تحقيق I الرياضة والانتخابات
عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة وفوزي لقجع رئيس الجامعة الكروية المغربية
كانت الحكاية أشبه ما تكون بـ «الطابو» وتصريح رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بخصوص تداخل ماهو رياضي وسياسي داخل الوداد البيضاوي جعل علامات الاستفهام تكبر بخصوص زحف السياسيين نحو مدرجات الملاعب لتوجيه خطاباتهم لجماهير الكرة .
ولئن كانت “الفيفا” ترسم خطوطا حمراء وتحدد مسافات بين السياسة والكرة، إلا أن واقع الممارسة بالمغرب يقدم عكس هذه التوصيات والمحاذير، ويقدم لنا كل مرة فاصلا من فصول اختراق هذا الجدار من طرف رجال سياسة وزراء ومنتخبين يرسمون فسيفساء الفرق على هواهم وعلى مقاس المصالح.
في المتابعة التالية نعرض لحالات ووقائع تؤكد أن السياسة والكرة بالمغرب ليس خطان متوازيان كما هو شائع وعلى أن الكرة كانت في خدمة السياسة في كثير من الحالات والسياقات.
الكرة في خدمة السياسة
حتى وإن قبلنا بائتلاف الاثنين (السياسة والكرة) فالمنطق والوضع الطبيعي يفرضان أن تكون السياسة في خدمة الكرة وليس العكس.
الأمر متجذر في البلدان العربية على وجه الخصوص والإفريقية في سياق ثاني، احتكاما لشعبية الرياضة ولتأثيرها ونفوذها الكبير والقوي على مستوى توجيه الرأي العام والمتتبع.
شهدت ليبيا وتونس وحتى مصر خلال فترة رئاسة الثلاثي المطاح به (القدافي وبن علي ومبارك) على هذه الحقيقة المرة، حيث كانت كرة القدم في كثير من الحالات المخدر الذي ساهم في تنويم الشعوب مغناطيسيا، والأفيون الذي تم استخدامه واستغلاله لتمرير خطابات وقضاء مآرب، أعاقت الثورة التي حدثت لاحقا وهو ما تم كشفه بعد فتح دفاتر الرؤساء سالفي الذكر.
وبعيدا عن سياقات هذه البلدان واقع تجذر السياسة في صلب الكرة لا يرتفع حتى وإن كان يأخذ في كثير من الفترات طابعا غير مباشر بتسخير أرانب سباق يتقمصون الدور ويؤدون الرسالة باقتدار بعيدا عن إثارة ولفت الانتباه إليهم، والبطولة الوطنية في أقسامها من الصفوة لغاية الهواة وحتى الأحياء، لها علاقة قوية ووطيدة بالمنتخبين السياسيين الذين ينشطون على نحو غريب بالمأدبات والولائم الانتخابية لبلوغ المراد سواء على مستوى قبة البرلمان أو المجالس المحلية.
فرق مغربية تلبس ألوان المرحلة
لا يمكن تعداد أو حصر عدد الأندية المغربية التي تلبس ألوان المرحلة في مرحلة الانتخابات إلا أن الوضع الحالي يتحدث عن الظاهرة ويحصر سلبياتها في الصراعات التي تتفجر كلما اقترب موعد انتخابي، يجعل من الفرق الضحية التي يتم استغلالها وأحيانا بشكل بشع يتسبب في تطاحنات قد تؤدي فاتورتها ولا يهم هذا، في تجسيد صريح لنرجسية المبدأ القائم على تقديس الوسيلة التي تبرر الغاية.
رئيسا الرجاء والوداد أكبر فريقين يتنافس على جمهورهما السياسيون
صحيح أن الأندية المغربية تقدم واجهة ديموقراطية بتحكم صناديق الانتخابات في بلوغ ووصول رؤساء ومسيرين لغرفة القيادة، إلا أن واقع الجموع العامة المريض والمريب يقدم رواية مختلفة لكل هذا ويتحدث عن جموع مخدومة في الكواليس، جموع يتم توجيهها بالريموت – كونترول، من طرف ضالعين في المجال تمهيدا لوصول رئيس مطيع سيلبس لاحقا عباءة وجلباب الحزب المراهن عليه، بعد أن ينصب نفسه تقنواقراطيا حاملا للمشروع مند الوهلة الأولى.
ولعل ما فجره رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران وهو يشير بالبنان لهذه الواقعة والحالة بتسمية أطرافها (الوداد والناصيري) وطريقة بلوغ كرسي الرئاسة، هي واحدة من تجليات الظاهرة التي تؤكد أن الأحزاب السياسية بالمغرب تراهن بالفعل على كثير من الفرق لتصبح دكانا لترويج خطابها وأحيانا بوقا للدعاية والترويج.
رؤساء أرانب لأحزاب سياسية
ونحن نواكب تاريخ الكرة المغربية ومطبخ الكثير من الأندية والفرق أمكننا أن نصل لحالات وعينات مثيرة لأندية ظل رؤساؤها ينهجون في كثير من مسارهم الكروي مبدأ التقية، وإخفاء الهوية السياسية والحزبية على الرغم من أنهم كانوا في واقع الأمر مجرد أرانب مسخرة من أحزاب لترسيخ أهداف الحزب بمحيط المدينة التي يمثلها والترويج لأجندته السياسية، وتلبية الطلب عند الحاجة لتحقيق الغاية.
وخلافا لهذه الحقيقة المؤلمة التي كشف التاريخ جوانب هامة منها ويكشف حاليا الجزء الخفي المتبقي، فإن عينات مسؤولين ورؤساء رفضوا أن يتدثروا بلون سياسي وحزبي انتهى بهم المطاف خارج اللعبة والسباق، بسبب سياسة التضييق وتفقير الفرق التي يرأسونها وتجفيف المنابع وتحريك الهواتف للجهات والفاعلين الاقتصاديين فيما يعرف بلازمة «اقطع الما والضو» الشهيرة والمتداولة في هذا السياق.
وتقدم نفس البيانات دون أن نكون سببا في الدعاية لرؤساء ولا فرق ولا حتى أحزاب في هذا التوقيت بالذات الذي يمثل مرحلة إحماء تسبق الانتخابات القادمة، أن أكثر الرؤساء الذين صمدوا بكراسيهم كانوا بمثابة الحمل الوديع والمرسول المطيع المنفذ للتوصيات والتعليمات والأوامر بكثير من الوفاء والإخلاص.
“الفيفا” تجرم وتحرم الاختراق
ولأنها لعبة تخضع لضوابط وممارسة لها تقاليد تحكمها وتحدد معايير النزاهة فيها، فإن كرة القدم وبحسب ما هو شائع ومعروف تعتبر أكثر الألعاب والرياضات شعبية على مستوى العالم لكنها مقابل هذا هي أكثر الرياضات تقنينا وأكثرها تحصينا ضد الاختراقات ذات الطابع السياسي على وجه الخصوص.
“الفيفا” وبوصفها الجهاز الوصي عن اللعبة على المستوى العالمي، فإنها لا تخفي انتصارها لروح الممارسة وتحصينها ضد كل أنواع الاختراقات خاصة السياسية منها، وكثيرة هي الوقائع والحالات التي تشهد على معاقبة وتوقيف نشاط جامعات واتحادات كروية والسبب هو لازمة التدخل الحكومي غير المقبول في نشاطها.
رئيس الوداد سعيد الناصيري كان ذكيا هذه المرة ورمى بالكرة لمعترك رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع بأن طالب إنصافا وتدخلا منه ومراسلة “الفيفا” في موضوع الخرجة الأخيرة لرئيس الحكومة لتتخذ ما تراه مناسبا في الترافع عن فريق منضو تحت لواء “الفيفا”.
جوزيف بلاتير كان حاسما خلال تنفيذية باهيا بالبرازيل قبل المونديال الذي إحتضنه هذا البلد وأكد أنه لن يتواني مستقبلا عن معاقبة البلد الذي يثبت أنه يتستر عن تدخل الساسة في شؤون الرياضة، وهو ما كرره بمونديال الأندية الأخير في اجتماعه الذي دعا إليه بأحد الفنادق حين علق على غياب محمد أوزين الوزير السابق المعفى من مهامه «لا يروق لي تواجد السياسيين معنا وأظن أنه يمكننا كعائلة كروية أن نكون اليوم أكثر أريحية فيما بيننا“.
المغرب الفاسي تحت رحمة شباط
واحد من أشهر النزاعات التي ما تزال تداعياتها ترخي بظلالها على الفريق الأول للعاصمة العلمية فاس، وهو الصراع المثير والذي امتد إلى ردهات القضاء بين عمدة فاس حميد شباط ورئيس المغرب الفاسي سابقا مروان بناني.
حميد شباط مع أعضاء من فريق المغرب الفاسي
رئيس “الماص” ظل يتهم شباط بتجفيف منابع الدعم للتضييق عليه كي يرحل وينتدب رئيسا على مقاس حزبه ولونه السياسي، وشباط ظل يصرح أن بناني لص وسارق لأموال الفريق ولا يجدر به أن يكون رئيسا للفريق.
وبعد أن أعيا بناني التضييق الصريح من عمدة المدينة الذي كان يختار الفترات الأنسب لظهوره حاملا شعار الفريق، خاصة في النهايات والمباريات الحاسمة، رحل بناني وعاد شباط ليظهر ويمنح “الماص” مؤخرا دعما ماليا بحدود 150 مليون سنتيم وساهم في جمع 400 مليون للفريق من محتضنين ورجال أعمال له صلة بهم. وضع يعكس حقيقة اختراق رجال السياسة لمحيط الأندية والتحكم في مواردها المالية متى سنحت أمامهم الفرصة لتفعيل ذلك.
بنرامي يترك “الكوكب” تحت ضغط رهيب
يتذكر الكثيرون تجربة هذا المسير الكتوم والذي ظل يشتغل في الظل بعيدا عن الأضواء، قبل أن يترجل عن صهوة التسيير فجأة على الرغم من النجاحات التي كان قد حققها.
بنرامي كان قد غادر “الكوكب المراكشي” بقرار من رئيس مجلس الجهة حميد نرجس بعد استدعائه لاجتماع طارئ بأحد فنادق المدينة الحمراء وتم إخباره بحتمية التنحي لاعتبارات تفهمها بنرامي حتى وإن لم يكن مقتنعا بها.
العارفون بالخبايا يعلمون جيدا أن مدينة مراكش وكوكبها الكروي واحدة من القلاع المثيرة لشهية السياسيين ومصادر عليمة تتحدث عن حركات إحماء تتم في سرية لإلحاق “الكوكب” في فترة قادمة بعد نهاية ولاية الورزازي بعمدة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري المنتمية لحزب «البام» كرد فعل على تولي يونس بنسليمان المحسوب على حزب المصباح رئاسة كرة السلة.
التمهيد للخطوة بدأ بوضع كوكب الجمباز بمعطف عمدة المدينة، وتم ربط إنفراج أزمات الكوكب المالية وغلق الصنبور بحسب مزاج المتحكمين في مصادر التمويل وهم سياسيون بطبيعة الحال.
عمدة سلا رئيسا للمكتب المديري للقراصنة
صمد عبد الرحمان شكري رئيس فريق جمعية سلا الفعلي وأحد الوجوه الصامدة منذ تاريخ طويل بوجه التيارات الراغبة في رحيله، والضالعون في شأن الكرة والرياضة بثاني مدينة من حيث الكثافة السكانية بالمغرب يدركون أن شكري يستمد قوته وصموده من دعم عمدة المدينة نور الدين الأزرق والذي أصبح قبل أشهر رئيسا للمكتب المديري للجمعية السلاوية.
وللاستدلال على ما للرياضة وخاصة تسيير كرة القدم من تأثير على الخارطة وفسيفساء السياسة ببعض المدن المغربية، فإن تقاطع المصالح بين الأزرق وشكري المنتميان معا للتجمع الوطني للأحرار هو مرادف لبقاء شبه دائم على رأس القراصنة إلى أن يأتي إشعار آخر؟
“العدالة التنمية” ترحل دومو عن النادي القنيطري
حتى وإن كان هذا هو الخفي في معادلة المشهد على مستوى تضاريس التسيير داخل النادي القنيطري، إلا أن كل جهة الغرب وليس محبو “الكاك” وحدهم من يعلم بهذه الحقيقة.
عبد العزيز الرباح الوزير والقيادي في العدالة والتنمية مع مسيري فريق “الكاك”
التاريخ يشهد على ذلك، ولعل التعليمات التي صدرت من وزير التجهيز واللوجيستيك والنقل عبد العزيز رباح للمسير عبد السلام بروك بالتنحي ليلة الجمع العام لصالح محمد الحلوي تلخص هذه الحقيقة.
“العدالة والتنمية” المتوغلة سياسيا بشكل أفقي وعمودي بالقنيطرة، ظلت تهاجم سياسة حكيم دومو ولم يتوان بعض فاعليها في وصفه بـ «القمار» وهو ما تسبب لدومو في حالة عسر مادي بعد أن اضطر للإكتتاب مرارا ومنح “الكاك” جزءا من ماله في كثير من الأحيان، بسبب غلق مصادر الدعم التي تفجرت بعد وصول الحلوي وظهور رباح بالواجهة.
أبرون يٌلبس الحمامة معطف “الاستقلال”
في متغير مثير أعقب الصراع الأخير الذي تفجر مؤخرا بين رئيس الحكومة وفريق الوداد البيضاوي، أعلن أشرف أبرون النجل الأكبر لعبد المالك أبرون رئيس المغرب التطواني عن ترشحه للاستحقاقات القادمة بلون حزب “الاستقلال”.
آل أبرون الذين ظلوا يؤكدون أنهم أبعد ما يكونون عن الانتماء الحزبي، على الرغم من كون معطيات علاقتهم بمجالس المدينة المنتخبة التي فتحت بوجههم قنوات الدعم وبشكل مسبوق تنفي كل هذا، أعلنوا اليوم في شخص أشرف ارتداء الحمامة لمعطف حزب “الاستقلال” بكل ما سيرافق ذلك من تداعيات ولربما كان لهذه الخرجة انعطافة كبيرة على مسار علاقة الفريق بمكونات سياسية ظلت تدعم الفريق تعطف عليه عن بعد وستنكشف اليوم.
دلالات حضور لعماري بجمع الجامعة
كان للحضور المثير والمؤثر في الوقت نفسه للسياسي إلياس العماري أشغال الجمع العام الشهير لجامعة الكرة والذي لم يحظ بمصادقة واعتراف “الفيفا” في مرحلة لاحقة، دوره في إثارة الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام بخصوص طبيعة الحضور لرجل صحيح أنه على صلة بفريق “شباب الحسيمة”، لكن حضوره السياسي وتأثيره بهذا المشهد أقوى بكثير من حرصه على الواقع الكروي والرياضي.
تدخل يومها إلياس العماري وكان فاعلا على مستوى التصدي لمشروع إنشاء عصبة خاصة بالهواة وبدا وكأنه ماسك بالكثير من الخيوط التي قادت فوزي لقجع لاحقا لرئاسة الجامعة وخلافة علي الفاسي الفهري.
المتتبعون للمشهد والذين يعيبون على الأندية ومسؤوليها التبعية للمجالس المنتخبة وخدمة أجندات سياسية، عادوا ليؤكدوا ويعترفوا أن العماري القيادي البارز في حزب “الأصالة والمعاصرة” كان له دور أكثر من حاسم على مستوى وصول لقجع لرئاسة أغنى الجامعات الرياضية على الإطلاق.
الفتح تحت قبضة منير الماجيدي
بعد اعتلاء علي الفاسي الفهري الرئيس السابق لفريق الفتح الرباطي منصب رئاسة الفتح والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وجد ملعب التسيير في فريق العاصمة الرباط مرسوما له من قبل محمد منير الماجيدي، فانهالت عروض الاحتضان على فريق العاصمة وأصبحت الشركات تتهافت عليه من أجل تسويق اسمها فوق أقمصة نادي الفتح وكذا داخل مركب الأمير مولاي عبد الله حيث يستقبل الفريق مباريات البطولة الوطنية مناصفة مع الجيش الملكي.
محمد منير الماجدي
ظل الفاسي الفهري يشتغل في هدوء ونعيم داخل فريق الفتح الذي لم ينضب معينه، وأحاط به مجموعة من السياسيين الذين وجدوا في الفريق الرباطي ضالتهم لقضاء حوائجهم كي يتعرف عليهم الجمهور المغربي، وفي مقدمتهم منصف بلخياط وزير الشباب والرياضة السابق، الذي لم يكن بينه وبين الكرة إلا الخير والإحسان فأصبح بين عشية وضحاها من ذوي النفوذ داخل الفتح.
رحل الفاسي الفهري وجاء حمزة الحجوي، وظلت أطر الصندوق الوطني للإيداع والتدبير هي المتحكمة الأولى في مصير الفتح الرباطي، ولغاية الآن مازال امحمد الزغاري المسؤول الأول داخل الفريق الرباطي يتحكم في دواليب الفريق، ويشتغل تحت إمرة منير الماجيدي الذي يزور بين الفينة والأخرى مركب مولاي الحسن معقل الفتح الحالي من أجل الاضطلاع على سير الأمور.
الفتح وعكس باقي مجموعة من الأندية الوطنية التي عادت من القسم الثاني للبطولة الاحترافية، وجدت إمكانيات مادية ضخمة جارت بها إيقاع البطولة، والصعود لرئاسة الفريق يكون على مقاس المسؤولين الكبار الذين يختارون أسماء بعينها لشغل المراكز الحساسة، وهو ما جعل العديد من الأشخاص الذين يشتغلون في السياسة كانوا على عهد قريب منخرطين في الفريق يبتلعون ألسنتهم ويتراجعون للوراء خلف الستارة.