أوراز: العقد الأخير كان “عقدا ضائعا”.. والريع أكبر من أن يكون مجرد رخص بل هو ذهنية (فيديو)
يقدم رشيد أوراز، باحث اقتصادي رئيسي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، مقاربة خاصة لمسألة الفوارق الاجتماعية ومسار تطورها بالمغرب، فـ”المغرب لا يعرف مشكلة فوارق، وإنما عاجز عن خلق الثروة ليستفيد الفقراء أكثر”، وهو يفسر الأسباب التي جعلت العقد الأخير (2010-2020) “عقدا ضائعا” بعدما حقق المغرب معدلات نمو مرتفعة في العقد الأول من سنة 2000 وتغيرا إيجابيا في الدخل الفردي، يقف الباحث عند الهيكل الريعي للاقتصاد المغربي وعدم قدرة نخبه الاقتصادية على المغامرة والخروج من التصورات التقليدية للاستثمار وجمود العقليات الاستثمارية، معتبرا أن الريع أكبر من أن يكون مجرد رخص بل هو ذهنية، وأن زمن التغير الدستوري لازال يتطلب وقتا ليخلق بيئة تناسبه في الاقتصاد، وإن كانت الظروف التي جاءت به للمغرب، وما كان لسياق ما يعرف بـ”الربيع العربي” من تأثير على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مآلات، تجعل المغرب يدفع اقتصاديا ثمن اللاستقرار بهذه المنطقة، فعين الناظر من الخارج ليست كعين الناظر من الداخل، وإن كان المشكل في نظره في حجم الفوارق الاجتماعية بالمغرب هو أساسا “خلق الثروة ” فهو لا يبرئ ذمة الدولة في ما يمكن أن تتسبب فيه اختلالات التوزيع من توسيع لهامش الفوارق.
المغرب يدفع اقتصاديا ضريبة اللاستقرار في المنطقة
وقال أوراز في حوار مصور مع “لكم ” أن مشكلة الفوارق الاجتماعية ليست المشكل في حد ذاتها بل إن المشكل الأساسي أبعد من ذلك وهو “خلق الثروة” موضحا أن بالفعل “هناك مشاكل في توزيع الثروة، والذي ينبغي أن يراقبه هو الدولة، لأن الدولة هي من عليها جمع الضرائب وتضريب النشاط الاقتصادي وتضريب العمل وتضريب الريع، لتقوم بإعادة التوزيع”.
وأضاف أوراز “المفروض لو أن الدولة قامت بأدوارها، فالفقراء كانوا سيستفيدون من خدمات اجتماعية أفضل، صحة، تعليم، وبنية تحتية، لكن قبل أن نتحدث عما يجب أن توزعه الدولة ينبغي أن نتحدث هل استطاع المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة خلق الثروة؟ “، مفسرا أنه على عكس العشر سنوات الأولى، “من سنة 2000 والتي انتقل فيها الدخل الفردي من 1400 دولار إلى تقريبا 3000 دولار وعرفت ارتفاعا في معدلات النمو” فإنه فيما وقع انتقال قائلا ” من 2010 إلى 2020 أسميه بالعقد الضائع، فقد بقي الدخل الفردي للمواطن المغربي مستقرا”.
وعن الأسباب التي جعلت مسار النمو يتوقف عن السير بنفس الوتيرة، يرى الباحث أنه إلى جانب التحولات العالمية في الثورة التكنولوجية وعدم استفادة الاقتصادات التي لم تكن مؤهلة من الطفرة التي أحدثتها، فإن أزمة 2008 ألقت بظلها حتى على الدول التي استفادت من ذلك التحول العالمي فأوقفت الطفرة التي قامت بها، والمغرب ليس بمنأى عن التحولات العالمية، غير أنه ينضاف لذلك على المستوى المحلي فقد دفع المغرب اقتصاديا ثمن ما سمي بـ”الربيع العربي” قائلا: “نحن في منطقة منذ سنة 2010 لم يعد فيها استقرار، وليست فيها حكومات، وليست فيها دول، وليست فيها دساتير، وبالتالي فإن المستثمر الأجنبي لا يمكن أن يأتي إلى منطقة تسمى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لأنه يتوقع أن كل بلدان المنطقة هي على نفس الشاكلة ولا يمكن أن يستثمر فيها لعشرين أو ثلاثين سنة، المغرب يدفع ضريبة اللاستقرار في المنطقة “، موضحا أن”الظروف في الداخل دائما ما تقرأ بشكل مختلف من الخارج، نحن بالنسبة للمستثمر الأوروبي والشراكة الأوربية لا يمكن أن نفصل عما يجري في المنطقة، هذا له تأثير فيما يخص الاستثمارات المباشرة والتبادل التجاري مع المغرب”.
نخب الماضي الاقتصادية أصبحت عاجزة على أن تقوم بإعطاء دينمامية جديدة
وتنضاف للعامل الدولي والإقليمي أمورا أخرى يفسر بها أوراز الجمود الاقتصادي في العقد الأخير حيث يقول أن “المغرب نفسه يعيش تحولات مجتمعية قوية على مستوى النخب، فنخب الماضي الاقتصادية أصبحت عاجزة على أن تقوم بإعطاء دينمامية جديدة ، هناك رأسماليين لم يعودا قادرين على المغامرة، بالتالي فالبلد يحتاج في مرحلة معينة إلى عقليات جديدة على مستوى السوق والاستثمار، وتكون قادرة على الاستثمار في قطاعات غير تقليدية، غير العقار، وبعض القطاعات الريعية التي يكون فيها الربح مضمون لأنه ذو طبيعة ريعية، المغرب اقتصاده لم يستطع أن يلج خصوصا كل ما يتعلق بالاستثمار في التكنولوجيات الحديثة تحديث بعض القطاعات المرتبطة بالخدمات، بالتالي رغم المجهودات التي قامت بها الدولة في التسريع الصناعي فالأمر لا يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها، لأن جزء من العراقيل متعلق بما تتنتجه الجامعة والمدرسة المغربية وبجدودة الرأسمال البشري، هذا معرقل كبير، وأيضا التأخر في بعض الإصلاحات، فهناك مشاكل على مستوى الإدارة، حيث أن العقليات في الإدارة لم تستطع أن تواكب ما يريده سوق الاستثمار وسوق الأعمال على الصعيد العالمي، وكل هذه العوامل مجتمعة جعلت الاقتصاد يدخل في ركود”.
وأكد أوراز في معرض إجابته عن أثر التغير الدستوري الذي عرفه المغرب على الاقتصاد أن “تغير الدستور والإطار المؤسساتي وطبيعة العقد الاجتماعي له تأثير على التطور الاقتصادي لكل بلد، لكن نتائجه تظهر لسنوات، فربما قد تظهر النتائج بدءا من سنة 2030، لماذا؟ لأن العقد الاجتماعي الذي يتفاوض الآن حول كل تفاصليه على مستوى النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يأخذ وقت، لأنه تفاوض يومي ومستمر، وبالتالي ففي حالة تغيير الدستور في أي بلد، لكي يستقر النظار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولكي يكون له تأثير جدي على التنمية، يأخذ ذلك وقت”.
“نحن في اقتصاد له أسس ريعية..”
وعن نمط الاقتصاد المغربي وما إن كان يصح توصيفه بأنه يقع تحت دائرة القيم الليبرالية يقول أوراز: “لسنا في نظام ليبرالي، ولا يمكن أن نكون في نظام ليبرالي، نحن في اقتصاد له أسس ريعية كأي دولة نامية في العالم، هناك فقط 34 دولة استطاعت الانتقال من الأنظمة الريعية حيث يتم توزيع الثروة والمنافع بالطرق التقليدية إلى النظام المؤسساتي الحديث، نحن نظام فيه شيء من الهجانة بين طرق تقليدية لتدبير المال والثروة والموارد الطبيعية والموارد البشرية أيضا، ثم فيه نوع من إدخال الرأسملة في بعض القطاعات ، أدخلتها سواء الدولة أو بعض العائلات أو بعض الرأسماليين وأعطت بعض النتائج في بعض القطاعات، لكن الهيكل نفسه، ليس هيكلا ليبراليا رأسماليا”، مضيفا أن “الانتقال إلى الليبرالية في البلدان التي عاشت هذا الانتقال لم يكن فقط على المستوى الاقتصادي وإنما أيضا على مستوى الحريات المدنية وعلى المستوى السياسي، وهذه القيم الليبرالية تترجم على المستوى الاقتاصدي بحرية المبادرة اوالمنافسة حيث السوق هو الذي يدبر الاقتصاد، حيث يلتقي الناس ويخلقون أفكار جديدة ويقومون بتسويقها، نحن على مشارف هذا بحكم تطور المجتمع المغربي، لأنه لا يمكن إيقاف التاريخ أو إرجاعه للوراء، يمكن تبطيئه عبر تشجيع نظام ريعي تقليدي لكن لا يمكن أن نوقفه نهائيا”.
وأكد أوراز أن الكثيرون يتحدثون عن القضاء على اقتصاد الريع، و “الريع أعقد وأكبر من أن يكون مجرد رخص تعطى لأشخاص معينين، الريع هو بنية ذهنية وثقافة في مجال الاقتصاد وفي مجال السياسة. فقد تأتي شركة نشأت في بيئة رأسمالية لكن توطينها في بيئة و فيها الريع سيجعله بنفس العقلية أي هل لديك وسطاء؟ ومن يحميك؟ إلى غير ذلك”.
(في الجزء الثاني من هذا الحوار يتحدث أوراز عن سياسة الدعم المالي، آثارها، نتائجها، وأزمة المحروقات وتداعياتها الاقتصادية).