الأنظمة السياسية العربية فائدة اِسْتْرَاتِيجية هامّة في استعمال هذه البَرمجيّات. لكن هذه الأنظمة السياسية لا تُدرك أن هذه البَرمجيّات المُتَجَسِّـسَة تُخْبِرُ، في نفس الوقت، المُخَابَرَات الإسرائيلية عبر تِـقْنِيَة ”الباب الخَلْـفِـي” (Back Door). فَتَتَحَوَّل هذه البرمجيّات إلى وسيلة بين أَيْدِي المخابرات الإسرائيلية، وَتُعطي لإسرائيل إمكانية التَأْثِيـر على ”تَدْبِير السياسة الأمنية” للدول التي تستعمل هذه البرمجيّات. كما تُعطي هذه البرمجيّات الإلكترونية إلى إسرائيل إمكانية القيّام بِـعَمَلِيَّات سِرِّيَة، مُباشرة أو غير مُباشرة، بِمَا فيها الاغتيّال، ضدّ المعارضين السياسيّين، أو ضِدّ المناضلين الثوريّين، أو ضِدَّ المُنَاهِضِين للصهيونية، المُتواجدين في داخل البلدان الناطقة بالعربية، وذلك سواءً بِـاتِّـفَاق مع الأنظمة السياسية المُستعملة لهذه البرمجيّات، أم بِدُون موافـقـتـها، وَلَا حتّى عِلْمِهَا. وهكذا يُصبح بإمكان إسرائيل التحكّم في تعامل هذه الدول مع مُجرميها، ومع نُـقَّادِهَا، ومع مُعارضيها. ويصبح الاستـقلال السياسي لهذه البلدان مُهدّدًا بالاختراق، وَبِالتَلَاعُب، وبالتَلَاشِي.
15- يوم تَوْقِيع النظام السياسي القائم بِالمغرب على إِتِّـفَاقِيَة «التَطْبِيع» مع إسرائيل (في 22 ديسمبر 2020) هو يوم بداية خُضُوع النظام المَلَكِي بِالمغرب لِـحِمَايَة إسرائيل وأمريكا.
16- إن قَام النظام السياسي المَلَكِي بالمغرب بِـ «التطبيع» مع إسرائيل، فإن عامّة شعب المغرب تَرفض أيّ «تطبيع» مع الصهيونية.
17- جميع المَلَكِيَّات، والإِمَارَات، والسَّلْطَنَات، الموجودة في العالم الإسلامي أو العربي، كانت كُلُّهَا، ودائمًا، وما زالت، عَمِيلَة للإمبريالية، وعَمِيلَة للاستعمار، وعَمِيلَة لإسرائيل. وَتُـفَضِّل كلّها ضَمَان دَوَامِهَا، عَبر الاِحْتِمَاء بِحِمَايَة الإِمبريالية، مُـقَابِل اِسْتِبَاحَة أوطانها لِصَالِحِ الاستعمار والإمبريالية. ولَا تَتَرَدَّد هذه المَلَكيّات في قَمع شُعوبها. وَمُجْمَل البُورْجْوَازِيَّات الكُومْبْرَادُورِيَة تَخُونُ بِسُهولة شُعوبها، وَلَا تهتمّ سِوَى بِتَنْمِيَة ثَرَوَاتِهَا الشّخصية.
18- لَا يقدر النظام السياسي القائم في المغرب على الإيمان بِقضية الصحراء الغربية، ولَا بأية قضية وطنية أخرى. ومُجمل سيّاساته في الصحراء كانت خاطئة، وذات نتائج سلبية. وخلال قرابة 15 سنة الأولى في تاريخ قضية الصحراء (منذ سنة 1975)، جَرَّبَ النظام السياسي المغربي أَوَّلًا التَرْكِيز على القمع الشَّرس لِسكّان الصحراء، وخلال 20 سنة الثانية، جَرَّبَ النظام السياسي التَرْكِيز على شِرَاء وَلَاء أَسْيَاد وأَعْيَان القبائل الصحراوية، عَبْر تَوْزِيع الرِّيع (rente) السَّخِي علي نُخَب سُكّان الصحراء الغربية. ومنذ قُرَابة سنة 2010، بدأ النظام السياسي يُجَرِّب التَرْكِيز على شِرَاء مُساندة الدُوَل لِسِيَّادَة المغرب على الصحراء الغربية، عبر مَنح كل واحدة من هذه الدول الامتيّازات المادّية التي تَهُمُّهَا داخل المغرب. وِفي اِتِّـفَاقية «التَطْبِيع» الأخيرة بين المغرب وإسرائيل، يحصل النظام السياسي المغربي على اعتراف أمريكا بِشَرعية سِيَّادَة دولة المغرب على الصحراء الغربية، مُـقابل اعتراف المغرب بِشرعية استعمار إسرائيل لِفلسطين، بالإضافة إلى «وُعُود حُصول المغرب على اِسْتِتْمَارَات مَالِيَة» هَائِلَة تُـقَدَّر بِمَلَايِير الدُّولَارات الأمريكية. وهذه الوُعُود الأمريكية والإسرائيلية تَبـقَى مُجرّد أَوْهَام مُضَلِّلَة. ولَا يمكن أن يُصَدِّقَ هذه الوُعُود سِوى مَن يَجهل أن أمريكا وَإسرائيل، لم يَلْتَزِمَا أبدًا بِأيّة وُعُود، وَلَا بِأَيَّة اِتِّـفَاقِيَة دُوَلِيَة.
19- مُجمل الحُكَّام العرب، أنصار «التطبيع» مع إسرائيل، لَا يقدرون على حِمَاية أنفسهم، ولَا يَحْظَوْنَ بِنُـفُوذ كَافٍ حتّى على أنفسهم، فَـكَيْفَ يُمكن أن يكون لهم أيّ نُـفُوذ على إسرائيل لِإجبارها على احترام تَعَهُّدَاتِها، إِنْ هِيَ خَانَت اِلْتِزَامَاتِهَا السَّابِقَة في المُستقبل ؟
20- في مُجمل خِطَابَات أنصار «التَطْبِيع» مع إسرائيل، نَرَاهُم يَنطلقون بِسُرْعَة البرق مِن أُطْرُوحَة سيّاسية كَاذِبَة إلى أخرى زَائِـفَة. ويتكلّمون عن «أعداد مُتَزَايِدَة مِن المَشَاريع الاقتصادية الهَائِلَة»، والتي تُقَدَّرُ قِيمتها بِمَلَايِير الدُّولَارَات الأمريكية. لكن كَلَامهم يبقى كُلُّه مُجرّد وُعُود كَاذِبَة، وَمَشَارِيع وَهْمِيَة، ومُعْتَـقَدَات سَاذَجَة أو بَاطِلَة. وَلَا يُمكن أبدًا لِوُعُودِهِم المُخَادِعَة، وَلَا لِمَشَارِيعِهِم المُضَلِّلَة، أن تَتَحَـقَّـق. وَلَا يُمكن أن يُصَدِّق تِلك الوُعُود أو المَشَاريع سِوَى مَن يَجْهَلُ عُلُوم السياسة. ولا تصلح هذه الخِطَابات المَغْشُوشَة سِوَى لِتَضْلِيل الشُّعُوب الجَاهِلَة، وَلِإِدَامَة خُضُوعِ هذه الشُّعُوب وَاسْتِـغْلَالِهَا.
21- يَزْعُم أنصار «التَطْبِيع» بين المغرب وإسرائيل أن «حِلْفَ أمريكا وإسرائيل سَوْف يَسْتَثْمِرُ في المغرب مَلَايِير الدُّولَارات الأمريكية». وَيُرَوِّج أنصار التطبيع مع إسرائيل أن «المغرب سَيَسْتَـفِيد مِن العُلوم، ومن التكنولوجيات الإسرائيلية»، لاستعمالها في تنمية المغرب. وهذا الاعتـقاد هُو هُرَاء. ولَا يُصَدِّقه سِوَى مَن يجهل ابْرُوتُوكُولَات عَمَل العُلَمَاء، والتِـقْـنِيِّـين، والمُقَاوِلِين المُسْتَثْمِرِين. وَلَا يُؤْمِنُ بذلك الزَّعْم سِوَى مَن يَجْهَلُ تاريخ الصَّهيونية وأهدافها. فَمُنْذُ نشأة إسرائيل كَـكِيَّان استعماري وَتَوَسُّعِي في سنة 1948، لم يسبق أبدًا لِإِسرائيل أن قامت بأيّ فِعْل خَيْر لِصَالح أيّ بَلد مُسلم، أو عربي، أو ناطق بالعربية، وَلَا لِصَالح أيّ بلد آخر مُختلف في العالم. (وَيَصْدُق نَـفْسُ الشيء على الإمبريالية الأمريكية). بَلْ ظَلَّت العَـقِيدة الاِسْتْرَاتِيجية لإسرائيل مَبنيّة على أساس أن ضَمان أمن إسرائيل يَستوجب التَـفَوُّق الحربي المُطلق لصالح إسرائيل. وَفي هذه العَـقِيدَة الرَّسْمِيَة لِإسرائيل، يستوجب تَـفَوُّق إسرائيل إِجْبَار كلّ الشعوب المُجَاورة، أو المنافسة، على البَقَاء في حالة تَخَلُّف دَائِم. كما أن العقيدة الاستراتيجية لِإسرائيل مَبْنِيَة كذلك على أساس إضعاف أو تَخْرِيب كل البلدان المُسلمة والعربية المُجاورة، مِن المُحيط الأطلنتي إلى أَفْغَانِسْتَان، أو إلى شرق منطقة القُوقَاز. وتعمل إسرائيل كَمُسْتَعْمَرة مُشتركة لِمُجمل الدول الإمبريالية الغربية. وَمُجمل سَاسة العَالم يُدركون أن إسرائيل، والْلُّـوبِي الصَّهْيُونِي العالمي، هما اللذان دَفَعَا الولايات المتّحدة الأمريكية إلى فرض حِصَار اقتصادي على العراق خلال أكثر من عشر سنوات، ثمّ إلى غزو العراق وتخريبه كُلِّيًا في سنة 2003. وبعد مُرور 18 سنة على هذا الغزو الأمريكي، مَا زَالَ العراق عاجزا على الخُروج مِِن خَرَابِه. واسْتَغَلَّت إسرائيل وأمريكا اِنْتِـفَاضَة مَا سُمِّيَ بِـ «الرّبيع الديموقراطي العربي» لِتَمْوِيل وتَسْلِيح مِيلِيشْيَات إرهابية مُتَأَسْلِمَة، وَلِتَخْرِيب سُوريا بين سنتي 2012 و 2020. وتُريد إسرائيل وأمريكا تخريب إِيرَان، دُون أن تَـقْدِرَا على ذلك. وَشَجَّعَت إسرائيل وأمريكا (وكلّ الإمبرياليات العالمية) على اِنْـفِصَال جنوب السُّودان عن شمال السودان. وَتَتَحَكَّمُ إسرائيل حَاليًّا في جيش السودان وفي أسلحته. وَدَعَّمَت وَسَلَّحَت إسرائيل وأمريكا بعض الفصائل الكُرْدِيَة الطَائِفِيَة والانفصالية. وأصبحت هذه الفصائل الكُرْدِيَة تَابِعَة وخَاضِعَة لِأمريكا وإسرائيل. كما دَعَّمَت إسرائيل وأمريكا السَّعودية والإمارات في حربهما الحَمقاء ضدّ شعب اليَمَن. وَسَتَـتَـسَـبَّـبُ إسرائيل وأمريكا في المُستقبل في إحداث اِنْـقِسَامَات، وَتَطَاحُنَات، وَخَرَاب مُقبل في بلدان أخرى، مُسلمة أو عربية، مثل الأردن، والمغرب، والجزائر، ومصر.
22- يزعم بعض المسؤولين في دولة المغرب، المُنَاصِرِين لِإسرائيل، يَزعمون أنه «يَحِقُّ لِلإسرائيليّين مِن أصل مغربي أن يَحْمِلُوا جِنْسِيَة مُزْدَوَجَة، إسرائيلية ومغربية». وهذه مُغالطة، وتَزْوِير، وَتَحَايُل على القانون، وتحريف لِدُستُور المغرب. حيث لَا تُوجد في قوانين المغرب بُنُود تُـبرّر المَنْح الأُوتُومَاتِيكِي لِلجِنسية المغربية لِمُواطني دولة أجنبية، ولو كانت هي إسرائيل. وحتّى إذا مَا أَسْرَعَ حُـكّام المغرب (المُناصرين لإسرائيل)، فيما بَـعْدُ، إلى وَضْعِ قَوانين جديدة تُبيح مَنح الجنسية المغربية لِبعض مُواطني دُوَل أَجنبيّة مِثل إسرائيل، فإن هذا الإجراء سيكون في تناقض مع مَفْهُوم «الوَطَن»، ومع مفهوم «المُوَاطنة». حيث لَا يُعقل أن يكون لِشَخص واحد، وفي نفس الوقت، وَلَاءٌ صَادِق وتَامّ لِـ «وَطَنَين» مُتَبَاعِدَيْن، ومُتَنَاقِضَيْن. ومِن المُستحيل أن يلتزم أي يَهُودِي مُتَصَهْيِن، ولو كان مِن أصل مغربي، بالوَلَاء لِـ «وَطَن المغرب» ! لماذا ؟ لأن كلّ يهودي صهيوني هو بالضرورة جُنْدِيّ في الجيش الإسرائيلي، وَعَمِيل لِإِحْدَى أَجْهِزَة المخابرات الإسرائيلية (مثل “المُوسَاد”). فَكُلَّمَا مَنَحَت دولة المغرب الجِنْسِيَة المغربية لِيَهُودِي إسرائيلي مِن أصل مغربي، فَإنها تَمْنَحُ هذه الجِنْسِيَة لِجُنْدِي إِسرائيلي، وَلِعَمِيل في جهَاز المُخَابَرَات ”المُوسَاد” الإسرائيلي. أَلَيْسَ هذا غَبَاء سيّاسي؟ زِد على ذلك أنه، لَا يُؤمن بِإمكانية وُجُود وَلَاء شخص يَهُودِي مُتَصَهْيِن لدولة أخرى غير إسرائيل، سِوَى مَن هُو غَارق في السَّذَاجَة، ولا يَفـقه شيئًا في السياسة الجارية في الواقع. وحتّى إذا اِفْتَرَضْنَا جَدَلًا إِمكانية وُجود أشخاص يحملون «جِنْسِيَة مُزْدَوَجَة»، إسرائيلية ومغربية، ويَحْمِلُون وَلَاءًا مُزْدَوَجًا لِإسرائيل ولِلمغرب، فإن هؤلاء الأشخاص سَيُـفَـضِّلُون في كلّ حِين، وَبِدُون أَدْنَى تَرَدُّد، خِدْمَة إسرائيل على خِدْمَة المغرب. ولماذا؟ لأن العَقِيدة الصَّهْيُونِيَة مَبْنِيَة على أساس أَيْدِيُولُوجِيَة دِينِيَة مُقَدَّسَة. وَلِأَن إِيمَان هؤلاء الأشخاص بالصَّهْيُونِيَة يجعلهم يُـفَضِّلُون دَائِمًا خِدْمَة المشاريع الصهيونية الاستعمارية على أيّ شيء آخر. والعالم كله يعرف، ومنذ زمان، أن كل يهودي مُناصر للصهيونية يُصبح بالضرورة مُجْبَرًا على العمل كَجُنْدِي مُجَنَّد لِخِدْمَة الأجهزة المُخابراتية الإسرائيلية (المُوسَاد، الخ)، وَلِخِدمة الدولة الإسرائيلية وجيشها. والاعتـقاد بِعكس ذلك هو جهل فَظِيع. فعلى مَن يضحك أولئك الذين يريدون أن يفرضوا على شعب المغرب «التطبيع» مع إسرائيل ؟
23- يَتَظَاهَر النظام السياسي بالمغرب بِسَخَاء مُصطنع في مَنْح الجنسية المغربية لبعض مواطني إسرائيل. وَلَا يُوجد في مَنح هذه «الجِنْسِيَة المُزْدَوَجَة» لِإسرائيليّين من أصل مغربي أيّ إجراء مُتَبَادَل (réciprocité). وهذه الرَّغبة المُتَهَافِتَة في منح امتيّاز حَمْل الجنسية المغربية إلى إسرائيليّين من أصل مغربي، تُخْـفِي وَرَاءَهَا وَاقع حِرْمَان أبناء الشعب الفلسطيني مِن حَمْل أيّة جِنْسِيَة مَهْمَا كَانت، لَا الجِنسية الإسرائيلية، ولَا الجِنسية الفلسطينية ! لأن الكِيَّان الإسرائيلي الصَّهْيُونِي اِستعمر وَطَنَ الفلسطينيّين، وطردهم منه، وَمَـنَـعَ عليهم حمل أية جِنسية، سواءً كانت جِنسية الكِيَّان الإسرائيلي، أم الجنسية الفلسطينية. وإذا كانت المَلَكِيَة بالمغرب مُتحمِّسَة لِمَنْح «الجِنسية المغربية» لبعض مُواطِنِي إسرائيل، فَمَنْ يَتَـفَضَّل بِمَنْح أيّة جِنسية كَانت لِلفلسطينيّين، المَنْزُوعِين مِن وَطَنِهِم ؟ وَمَنْح الجِنسية المغربية لِمواطنين إسرائيليّين مِن أصل مغربي، هو تَـكْـرِيـسٌ لِـحِـرْمَان الفلسطينيّين مِن أيّة جِنْسِيَة !
24- يَخْلِط بعض المسؤولين في الدولة بالمغرب بين «التطبيع» و«إقامة علاقات ديبلوماسية». حيثُ يمكن، نظريا، أن نقبل «إقامة علاقات ديبلوماسية» مُؤَقَّتَة مع دولة اِمبريالية أو استعمارية قويّة مثل فرنسا، ولكن «تطبيع العلاقات مع إسرائيل» له معنى مُخَالف تمامًا، وَهُوَ الاعتراف بِشَرْعِيَة كل ما أنجزه الكيان الصهيوني إلى حَدِّ الآن من احتلال، واستعمار، وَتَـقْـتِـيـل، وتهجير، وقمع، وتطهير عِرقِي، إلى آخره. وفي الوقت الذي بَدَأَ الشَكُّ في مشروعية الاِسْتِيطَان يَتَسَرَّب إلى عُقُول بعض الإسرائيليّين، فإن السَّاسَة الإسرائيليّين يبحثون على «تَطْبِيع» دُول عربية مع إسرائيل بِهدف إبقاء المشروع الصّهيوني حَيًّا وَمَحْبُوبًا في عُقُول هؤلاء الإسرائيليّين. بَل يعني «التطبيع» مع الكيان الصهيوني القَبُول بِمَشْرُوعِيَة مجمل الأطروحات السياسية الصهيونية، مثل أطروحة «شعب الله المُخْتَار»، و«الأرض المُقَدَّسَة المَوْعُودَة لِليَهُود»، و«تَـفَوُّق العِرْق السَّامِي اليَهُودِي»، الخ. وهذه الأطروحات السياسية الصهيونية هي مَبْنِيَة على أساس تأويل اِنْتِهَازِي، وَعُنصُرِي، وَحَرْبِي، وعُدْوَاني، للدّين اليهودي. وهي أطروحات مُوَجَّهَة، ليس ضِدّ النَازِيِّين والفَاشِيِّين واليَمِينِيِّين الذين سَحَقُوا اليَهُود في أوروبَّا، وَإنما هي مُوَجَّهَة خِصِّيصًا ضِدَّ مجمل الشعوب المُسلمة، أو العربية، أو الناطقة بالعربية، التي لم يسبق لها أن شَرَّعَت اضطهاد اليهود (مثلما حدث في أوروبّا). خاصّة وأن إسرائيل لم تُعْلِن بعدُ على انتهاء مشاريع غزواتها، واحتلالاتها، وضَمِّهَا، لِلمناطق العربية المجاورة لإسرائيل. بَل تَحْلُم الحركة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل بِـ «تحرير واسترجاع منطقتي يَهُودَا والسَّامِرَّة، مِن النِّيل إلى الفُرات». و«تَطْبِيع» المغرب مع إسرائيل هو أيضًا «تطبيع» مع هذه الأطروحات. فهل يُعقل «التطبيع» مع مَن يحمل هذه المشاريع؟
25- كل اليهود هم مثل كل البشر، وكل البشر هم مثل كل اليهود. والاعتقاد بأن شخصًا، أو جماعة، أو شعبا، هو استثنائي على مستوى الذكاء، أو الأخلاق، أو القوة، أو غير ذلك من الخصال، هو مُجرّد وَهْم، بَلْ هُو مَدخل إلى الأيديولوجية العنصرية. وكل من يُدَعِّمُ الاعتـقاد بأن اليهود هم شعب خاص، فهو عنصري، وَلَوْ لَم يَعترف بذلك.
26- ذكر حميد بنزكري مقولة أخذها من كتاب ثِيُودُورْ هِيرْتْزَل (Théodore Herzl)، مؤسِّـس ”المنظمة الصهيونية العالمية”، في مدينة بَازِلْ بِسْوِيسْرَا (Suisse)، في عام 1897. حيث كتب هِيرْتْزَلْ : «بما أنه لا يمكن لليهود أن يندمجوا في بلدان أخرى، وبما أنه يجب أن يكون لليهود دولة خاصة بهم … يجب إذن إنشاء دولة خاصّة بهم. لكن أين ؟ في مدغشقر؟ أوغندا؟ موزامبيق؟ الكونغو البلجيكي؟ قبرص؟ الأرجنتين»؟ فَاخْتَارَت الحركة الصّهيونية فكرة فلسطين. وَأَضَاف ثِيُودُور هِرْتْزَلْ: «بالنسبة لأوروبا ، سنشكل في فلسطين قطعةً من الحِصْن ضدّ آسيا. سنكون الحارس المتـقدم للحضارة الغربية ضد البربرية». (مَقُولَة مَأخوذة مِن كتاب هِيرْتْزَلْ ”الدولة اليهودية”، المنشور في سنة 1896). وفي الوقت الذي تَضَع فيه جُمْهُورِيَة فرنسا قوانين تُوجِبُ «اِنْدِمَاج» (intégration) الفرنسيّين مِن أصل مَغَارِبِي، أو عربي، فإن الأيديولوجية الصهيونية تُؤَكِّد أنها تَرفض «اِنْدِمَاج اليهود في أيّ بلد كان»، بما فيه فرنسا! وَلَا يَقدر الحُكَّام الفرنسيون على نَقد الفكر الصّهيوني، وَلَا على مُواجهة الْلُّوبِي الصَهْيُونِي الذي يَحُثُّ الفرنسيّين اليهُود المُتَصَهْيِنِين على العَيْش في فرنسا على شكل طَائِـفَـة (communautarisme) مُتَمَاسِكَة. وهكذا تَمنع فرنسا على الفرنسيّين مِن أصل مَغَارِبِـي أن يَعِيشُوا كَـ «طَائِفَة»، وَلَا تُبَالِي بِكَوْن الفرنسيّين اليهود المُتَصَهْيِنِين يَعِيشُون كَـ «طَائِـفَـة» سِـرِّيَـة.
27- ومن المعلوم أن بعض الشخصيّات البارزة شَهَدَت أن الْلُّوبِي اليَهُودي (lobby juif)، يُهَيْمِنُ على بعض البلدان الغربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والمملكة المتحدة البريطانية، إلى آخره. وفي الحَقيقة، ليس «الْلُّوبِي اليَهُودي» هو الذي يُهَيْمِن، وإنما الْلُّوبٍي الصَّهْيُونِي (lobby sioniste)، هو الذي يُهَيْمِن. وَلَا يُمارس اليَهُود الصهاينة هذه الهَيْمَنَة كَـفِئَة دِينية، وإنما تُمارسها الفئة البورجوازية المَالِيَة من أُصُول يَهُودِيَة، مِن خلال سَيْطَرَتِهَا على النظام البَنْكِي والمَالِي، وكذلك مِن خِلال سيطرتها على وَسَائل الإعلام العُمُومية والخُصوصية. فالذي يُهيمِن هو الرأسمال، وَخُصُوصًا الرأسمال المَالِي، وليس الدِّين اليهودي. ويُمَارِسُ اليهود المُتَصَهْيِنِين سيطرتهم على عدد مِن بُلدان العالم، مِن خِلال تَواجُدهم في مواقع الرأسمال المَالِي المُهيمِن. وكل فِئَة مُجتمعية تَتَوَاجَدُ في مواقع السَّيْطَرَة على النظام البنكي والمَالِي ستكون مُهَيْمِنَة، وذلك بِغَضِّ النَظَر عَن دِيَانَتِهَا، أو عن أصلها الإِثِنِي. وَسِرُّ قُوَّة الْلُّوبِي الصَّهْيُونِي هو أن هؤلاء الصّهاينة يَعِيشُون كَـ «أَقَلِّيَة مَنْبُوذَة»، ويعملون كَحِزب وَاحد، مُوَحَّد، مَرْكَزِي، وَسِـرِّي. ويصبح الفلسطينيّون مضطرّين لِـفِـعْـل شيء مُشابه لذلك.
28- وقد صرّح مثلًا الرئيس الفرنسي السّابق جِيسْكَار دِي اسْتَانْ (Giscard d’Estaing)، بعد انتهاء وِلَايَتِه الرئاسية، أنه لَاحَظَ أن «الْلُّوبِي اليَهُودِي يُسيطر على فرنسا». وَشَهَدَ الكاتب الفرنسي جَانْ دُورْمِيسُون (Jean D’ormesson)، وهو عُضْوٌ بَارز في “الأَكَادِيمِيَة الفرنسية”، أن الرئيس الفرنسي السّابق فْرَانْسْوَا مِيتِيرَان (François Mitterand) بَاحَ له شخصيًّا بِسِرٍّ قُبَيْل وَفَاتِه، وكَأَنَّ هذا السِرِّ هو وَصِيَة وَتَحْذِير. حيث قَال مِيتِيرَان لِِلكاتب دُورْمِيسُون أن «الْلُّوبِي اليَهُودِي يُسيطر على فرنسا». وبعدما رأى هذا الْلُّوبِي الصَّهْيُونِي أن الفَنَّان الفَرَنْسِي الهَزْلِي (humoriste) ادْيُودُونِي (Dieudonné) يَنْـتَـقِدُ بِشَكْل فَاضِح وَمُؤَثِّر جَرَائِم إسرائيل والصّهيونية، قَرّر هذا الْلُّوبِي اليَهُودِي المُتَصَهْيِن مَنع الفَنَّان ادْيُودُونِي من الظهور في أية قَناة تَلْفَزِيَة فرنسية. بَل منعه حتّى من الحُصول على أيّة رُخصة لِتَـقْدِيم أيّ عَرض مَسْرَحِي مِن بين عُروضه الهَزْلِيَة، داخل أَيِّ مَسرح مِن بَيْن مَسَارِح فرنسا. واستطاع الْلُّوبِي الصَّهْيُونِي أن يَنْجِح في تمرير قانون جديد في فرنسا، يَضَعُ فيه تَطَابُقًا بين «نَـقْد الصّهيونية» (critique du sionisme) و«مُعَاداة اليَهُودِيَة» (anti-sémitisme). وكانت «مُعاداة اليهودية» مُجَرَّمَة مِن قبل في فرنسا. وَيُجَرِّمُ ويُعاقب هذا القانون الجديد نَـقْد الصَّهيونية. فَكَيفَ يُعقل أن تُدَافِع فرنسا عن حق نَشْر كَارِيكَاتُورَات تَسْخَر من نَبِي الإسلام، وَأن تَمْنَع، في نفس الوقت، «نَـقْد الصَّهيونية» ؟ ويَفْضَحُ قانون «منع نَـقد الصهيونية» درجة انحطاط فرنسا، وَتَجَاوُز أو تَخَلّف نِسبة هامّة مِن مُثَـقَّفِيهَا. كما يَـكْشِفُ هذا القانون مَدَى خُضُوع فرنسا إلى الْلُّوبِي الصّهيوني. حيث مِن الواضح للجميع أن «الصّهيونية» تَختلف كَيْـفِيًّا عن الدّين اليَهُودي، وعن المجموعات البَشرية اليَهُودية. و«الصّهيونية» هِي منظومة مِن المُعْتَـقَدَات، وهي مُجَرَّد تِيَّار سياسي، ومشروع استعماري لِفَلَسطين. ومِن حق أيّ شخص، في إطار حقّ «حُرِّيَة التعبير»، أن يَنْتَـقِدَ أفكار الصّهيونية، وأن ينتقد أفعال أنصار الصّهيونية. وخير دليل على ذلك، هو أنه تُوجد شخصيات يهودية، كثيرة، وَمَعروفة عبر العالم، تَتَبَرَّؤُ مِن الصهيونية، وتنتـقدها، وتُعَارِضُ مشروعها الصّهيوني.
29- حِينما نَرجع إلى فلسفة القانون، يُمكن أن نُدرك أن «كَرَاهِيَة اليهود» (anti-sémitisme)، هي فِعلًا فِكر مَـكْرُوه، أو إِحْسَاس مَنْـبُوذ. وتَنْبَنِي «كَرَاهِيَة اليهود» في غالب الحالات على مُعتـقدات عُنصرية. لكن «كَراهية اليهود»، إذا ما بقيت في مُستوى الأفكار، أو المَشَاعِر، أو المُيُول، أو النَزَعَات، فإنها لَا تُجَسّد جَريمة (مِثلما ذهب إليه القانون الجديد في فرنسا). لأن الجريمة لَا تُصبح جريمة إِلَّا إذا كانت فِعْلًا مَلْمُوسًا، وَيُحْدِثُ ضَرَرًا مَلْمُوسًا لِلْغَيْر. أمّا الأفكار أو المشاعر، التي لَا تُحْدِثُ ضَررًا مَلموسًا لِلْغير، فَلَا تُجَسِّدُ جَرائم. وسيكون من باب الحُمق أن نُعاقبَ شخصًا، أو أن نَرْمِيَه في السِّجن، فقط لأنه يحمل أفكارًا أو أَحَاسيس، مَفَادُهَا أنه «لَا يُحبّ اليهود»، أو أنه «يكره المُسلمين»، أو أنه «يَشْمَئِزُّ مِن المَسيحيّين». فَالقَانُون السَّلِيم لَا يُعاقب على الأفكار، ولَا على الأحاسيس، وَلَا على المَشاعر، ولَا على المُيُول، وإنما يَـكْتَـفِي بِأن يُعاقب الجَرائم الملموسة التي تُحْدِثُ ضَرَرًا مَلموسًا لِلْغَيْر. وهكذا، فقد زَجَّ الْلُّـوبِـي الصَّهْيُونِي بِفرنسا في تَشْرِيع أحمق.
30- يُحبّ صَهاينة إسرائيل تِقْنِيَّات إبادة النُّخَب الفلسطينية المتميزة بذكائها، أو بنضالها الثوري. وفي البداية، استخدم الصهاينة وسائل عنيفة لِتَصْفِيَة أعدائهم، مثل القنابل الموقوتة، والأسلحة النارية المُزَوَّدة بـ “كاتم الصوت” (مثلما حدث أثناء اغتيّال قادة فلسطينيّين في تُونس)، إلخ. ولكن بعد وصول مُـكَثَّـف لِيَهُود صهاينة من أصل روسي، تَبَنَّت المُخابرات الإسرائيلية تِـقْنِيَّات جديدة كانت تَستعملها في الماضي بعض الأجهزة السِرِّيَة في الاتحاد السوفيتي بهدف قتل الخُصوم بشكل بطئ، مثل السُّمُوم، أو المواد المُسَبِّبَة لسرطان سريع، أو المُضِرَّة بالأعصاب، مثل مادّة نُوفِيتْشُوكْ (novitchock). وأبرز مثال على تِـقْنِيَة الاغتيال البطيئ : نجد بالضَّبط اغتيّال رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية”، ورئيس السُّلطة الفلسطينية، ياسر عرفات. وخبراء كثيرون في العالم يعلمون أن قاتل ياسر عرفات هو اِسرائيل، ولا أحد تجرّأ على مُحاكمة أو مُعاقبة اِسرائيل، طبقًا للقوانين الدولية القائمة.
31- وبِارتباط بِمَا سبق ذِكره، وبعدما قَرَّرت السلطة السياسية القائمة بالمغرب «تَطْبِيع» العَلَاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع الكِيَّان الصهيوني، تَخْشَى بعض الحركات الثورية أن يَحدث في المغرب، خلال السنوات القادمة، تَزَايُد عَدد المعارضين السياسيّين، والمناضلين الثوريّين، الذين يَمُوتُون بشكل مُفَاجِئ وهم في سِنٍّ مُبْكِر نِسْبِيًّا، دون أن يعلم أحد لماذا تُوُفُّوا. لأن الأجهزة السِرِّيَة الإسرائيلية تُـقدّم لِحُلَفَائِهَا تِـقْنِيَّات سَهلة وجاهزة لِتَصْفِيَة الأعداء السياسيين الثوريّين. فَالاحتمال الأكبر هو أن يَأْتِـي «تطبيع» الدولة المغربية مع إسرائيل بمزيد من القمع، والاستبداد، والخراب.
32- بِمَا أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يخضعان لِسَيْطَرة الْلُّوبِي الصَّهْيُونِي، وبِمَا أن المغرب يعيش في إطار ”التَـبَـعِـيَـة” لِلإِمْبِرْيَالِيَة، وَيَخضع لِسيطرة إِمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية، ولِسَيْطَرَة إمبريالية فرنسا، وَبِالتَّالِي، فَمِن المُحَتَّم أن يُصبح المغرب خَاضِعًا، هُو بِدوره، لِهذا الْلُّوبِي الصَّهْيُونِي العالمي. وهو الأمر الذي يعرض المغرب لأخطار التَبَعِيَة، والنَّهب، والخراب.
- (هذا النصّ هو فصل مُـقْـتَـطَـف مِن كتاب لِرَحمان النوضة، تحت عُنوان: ”نَـقـد الصَّهْـيُونِيَة”. وانتهى تحرير هذا الفصل في 1 ماي 2021).