تقرير إخباري: ضعف المنتخبين وغياب الرؤية السياسية والنقاشات العبثية تعطل عمل المجالس المنتخبة بطنجة
تشهد طنجة بعد مرور حوالي 22 شهرا على تقلد تحالف يتألف من أحزاب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلالوالاتحاد الدستوري سدة تسيير المجالس المحلية المنتخبة، جماعة طنجة والمقاطعات الأربع، نقاشا غير مسبوق بهذه الحدة من طرف أسماء تنتمي للأحزاب المشار إليها، حول حدود الصلاحيات المخولة للمؤسسات المنتخبة، وعدم تفاعل مجموعة من الإدارات والشركات مع مبادراتها، وكذا استغلال السلطة ضعف رموزها لتتدخل بشكل أو بآخر في تدبير العديد من الملفات التي تعود صلاحياتها لجماعة طنجة.
وكانت الولاية السابقة (2016 /2021) التي قادها بطنجة حزب العدالة والتنمية بأغلبية مطلقة، قد عرفت نفس النقاش، من طرف هيئات المجتمع المدني، لكن الجديد هذه المرة من طرف المنتخبين أنفسهم، أعضاء في مجالس المقاطعات، وبالمجلس الجماعي، بل رموز تتواجد في واجهة التدبير المحلي كما هو الشأن مع النائب الأول للعمدة، ومجموعة من نواب رؤساء المقاطعات.
ولعل أبرز تلك المواقف هو ما صدر عن عمر العسري النائب الرابع لرئيس مقاطعة بني مكادة، أكبر مقاطعة في المغرب، عندما خاطب رئيس المقاطعة في كلمة له في اجتماع دورة يونيو الأخيرة، بحضور حشد من المنتخبين والجمعويين، “السيد الرئيس وحتى أكون معك واضحا، مرتان وأنا أهم بوضع استقالتي من مهمتي كنائب لرئيس المقاطعة، وها هي في جيبي وقد أضعها في أي وقت، معتبرا أن هناك عبث بمصالح المواطنين، ولا يمكن لنا أن نبقى صامتين، وزاد”المواطن بني علينا آمال ونحن وعدناه لكننا وللأسف هناك من يعرقلنا، ولا نجد من يستمع إلينا، كما أن هناك بعض رجال السلطة يتعاملون مع المنتخبين بطريقة غير لائقة”.
وحسب مراقبين، فإن هذه واحدة من المداخلات الكثيرة التي عرفتها الدورات الأخيرة للمجالس المنتخبة (جماعة طنجة، المقاطعات الأربع) التي تشتكي من قلة الحيلة، ومن عدم التجاوب مع مبادراتها، والتدخلات المستمرة في صلاحياتها، بالإضافة إلى ما تقول عنه استهتارا تعامل به من طرف مجموعة من الإدارات العمومية، بعد أن يتم دعوة مدرائها لدورات المجالس لمناقشة ملف من الملفات، حيث عادة ما يكون الغياب وضعف التفاعل هو العنوان، كما حدث في الدورة الأخيرة لمجلس مقاطعة المدينة (دورة يونيو) بعدما غابت مديرة الوكالة الحضرية لطنجة، حيث كان مبرمجا مناقشة مجموعة من الملاحظات والنقاط المتعلقة بمشروع تصميم التهيئة الذي تأخر كثيرا في شقه المتعلق بتراب مقاطعة طنجة المدينة، وهو ما اعتبر استخفافا بالمؤسسات المنتخبة واستهتار بأدوارها كمجالس ممثلة للساكنة.
وتباينت التصريحات التي استقاها موقع “لكم”، حول هذا النقاش، بين من اعتبر أن الأمر يعود بالأساس إلى ضعف النخب التي تعتمر المجالس المنتخبة، و افتقادها لأي تكوين أو رؤية سياسية و تدبيرية و تنموية، متسائلة عن ماذا فعلت هذه المجالس المنتخبة للدفاع عن نفسها؟وبين من يرى ضرورة مراجعة القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، بمنح صلاحيات أوسع وأوضح للمؤسسات المحلية المنتخبة، قصد إعطائها هامش معتبر يتماشى مع دستور 2011، مشيرين إلى أن مؤسسة الوالي بصيغتها الحالية أصبحت متجاوزة، بل متناقضة مع كثير من المبادئ الدستورية، إذ لا يعقل أن يظل الوالي أو العامل يمارس سلطة الرقابة الإدارية شبه المطلقة علي المجالس الترابية التي تستمد شرعيتها من الدستور كما تستمد كذلك المشروعية من صناديق الاقتراع.
تهديد باستقالة
وفي تصريح لموقع “لكم”، وجه عمر العسري النائب الرابع لرئيس مقاطعة بني مكادة، في كلمة له خلال دورة يونيو الأخيرة، انتقادات شديدة لبعض رجال السلطة، الذين اعتبرهم يتعاملون بطريقة غير لائقة مع بعض المنتخبين، مطالبا بإيجاد حل، خاصةوأنلكل واحد له دوره، المنتخب له دور ورجل السلطة له دور حسب الاختصاصات المخولة لهم.
وأوضح العسري المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار،أنه”شاب كباقي شباب طنجة الذي ترشح للانتخابات الأخيرة، وخرجنا بخطاب كله أمل يتضمن الصراحة والوضوح والواقعية، والمواطنين الذين صوتوا علينا يعرفوننا من خلال اشتغالنا في العمل الجمعوي الجاد والمسؤول”، مشيرا إلى “أنه ومن معه خاضوا غمار الانتخابات بهذه الخلفية ودخلوا بنية الاشتغال ومحاولة تقديم شيء للمواطن من داخل المؤسسات”.
وزاد العسري، الآن وبعد أن مرت سنتين على انتخابنا وتواجدنا في سدة التسيير وهي مدة كافية لتعطينا صورة عن صعوبة التدبير والمعيقات التي تواجهنا، لكن للأسف خرجنا بخلاصة عنوانها التشاؤم وفقدان الأمل، بحيث أن مصالح المواطنين وقع فيها اليوم نوع من البلوكاج، سواء بالجماعة أو المقاطعة في عدة ملفات.
وأشار المتحدث، إلى أنهم وجدوا مجموعة من العوائق، أولها يتعلق بالمنحة الخاصة بمقاطعة بني مكادة، بحيث لا نتوصل بالمبلغ المصادق عليها في دورات الجماعة كاملا وفي وقته، موضحا أن السنة الماضية توصلت مقاطعة بني مكادة فقط ب60 في المائة من المبلغ، وهذه السنة وبعد مرور 6 أشهر لم نتوصل إلا ب 25 في المائة، مرجعا الأمر لضعف مداخيل الجماعة واصفا إياه بالمشكل العويص والكبير جدا.
من الإكراهات الأخرى التي تحدث عنها محاورنا بالكثير من الأسى، أنهم عندما يتواصلون مع الشركات المكلفة بالتدبير المفوض كمقاطعة، يكون التجاوب ضعيفا إن لم يكن منعدما، بالمقابل إذا تواصل رجل سلطة مع هذه الشركات يكون التجاوب بسرعة فائقة، وبالتالي فممثل الساكنة الذي جاء عبر الانتخابات لا يجد من يتفاعل معه ورجل السلطة يكون التفاعل مع طلبه في الحين، مضيفا “الأمر يدعو إلى الحيرة”.
وأوضح نائب رئيس مقاطعة بني مكادة، أنه ومع هذا البلوكاج أصبح المنتخب في مواجهة مع المواطنين، فهم يرون عندك عصى سحرية تحل جميع المشاكل، داعيا إلى فتح نقاش جدي حول اختصاصات المؤسسات المنتخبة، بمنحها المزيد من الصلاحيات، خاصة وأن المشاكل كبيرة والإمكانات متواضعة، مما يجعل المنتخب يتعرض لهجوم كبير وعنيف.
بالإضافة إلى هذا، يقول العسري، أن الطريقة التي تدبر بها الأمور على مستوى الجماعة، تفتقد للرؤية وبعيدة عن العمل المشترك الذي نصبوا من ورائه إيجاد الحلول بشكل جماعي طبعا في إطار التحالف المسير للمدينة، ليخلص إلى أنه وأمام هذه الاعتبارات بدأت أفكر بشكل جدي في تقديم الاستقالة.
وأبرز المتحدث أن نظام المقاطعات أبان للأسف عن فشله رغم أن القانون يحاول إعطاءه صفة تقديم خدمات القرب، إلا أن المقاطعة أصبحت في فم المدفع، فالمواطن يأتي بكل مشاكله للمقاطعة حتى ولم كانت ليس من اختصاصها ومنتخبي المقاطعات يجدون أنفسهم محرجين جدا.
ودعا عمر العسري إلى إعطاء صلاحيات إضافية للمقاطعات، مع جعل ميزانية المقاطعة مستقلة، كما أن مسألة التفويض لنواب الرئيس يجب أن ينظمها القانون بوضوح، ولا تبقى خاضعة لرئيس المقاطعة، حتى يتمكن النائب من العمل مع المحاسبة على ذلك طبعا في إطار القانون.
إعطاء صلاحيات للمقاطعة
من جانبها دعت سعاد العمراني عضو المجلس الجماعي عن حزب الاتحاد الدستوري، إلى إعطاء صلاحيات معتبرة للمقاطعات حتى تقوم بأدوار القرب المنوطة بها، على اعتبار أن الوضع الحالي يجعلنا في إحراج كبير مع المواطن.
كما دعت العمراني في تصريح لموقع “لكم”، إلى إعطاء صلاحيات أوسع للمقاطعات بخصوص ملف النظافة على سبيل المثال، ولا يبقى حكرا على الجماعة، معتبرة أن المقاطعة في تماس مباشر مع المواطن على هذا المستوى، وحتى تتمكن من تتبع مدى احترامها لدفتر التحملات، مؤكدا على ضرورة فتح باب التوظيف من اجل سد الخصاص الذي يعد إكراها لوحده، نفس الأمر يتعلق بالإنارة وتطهير السائل والماء والكهرباء وغيرها.
أما على مستوى تصميم التهيئة، تقول المستشارة سعاد العمراني، فالطامة أكبر، متسائلة، كيف يعقل أن حي “الوطية”بقده وقديده يمحوه تصميم التهيئة من الخريطة وهو مزود بالماء والكهرباء وفيه محلات تجارية، أما بالنسبة لأحياء “الخرب” و “الهراريش” و “اعزيب” فهي مناطق تم اضافتها 2009 للمجال الحضري ظلمت كثيرا، وهناك احياء حتى قنوات الصرف الصحي لم تستفد منها، مبرزة أن التصميم لا يطابق الواقع ويحتاج إلى المزيد من النقاش والاستماع إلينا كممثلين للساكنة.
هيمنة السلطة
محمد غيلان الغزواني النائب الأول لعمدة طنجة، كان أكثر وضوحا في تشريحه لواقع الجماعة والمقاطعات بعاصمة البوغاز، فقد اعتبر في لقاء مع موقع “لكم”، أن الإشكال له مستويين ، الأول يتعلق بالأحزاب السياسية التي اعتبرها لم تواكب الاكراهات العالقة بالتدبير بترسانة قانونية ملائمة تكبح هيمنة السلطة على اختصاصات الجماعات الترابية، والتي استفحلت مع الإجراءات المتخذة إبان وباء كورونا واستمرت إلى الآن.
أما المستوى الثانيفيتعلق بضعف الشخصية للفاعل السياسي الذي لا يقوى على تفعيل مجال اختصاصاتها مما يخلق فراغ تملؤه السلطة.
وبخصوص عدم تفاعل مجموعة من مسؤولي الإدارات المتدخلة مع دعوات المجالس المنتخبة، قال غيلان، لا يوجد نص قانوني يلزم حضورهم إلا إذا كانت الدعوة من طرف الوالي ، مشيرا إلى أنه عندما نريد الرفع من وثيرة الاستخلاص بالنسبة للرسوم المحولة أو الباقي استخلاصه، فالوالي هو من يستدعي الخازن ومديرية الضرائب حيث تتكون لجنة للتنفيذ، أيضا يضيف النائب الأول للعمدة، البرنامج الاستثماري لشركة أمانديس الوالي هو الذي يشرف عليه ويخصص اعتماداته حيث يشاء، شركات التدبير المفوض الوالي هو من يلزمهم بتطبيق دفاتر التحملات عبر ممثلة رئيسة اللجنة الدائمة للمراقبة، مبرزا أن الجميع لاحظ ضعف العمدة في بسط آرائه وفي الدعوة لاجتماعات قبلية واستباقية.
وأوضح غيلان، أن مسألة الاشتغال بمنطق المقاولة في تدبير الشأن العام، لا يحق لك القيام بأي تدبير الا بموافقة السلطة، ضاربا المثل بالقطعة الأرضية المتواجدة بمنطقة “بوبانة”، كان بإمكاننا بيعها عن طريق الترخيص لتجزئة عقارية في اسم الجماعة، والقيام ببيع قطع أرضية لفيلات بمبلغ 9000 درهم للمتر عوض بيعها بشكل إجمالي بمبلغ 2550 درهم للمتر كما حدث، متأسفا كون صندوق الجماعة حرم من ما يقارب من مليارين من السنتيماتالإضافية، لأن القرار كان فيه البيع وليس تثمين العقار وبيعه، منتقدا إعطاء شركة “سوماجيك” أثمن عقارات الجماعة بحجية توازن العقد وهذا كله بأوامر السلطة، يختم غيلان.
غياب منطق الدفاع عن الاختصاصات
أما محمد بوزيدان اليدري عضو المجلس الجماعي والكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية طنجة أصيلة، (معارضة) فقد اعتبر في تصريح لموقع “لكم”، أن السيناريو الذي تعيشه المجالس المنتخبة الحالية كان منتظرا في ظل القوانين التي مرت بها انتخابات 8 شتنبر، والتي عرفت قاسمين انتخابيين، الأول اعتمد على عدد المسجلين في الانتخابات التشريعية والثاني اعتمد على عددالمصوتين في الانتخابات الجماعية، إضافة إلى إلغاء العتبة، مما أفرز مجالس يغيب عنها الانسجام، وهو ما يظهر جليا في دورات مجالس طنجة حيث تبادل الاتهامات بين أعضاء المكتب الواحد والحزب الواحد.
وأضاف بوزيدان، أن هذه القوانين أوصلت للمسؤولية أناسا لم يكونوا يحلموا بها، فانعدمت الكفاءة وسيطر هاجس البحث عن المصالح الشخصية والتسابق نحو المغانم غير المشروعة – وأنا هنا لا أعمم – وضَعف حس المبادرة وغاب منطق الدفاع عن الاختصاصات.
فإذا كانت بعض الجهات لم تتفاعل مع تحركات المنتخبين، يقول بوزيدان، وهذا ما ينبغي إدانته لأنه تعطيل للمصلحة العامة، لكن بالمقابل ماذا فعلت هذه المجالس للدفاع عن نفسها، ومنها عدم حضور بعض مسؤولي الإدارات العمومية لدورات المجالس المنتخبة، الأمر الذي لا يمكن وصفه إلا أنه استهتار بالمسؤولية، مبرزا أن الحكومة ومجالس الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات والمقاطعات مشكلة من نفس التحالف الحكومي الثلاثي، فلماذا لا يتم الاستجابة لطلبها؟ وهل فعَّلت وسائل احتجاجها القانونيةللدفاع عن اختصاصاتها؟
ودعا الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية، إلى إعادة النظر في الممارسة السياسية التي لم ترقَ بعد للمستوى المطلوب، مشيرا إلى أن جل الأحزاب لا تمارس أدوارها في التنشئة السياسية لتخريج مناضلين قادرين على تولي المسؤوليات العمومية بنزاهة وكفاءة، بل كل همها هو ضمان المقاعد والأغلبيات، مما يترك مساحات واسعة للمبادرة والفعل الميداني لمؤسسات أخرى تحل محل المنتخبين وهو أمر يضر بالتطور الديموقراطي المأمول.
مؤسسة الوالي تعييق التنزيل الحقيقي للجهوية
من جانبه، حسن الحداد رئيس رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، فقد رآى في حديث مع موقع “لكم”، أن النقاش الذي أثير مؤخرا بطنجة حول اختصاصات المجالس المنتخبة مقارنة بينها وبين مؤسسة الولاة والعمال هو عبارة عن نقاش جديد قديم، مضيفا أن الموضوع سبق و أن طرح و بحدة أكثر من مرة خصوصا أثناء تسيير العدالة و التنمية لمعظم مدن المغرب حيث عرفت تلك الفترة نوعا من الصراع الصامت بين الحزب و بعض مؤسسات الدولة و على رأسها مؤسسة الوالي، و التي تعتبر اليوم من طرف شريحة واسعة من الباحثين على انها مؤسسة بصلاحياتها الواسعة تعييق التنزيل الحقيقي للجهوية، كمفهوم دستوري، وخصوصا منه الفصـل 135 الذي يقول ان الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم لها شخصية معنوية خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية. و تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر..إنتهى الفصل .
كما ينص كذلك الفصـل 136 على التدبير الحر للتنظيم الجهوي و الترابي بصفة عامة. ويبقى الفصل 138 واضحا في منطوقه حيث يقول ان هذه المجالس لها صلاحية تنفيذ مداولاتها ومقرراتها..إنتهى الفصل، مشيرا إلى أنه غالبا ما تكون تلك المقررات هي تنزيلا للبرامج الحزبية التي على ضوئها يتم التعاقد بين الناخب و المنتخب الذي يمكن معاقبته من طرف الناخبين عبر صناديق الاقتراع عكس الولاة و العمال .
و لفت الحداد، إلى أن الفاعل السياسي هو من يتلقى الضربات المباشرة و الانتقادات الحادة في حال فشل السياسيات العمومية، وهو المسؤول الأول عنها في مخيال الناخب المغربي، و الحال هكذا اعتقد أننا اليوم أمام ضرورة ملحة من أجل إعادة النظر في صلاحيات المجالس المنتخبة حيث مع هاته الوضعية أصبح لزاما توسيع هامش الصلاحيات الممنوحة لكل المجالس الترابية وذلك من أجل اجابة حقيقة على سؤال الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية و كذلك كمدخل رئيس لربط المسؤولية السياسية بالمحاسبة حتى يمكننا الحديث عن الديمقراطية الحقة .
وواصل الفاعل الجمعوي حديثه مع موقع “لكم”، و يمكن الجزم بأن مؤسسات الوالي بصيغتها الحالية أصبحت متجاوزة بل متناقضة مع كثير من المبادئ الدستورية السالفة الذكر، إذا لا يعقل ان يظل الوالي او العامل يمارس سلطة الرقابة الإدارية شبه المطلقة علي المجالس الترابية التي تستمد شرعيتها من الدستور كما تستمد كذلك المشروعية من صناديق الاقتراع، مضيفا، وانطلاقا من الشرعية و المشروعية التي يتوفر عليها الفاعل السياسي و المنتخب بصفة عامة أعتقد أن الحاجة ملحة لإعادة توزيع الوظائف بين السلطة المركزية و الجماعات الترابية تنزيلا لروح دستور 2011 الذي نص على مبدأ التدبير الحر الذي سيمنح للجماعات الترابية استقلال حقيقي و حرية أكبر في اتخاذ قراراتها للتعبير عن إرادتها التي هي ارادة الناخب.
من له مصلحة تهميش المنتخب؟
سؤال وجهناه لحسن الحداد باعتباره متتبع عن قرب للشأن المحلي فقال، لا شك أن للمجالس المنتخبة دور محوري في تحقيق التنمية، عبر المساهمة في تطوير المجالات الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والانتقال بها إلى أفضل حال، وبذلك تعمل على تحقيق وتوفير الحاجات المحلية والسعي لمشاركة المواطنين في رسم سياسة المجتمع بإعداد مخططات محلية للتنمية ، و لا يمكنها تحقيق هذا دون تظافر جهود كل القطاعات ، غير أن ما نسجله اليوم هو هناك شبه إجماع على رفض التعامل مع هاته المؤسسات ( المجالس المنتخبة) من طرف قطاعات وزارية مهمة ويبقى التصريح الاخير الذي صرح به رئيس مقاطعة طنجة المدينة الذي قال فيه على أن هناك بعض المؤسسات ترفض التجاوب مع طلب الدعوات التي توجه لها من أجل الحضور لدوارت المقاطعة خير دليل على استمرار تلك النظر الدونية الذي ينظر بها البعض للمؤسسات المنتخبة كأنها قاصرة ولا قدرة لها على المساهمة في التنمية من موقعا كممثل للساكنة .
وأضاف رئيس رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، مما لا شك فيه أن المجالس المنتخبة تواجه عراقيل تحد من تحقيق مخططاتها وتؤثر سلبا على أدائها، مشيرا إلى أن هذه العراقيل تتمثل أساساً في علاقاتها بالسلطة المركزية و التي كما قلت سالفا يجب إعادة النظر فيها، أولا على مستوى القوانين المنظمة و كذلك إعادة النظر في اختصاصات المجالس المنتخبة قصد إعطائها هامش أوسع يتماشى مع دستور 2011.
للمتخصص القانوني رأي
المتخصص القانوني له رأي في هذا النقاش من خلال تواصلنا مع هشام بن السالك الباحث في الشأن المحلي، ففيما يتعلق باختصاصات المجالس المحلية المنتخبة، قال الباحث،قانونيا وجب الاعتراف أن اختصاصات المجالس المنتخبة عرفت تطورا كميا و نوعيا من خلال تعاقب القوانين المنظمة للجماعات ، كما أن دستور 2011 أفرد بابا خاصا بالجماعات و ارتقى بها كشريك رئيسي للدولة و فاعل أساسي في التنمية المحلية ، مشيرا إلى أن خطابات التشكي التي تبرز من حين لآخر على لسان المنتخبين حول محدودية الاختصاصات و تعدد المتدخلين و قيود المراقبة الإدارية ، هي مردودة عليهم و لا مبرر لها غير عدم إلمامهم بالدستور و القوانين التنظيمية و باقي النصوص ذات الصلة ، كما أن معظم المنتخبين غير واعين و لا مستوعبين لطبيعة الدولة بالمغرب التي و ان كانت تعتمد على التنظيم اللامركزي إلا أنها تبقى دولة موحدة و حضور السلطة المركزية يبقى قائما ووازنا على المستوى المحلي ، كما أن ضعف معظم المنتخبين و عدم كفاءتهم السياسية و التدبيرية تدفعهم للتنازل طوعا عن الكثير من اختصاصاتهم و عدم مباشرتها لصالح باقي المتدخلين و على رأسهم سلطات المراقبة الإدارية .
وفي جوابه عن سؤال حول علاقة المجالس المنتخبة محليا بالدولة، قال ابن السالك، كما للجماعات اختصاصات ذاتية خالصة تباشرها بواسطة مواردها و إمكانياتها ، فهناك اختصاصات أخرى منقولة من الدولة أو مشتركة معها منصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات بمستوياتها الثلاث ، و أن هناك آليات لتفعيل هذه الاختصاصات و تنسيقها تحت إشراف مؤسسة الوالي أو العامل باعتباره بحسب الفصل 145 من الدستور هو ممثلا للسلطة المركزية للدولة و يعملون باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون و تنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة و مقرراتها و يمارسون المراقبة الإدارية ، و أنهم يقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح الخارجية للحكومة بما في ذلك علاقتها مع المجالس المنتخبة ، و بالتالي فإن العلاقة بين المجالس المتتخبة و المصالح الخارجية للحكومة بالجماعات مؤطرة بالقانون و تسهر على تنسيقها وزارة الداخلية بالقانون ، و أن أي سوء تدبير لهذه العلاقة قد يعود إما لعدم إلمام نخب المجالس المنتخبة بالمنظومة القانونية أو لتوسع سلطات المراقبة الإدارية في ممارسة اختصاصاتها و مصادرتها لاختصاصات المنتخبين ، مبرزا أن هذا واقع أصبح للأسف مكرس دوافعه أصبحت معلومة و هي أزمة الثقة بين المركز المنتخبين لضعفهم و عدم كفاءتهم من جهة و لتردد السلطة السياسية في المضي قدما في استكمال تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة و ترسيخ الديمقراطية المحلية من جهة أخرى .
حلول مقترحات
على مستوى المقترحات التي من شأنها معالجة هذا الواقع، قال هشام ابن السالك، من خلال متابعتنا لتدبير الشأن المحلي و عمل المجالس المنتخبة خصوصا في مدينة طنجة ، فإنه يتضح بجلاء مدى عمق الأزمة التي تتخبط فيها المجالس المنتخبة في ممارسة اختصاصاتها و استيعاب علاقتها بالمصالح الحكومية و دورها المنوط بها دستوريا و قانونيا، و أن جزء كبير من المنتخبين لا يميزون بين اختصاصات الجماعة و المقاطعة و أن الأخيرة ا تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلالية المادية، و أن هذه الأزمة ليس مردها أساسا للمنظومة القانونية بقدر ما هي أزمة سياسية تتمثل في تعثر المسار الديمقراطي الذي يهدف إلى توسيع اختصاصات المجالس المنتخبة و السمو بدورها، و كذلك تراجع دور الأحزاب السياسية التي تعتبر المزود الرئيسي للمجالس المنتخبة بالنخب المناسبة و المؤهلة لتدبير الشأن المحلي بعيدا عن معايير تقوم على الترضيات العائلية والتزكيات القبلية و تقديم أصحاب المال و ذوو الحظوة على الكفاءات.
وأبرز المتحدث، أنه لا يخفى تدخل سلطات المراقبة في الشأن الحزبي قصد تزكية نخب غير مؤهلة و تعوزها الكفاءة و ذلك ليسهل انقيادها للتعليمات و الأوامر خصوصا في الانتخابات و إبرام الصفقات التي تكرس لنظام الريع و الترضيات على حساب مبادئ الحكامة و سيادة القانون .
وأكد الباحث، على أن التراجع الكبير في أداء المجالس المنتخبة و تردي جودة خدماتها و انتكاسة دورها التنموي و الديمقراطي… يعود بالأساس إلى ضعف النخب التي تعتمر المجالس المنتخبة، و افتقادها لأي تكوين أو رؤية سياسية و تدبيرية و تنموية و أن دورها لا يتعدى تأثيث المشهد و التعاون مع المدبر الرئيسي للشأن المحلي و المتمثل في وزارة الداخلية ، مؤكدا على أنه لا مناص من تغيير هذا الوضع بدون إرادة سياسية للسلطة المركزية نحو تقوية المجالس المنتخبة و تسطير الضمانات الكافية لذلك مع تحصينها بالمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة .