متى نحد من سطوة الشوفينية الكروية ؟
المسابقات الرياضية تلعب دوراً اجتماعياً في توليد مواقف وطنية وشوفينية متعصبة .إنها مصممة لتنظيم شعب يدين بالولاء لجلاديه.-نعوم تشومسكي/ أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي
آراء أخرى
أصل ومعنى الشوفينية
الشوفينية اعتقاد مغال ومتعصب لشيء معين وعنجهية في التعامل مع من خالفك في الرأي، وهي تعبر بالتالي عن نقصان في رزانة العقل والتقليد الأعمى في الخنوع لجماعة فئوية ينتمي إليها المرء والمغالاة في التحيز لها، خصوصا عندما يصحب هذا التفكير الضيق و التحزب المتطرف العمل على الحط من كرامة مجموعات مثيلة و المبالغة في التحامل عليها
و للمصطلح الفلسفي بالإنجليزية في مدلوله الأصلي معنى دقيقا يفيد الوطنية المفرطة، الغيورة والعدائية، والإعجاب الحصري لدى الشخص بوطنه والحمية العمياء للمجد، والاعتقاد المتحمس بأن وطنه أفضل الأوطان وأمته فوق كل الأمم، وينسب اللفظ أيضا إلى جندي فرنسي اسمه “نيقولا شوفان“، كان شديد الغيرة على فرنسا ومتفانياً في القتال في جيش الجمهورية (جيش نابليون) في حروبه دونما التفات أو شك بحصافته، أو مساءلة بجدارة قضيته. فقصد بها الإشارة إلى التفاني الأعمى للجندي المتحمس والمتزمت بعنجهية برأيه بقضية. وقد برزت التسمية وانتشرت بشكل واسع بمسرحية هزلية للإخوان “كوتيارد” اسمها «الشريط ذو الألوان الثلاثة» وفيها دور لجندي شبيه ب“نيقولا شوفان” مؤمن بالوطنية المتطرفة.
ومن ثم ،تمدد المصطلح في الوقت الراهن ليحمل دلالات ترمز إلى الإفراط في التحيز اللاعقلاني للمجموعة التي ينتمي إليها الشخص، وخاصة حينما يصبح هذا التحزب مصحوبا بالحقد والكراهية إزاء المجموعات المنافسة لها كالشوفينية الدينية والشوفينية اللغوية أو اللهجاتية و الشوفينية العرقية والشوفينية الكروية أو الرياضية ..وهلم جرا
وهو في الأصل أيضا مصطلح فلسفي و سياسي فرنسي كان يرمز إلى التعصب الوطني الموغل في التطرف، وتطور معناه للدلالة على التعصب الأعمى للانتماء القومي والعداء للأجانب، كما استعمل المصطلح آنذاك لوصم الأفكار الفاشية والنازية في أوروبا
مناسبة هذا الحديث،ما وقع قبل وبعد مباراة آخر ديربي لفريقي العاصمة الاقتصادية الكبيرين،الوداد الرياضي والرجاء الرياضي وما يقع كلما التقى الجمعان من مشاحنات وقذف وتجريح وسباب بين بعض الفئات من جماهيرهما وقد امتدت فيما سبق إلى مشاجرات عنيفة و قتل أحيانا للأنفس البريئة بسوء نية أو بدونها دونما الحديث عن تخريب لممتلكات الدولة والمواطن، وهو ما يفسر غياب الروح المعنوية الجماعية عند بعض الفئات الجماهيرية وارتفاع منسوب الشوفينية الكروية لديها بالإضافة إلى عوامل وخلفيات سوسيو–اقتصادية وسياسية وتربوية وثقافية
فقد تناسلت منذ فترة من الزمن بين جماهير هذين الفريقين العظيمين،جملة من الألقاب المكرورة المتنابز بها بينهم من قبيل “بوحمرون و القرودا و الجراد و القطيع” مع ما تحمله أحيانا حركات اليدين والجسم من حمولات جنسية من قبل البعض تجاه البعض الآخر،وهو ما يعكر صفو الأجواء الحماسية قبل المباراة،أثناءها أو بعد انتهائها،وقد يؤدي كل ذلك بالتالي إلى زيادة معدلات الحقد والضغينة والتحامل المبيت و المقيت بين هذين الجمهورين الكبيرين
صور مفبركة وشعارات ملغومة
ثم إن تداول صور مفبركة على نطاق واسع بين مشجعي الناديين ومقاطع غنائية وشعارات ملغومة وفيديوهات وصفحات موغلة في التعصب الأعمى من قبل بعض جماهير الفريقين و مليئة بالسباب والأنانية وتضخم الذات و الكذب والبهتان أحيانا والحط من شأن الفريق المنافس و من كرامة أنصاره وحتى مسيريه ولاعبيه وألقابه،كل ذلك أو بعضه لا يقود إلا لإشعال نار الفتنة ملعون من أيقظها
وعليه،ينبغي أن نعترف هنا بأن المقاربة الأمنية لن تكون أبدا عصا سحرية لوقف ما تخلفه مثل هذه المشاحنات بين الجماهير من كوارث نفسية ومادية على كلا الفريقين وعلى المجتمع بصفة عامة،ولا يغيب عن أذهاننا أيضا ما يقع بين جماهير الأندية الأخرى،وإنما أتبنا بفريقي الرجاء والوداد كنموذج فقط للتعبير عن هذه الحالة غير السوية لبعض جماهير أندية كرة القدم الوطنية،بل إنه الشجرة التي تخفي غابة من الفعل ورد الفعل
فإذا تضافرت جهود الدولة وجمعيات المجتمع المدني بالأحياء التي يقيم بها أنصار الفرق وألويتهم النصيرة من زعماء الألتراس وقدماء اللاعبين وجددهم ونجومهم وقادة الرأي بينهم وحكماؤهم،وكل من له غيرة وخبرة في تدبير وحل الأزمات،إذ ذاك،يمكننا أن نحد قليلا من أحداث الشغب العنيفة أو الدامية مع التأكيد على دور وسائل الاتصال الجماهيري كالراديو والتلفزيون ووسائط التواصل الاجتماعي في توعية جماهير الكرة والتحسيس بخطورة ووضاعة الألفاظ النابية
والأفعال المرتكبة في حق النفس و الغير وأثرها السلبي على الوالدين والأبناء والأسرة والمجتمع ككل
تفسير البغوي لآية سورة الحجرات / إسلام ويب
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون/ 11
وقوله – عز وجل – : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم ) الآية ، قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته [ ركعة من صلاة [ ص: 343 ] الفجر ] ، فلما انصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم ، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد ، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا يجلس فيه قام قائما كما هو ، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتخطى رقاب الناس ، ويقول : تفسحوا تفسحوا ، فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبينه وبينه رجل ، فقال له : تفسح ، فقال الرجل : قد أصبت مجلسا فاجلس ، فجلس ثابت خلفه مغضبا ، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل ، فقال : من هذا ؟ قال أنا فلان ، فقال ثابت : ابن فلانة ، وذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه واستحيا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية
وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم ، كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ) أي رجال من رجال . و ” القوم ” : اسم يجمع الرجال والنساء ، وقد يختص بجمع الرجال ( عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن )
روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين عيرن أم سلمة بالقصر
وعن عكرمة عن ابن عباس : أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ، قال لها النساء : يهودية بنت يهوديين . ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي لا يعب بعضكم بعضا ، ولا يطعن بعضكم على بعض ( ولا تنابزوا بالألقاب ) التنابز : التفاعل من النبز ، وهو اللقب ، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به
قال عكرمة : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق يا منافق يا كافر
وقال الحسن : كان اليهودي والنصراني يسلم ، فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني ، فنهوا عن ذلك . [ ص: 344
قال عطاء : هو أن تقول لأخيك : يا كلب يا حمار يا خنزير
وروي عن ابن عباس قال : ” التنابز بالألقاب ” : أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله
( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) . أي بئس الاسم أن يقول : يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب ، وقيل معناه : إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق ، وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق ( ومن لم يتب ) من ذلك ( فأولئك هم الظالمون )
مقطع من ملخص كتاب “سيكولوجية الجماهير“
كيف تفكر الجماهير والشعوب؟ وكيف تتصرف؟
للمؤرخ و الطبيب والمستشرق الفرنسي / غوستاف لوبون
إن كلمة (جمهور ) تعني في معناها العادي تجمّعًا لمجموعة من الأفراد، أيًّا كانت هويتهم، ولكن من وجهة النظر النفسية؛ ففي بعض الظروف المعينة يمكن لِتَكَتُّل من البشر أن يمتلك خصائص جديدة تختلف عن خصائص كل فرد يشكله، عندئذٍ تتشكل روح جماعية، عابرة ومؤقتة وهو ما سأدعوه (الجمهور المنظم، أو الجمهور النفسي )، ويصبح خاضعًا لقانون (الوحدة العقلية للجماهير )
ومن الخصائص النفسية للجماهير: تلاشِي الشخصية الواعية، وهَيْمَنَة الشخصية اللاواعية، وتَوَجُّه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار، والـمَيْل لتحويل الأفكار المـُحرَّض عليها إلى فعل وممارسة مباشرة. وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه، وإنما يصبح إنسانًا آليًّا ما عادت إرادته بقادرة على أن تقوده
إن الجمهور هو أدنى مرتبة من الإنسان المُفْرَد فيما يخص الناحية العقلية والفكرية، ولكن يمكن لهذا الجمهور أن يسير نحو الأفضل، وهذا يعتمد على الطريقة التي يتم تحريضه بها، صحيح أنها بطولات لا واعية إلى حد ما، ولكن التاريخ لا يُصنع إلا من قِبَل بطولات كهذه
إن الجماهير تشبه الأوراق التي يلعب بها الإعصار ويُبَعْثرها في كل اتجاه، وهذه الصفة تجعل من الصعب حُكمها، ولولا ضرورات الحياة اليومية والتي تُشكّل نوعًا من الميزان الناظم غير المرئي للأحداث لما استطاعت الأنظمة الديمقراطية أن تستمر، وفي كل الخصائص النفسية للجماهير يتدخل (العِرْق )؛ فهناك فارق بين الجمهور اللاتيني والجمهور الأنجلوساكسوني؛ فالجماهير أُنثوية في كل مكان، ولكن أكثرها أُنثوية هي الجماهير اللاتينية
إن الجمهور غير قادر على الاحتكام للعقل ومحروم من كل روح نَقْديّة؛ ولذلك فإنَّه يُبدِي سرعة تصديق منقطعة النظير، وكذلك قدرة هائلة على التضخيم والتشويه، وينتج عن ذلك أنه ينبغي أن نعتبر كُتُب التاريخ بمثابة كُتُب الخيال الصِّرْف؛ فهي عبارة عن حكايات وهْميَّة عن وقائع لُوحِظت بشكل رديء، كما أنها مصحوبة بتأويلات شُكِّلت فيما بعد
إن الجماهير لا يمكن تحريكها والتأثير عليها إلا بواسطة العواطف المتطرّفة والشعارات العنيفة، وكذلك التكرار دون إثبات أي شيء عن طريق المُحاجّة العقلانية، والجماهير لا تعرف إلا العواطف البسيطة والمتطرفة؛ فالاستبداد والتعصب يشكِّلان بالنسبة للجماهير عواطف واضحة جدًا وهي تحتملها بنفس السهولة التي تمارسها، وبما أن الجماهير مستعدة دائمًا للتمرد على السلطة الضعيفة فإنها لا تحني رأسها بخضوع إلا للسلطة القوية، وإن كانت هيبة السلطة متقطّعة فإنها تعود إلى طباعها المتطرّفة، وتنتقل من الفوضى إلى العبودية، ومن العبودية إلى الفوضى
إن الاعتقاد بهيمنة الغرائز الثورية على الجماهير يعني الجهل بِنَفسيّتها؛ فانفجارات الانتفاضة والتدمير التي تحصل من حين لحين ليست إلا ظواهر عابرة؛ فإذا ما تُركت لنفسها فإنها تملّ من الفوضى وتتجه بالغريزة نحو العبودية، صحيح أن الجماهير تقوم بثورات لتغيير أسماء مؤسساتها، ولكنها – في الوقت ذاته – تشعر باحترام تجاه هذه المؤسسات ومضمونها؛ فتجدها تعود إليها في نهاية المطاف. والتأثير على الفرد الـمُنخَرِط في الجمهور يتم بالتركيز على عواطف المجد والشرف والدين والوطن..إلخ
من أقوال الفيلسوف نعوم تشومسكي الحكيمة
إجعل الرداءة تعمّ حتى تصبح عاديّة ثمّ مستساغة ثم مطلوبة
شتت اهتمام العامة عن المشاكل الحقيقية واجعلهم يهتمون بمواضيع تافهة، اجعل الشعب منشغلا منشغلا منشغلا دون أن يكون له أي وقت للتفكير
إن استثارة الانفعال العاطفي بدلاً من التفكير هي طريقة تقليدية تستخدم لتعطيل التحليل المنطقي، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص .. كما أن استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور للاوعي حتى يتم زرع أفكار به، ورغبات، ومخاوف، ونزعات أو سلوكيات
إذا لم نكن نؤمن بحرية التعبير لمن نحتقرهم فنحن لا نؤمن بها على الإطلاق