طبول الحرب في الشرق مجرد مناورات وتنافس القوى
لا نعرف مدى قدرة إيران في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وقوتها العسكرية المرابطة في الشرق الأوسط من مدة طويلة لأجل حماية مصالحها الإستراتيجية .ولا نعرف قوة الإرادة الأمريكية للدخول في حرب مباشرة مع إيران . ونعرف بالتمام أن الخاسر الأكبر من الحرب شعوب المنطقة .التي لا تستطيع تحمل حروبا أخرى غير ما تعانيه اليوم من تصدع وانشقاق في السياسة وتكريس العداء التاريخي الذي اعتقدنا نهايته للأبد من الحرب العراقية الإيرانية . وحرب الخليج الأولى والثانية .عندما تيقن الكل حاجة الدول في احترام حسن الجوار وتذويب الصراعات المذهبية . ومنع تغلغل الطائفية في السياسة . في الفصل بين المكون الاجتماعي والعامل السياسي . أمريكا في نزعتها البرغماتية الميالة للتحكم .والاحتكام لمنطق القوة والاندفاع تعتبر أن صبرها نفذ في حق سلوك إيران في الخليج لما تقدمه من دعم للجماعات المناهضة للغرب ولإسرائيل . حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين . وجماعة الحوثي في اليمن والنظام السوري . وتشكل العداء السافر للدول الخليجية .وتهدد العالم ببرنامجها النووي . ولا يمكن الثقة بالنظام الإيراني ونواياه العدائية في رغبة إيران تصدير الثورة الخمينية. وتكريس ولاية الفقيه .والهيمنة على دول المنطقة بفعل قوة ذراعها العسكري . فيلق القدس .إيران في خطابها السياسي تلوح في كل مرة للانسحاب من المفاوضات التي اعتبرها علي خامنئي سلم قاتل . في إرغامها على تنفيذ مطالب تعجيزية تنزع عن الدول السيادة وتجردها من القوة في التفاوض . فالشركاء الأوروبيون يدركون أن حلحلة الصراع ومعالجة الأزمة سيولد لا محالة الثقة بين إيران والغرب ويؤدي للمرونة والليونة إلى تغيير سلوك إيران اتجاه جيرانها والعالم . الحرب الكلامية والملاسنات بين النخب السياسية الأمريكية والإيرانية مناورات سياسية تهدأ بمجرد تخفيض حدة الكلام والتوتر . تهدئة الأوضاع في دخول أطراف على الخط . في جدارة الدبلوماسية الفرنسية والبريطانية . وقراءة عواقب الصراع الذي ينسف جهود السلام في المنطقة . مناورات سياسية وصراع القوى والإرادات في الإلزام والإرغام من أجل مكانة أمريكا وهيبتها في العالم . خطوط الصراع على المصالح والنفوذ . وتنافر في وجهات النظر على الملفات العالقة في سوريا واليمن والعراق . فالطرف الإيراني في خطاب الهيئات العليا .في رؤى الاصطلاحيين والمحافظين . تبقى المفاوضات السياسية ذكاء ينم عن معرفة مدى صلابة إيران في التمسك بكل الخيارات المتاحة .وفي قدرتها على الاستعداد والمناورة. جس النبض في مجابهة المشروع الأمريكي الذي يهدف إلى حماية إسرائيل . وتقسيم الدول إلى كيانات متنافرة . والعودة بإيران إلى حدودها الجغرافية الطبيعية بعيدا عن الأحلام القديمة في عودة الإمبراطورية الفارسية بمنطق ديني جديد أو هكذا يقرأ الخطاب الآخر أبعاد الصراع في الشرق. المفكر الكويتي عبد الله لنفيسي في تأملاته للشأن الإيراني وطموحاتها في المنطقة يحذر من خطرها ورغبتها في ابتلاع دول المنطقة. طموح قديم في ثوب جديد . ولا يحلل النفيسي الوضع الحالي إلا بناء على معرفة دقيقة بالذهنية الإيرانية. وأبحاثه الميدانية وقراءة ما وراء الأحداث للواقع العربي . يوازيه تخبط وقلة الحيلة إزاء تدبير الأزمات وفك عقدة الصراعات الداخلية الخليجية . فالطموح الإيراني يعني الريادة والهيمنة حسب النفيسي . في المقابل يأتي النفي الدائم من قبل القوى المتعددة في المشهد السياسي الإيراني .من المرشد الأعلى إلى الرئيس. ثم المجالس التي تدير شؤون الدولة أن إيران ملتزمة بالسلام وتعزيز أمن المنطقة بكل ما يخدم المصالح الحيوية . ويبعد إسرائيل الكيان الغاصب لفلسطين واصل الدسائس الكبرى في إشعال الحروب والفتن . فالحرب لن تقع بدليل أن العداء المتزايد بين إيران وأمريكا من قضية الرهائن ومن الحرب اللبنانية ينتهي للتهدئة . وإذا عرفت الحروب استراحة الجندي أو التفاوض وفق التقاء مصالح في بؤر معينة فان القضية هنا ظرفية وعابرة. ويبقى دوام العداء السياسي والتاريخي قائما بين الطرفين .
آراء أخرى
الالتزام مبني وفق إستراتيجية الربح للكل. والكف عن سياسة العداء .في خطاب إيران السياسي. اسرائبل دولة محتلة . والتطبيع معها من باب المستحيل . ولا خيار في التعامل معها كواقع محتل إلا بالانتصار ودعم خط المقاومة .وأحيانا القول بإزالتها من الوجود . في تحرير الأرض والإنسان من دون تنازلات . هذا الموقف الثابت يجر الكثير من الانتقادات والسخط من قبل القوى العالمية في الدفاع عن إسرائيل من منطق الحق في العيش وتأمين الحق المشروع في الوجود . لن تقع الحرب في العالم الواقعي إذا استعرنا المعنى من الفيلسوف الفرنسي جان بوديريار عن الحرب الحقيقية في الإعلام المرئي .عند الحديث عن حرب الخليج الأولى التي وقعت وكانت المصادر الوحيدة للخبر من القنوات الإعلامية الكبرى . حرب الاستخبارات . والحرب النفسية والتضليل الإعلامي. كانت السمة الغالبة في الحرب. وكانت نتائجها معروفة ومحسومة في خروج العراق من الكويت. وفرض الحصار الاقتصادي وسياسة النفط مقابل الغذاء على العراق . فلما انتهت الحرب بنتائجها ظلت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في اجتثاث النظام العراقي حتى استكمل حورج بوش الابن وصية الأب في اجتياح العراقي وكانت الحرب كذلك منقولة من قنوات عربية وأجنبية . لعبت تلك القنوات دورا في نهايتها بالتضليل والتقليل في نقل الحقائق من الميدان . إما نتيجة للرقابة والمنع أو نتيجة للتواطؤ . في الحرب أطراف مباشرة قدمت مساعدات وأخرى قدمت الدعم فكانت النهاية قاسية في نهاية رموز النظام العراقي . وتمزق العراق الذي كان صمام الأمان للمنطقة في الحرب العراقية الإيرانية. ومنع المد الشيعي في الدول العربية . وقفت مع صدام كل الدول العربية باستثناء النظام السوري . لعبة الكبار تحالفات مرحلية ومصالح متقاطعة رغم الاختلاف الثقافي والإيديولوجي في الرؤى والأهداف . يبقى الصراع واردا في الشرق . أمريكا مصممة في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران . وإرغامها في الاستجابة للشروط الموضوعة في تطبيع العلاقات .من الكف في سياسة العداء لإسرائيل والدول الخليجية .والكف عن دعم الجماعات المسلحة بدعوى المقاومة .وللعودة للحدود الجغرافية .ففي المشهد السياسي لا تبدو الحرب وشيكة. فقط حرب البلاغات والكلام في الإعلام. مجرد زوبعة أو مناورات .وضغوط نفسية واقتصادية في سبيل البحث عن حلول عملية تحفظ مصالح الطرفين . فالاندفاع والتنافس في الشرق الأوسط وتصريحات الأطراف في لغة التهديد والوعيد . وفي لغة المجابهة والاستعداد . تصبح البوارج الحربية الأمريكية في مرمى نيران السلاح الإيراني . وتصبح المصالح والأهداف الأمريكية واضحة في ضرب القدرات الدفاعية وخلخلة التماسك بين القيادة والقاعدة في المجتمع الإيراني .ولن تكون الحرب بأسلحة تقليدية إذا وقعت . حرب في اختبار أنواع أخرى من الأسلحة المحرمة والممنوعة دوليا .في ميكيافلية واضحة الغاية تبرر الوسيلة . ولن تهدأ إيران لذلك خصوصا أنها تهدد بإغلاق مضيق هرمز. ومنع حركة الملاحة البحرية .والتهديد بحرق آبار النفط . واكتساح الدول العربية وإثارة النزعات المذهبية . يبدأ الصراع بالحصار وفك الارتباط بين الدول ذات الشراكة القوية مع إيران في التبادل التجاري .وحاجة تلك الدول للنفط كالصين وكوريا الجنوبية وتركيا . ومن جهة أخرى تلعب إيران أوراقها الواضحة في القول أنها مستهدفة في مشروعها التنموي وحقها في امتلاك التقنية النووية لإغراض سلمية . في هذا السياق لا يمكن لأي قوة خارجية أن ترغم إيران في العدول عن رغبتها في التنمية . في تبديد المخاوف دخلت إيران في اتفاقيات سلمية مع أوروبا والتزمت كما يقول الخطاب الرسمي الإيراني بكل البنود . وبقيت الشكوك عالقة من جهة الأطراف الأخرى خصوصا الولايات المتحدة . وظل الخطاب السياسي يراوح ذاته بين التهدئة والتصعيد في اللهجة الكلامية . ودخول أطراف أخرى على الخط في إنعاش الدبلوماسية. وإزالة كل مؤشرات الصراع العسكري .
العرب ليسوا في حاجة للحرب . والعدو القديم الذي لاحت في سياسته الأطماع التاريخية والرغبة في السيطرة على الخليج فكرة قائمة في الخطاب السياسي الرسمي وفي المخيال الشعبي للمجتمعات العربية . في قراءة للمشهد السياسي والحروب المتتالية في دول كاليمن والعراق وسوريا حضور إيران واقعي. وسيطرة إيران على الجزر الإماراتية . وتأجيج الطائفية والمذهبية في البحرين عوامل مساهمة في التوجس المستمر. وصعوبة بناء الثقة بين الطرفين . ويميل الخطاب المشكك في الحرب القادمة بين إيران وأمريكا أن المسألة مجرد مناورات ولعبة الكبار لاستنزاف الطاقات العربية وهدر الأموال على الحماية المزيفة لأمن الخليج . وان التدافع بينهما ينتهي للمصلحة المشتركة . جعجعة الحروب والتهويل من الخطر الإيراني وتكرار المخاوف وإنتاج الخطاب المعادي من كل الأطراف يزيد الاحتقان وعدم الثقة وينسف مبدأ التعايش. فمن الصعب تحمل تكاليف الحرب وتبعاتها على الخليج والعالم في استفحال أزمات اقتصادية جديدة تزيد في تراجع النمو الاقتصادي العالمي . ومن الممكن أن يرتفع سعر البرميل في العالم . وتختلط الأوراق ويعود المكبوت التاريخي من جديد في الطائفية والمذهبية التي تنادي بالولاء لإيران أكثر من الولاء للأوطان .
لا تحمل الحرب منافع قصوى للكل . والضربة العسكرية تزيد في تفاقم المشاكل . وشرارة الحرب تولد الأحقاد وصراع الوجود .والعودة للماضي البعيد في تلك الحروب السابقة بين الروم والفرس. فالتصعيد في الخطاب السياسي لا يعني بالضرورة الانجرار للحرب الشاملة .الشعب الأمريكي لا يرغب في خوض حروب جديدة . والأجنحة الميالة للحل العسكري في البيت الأبيض لها أهداف وغايات من التصعيد حتى تنعم إسرائيل بالأمن والسلام . أو على الأقل من الأسباب الدافعة لإشعال الحرب واحتواء إيران اقتصاديا وعسكريا باعتبارها دولة مارقة . وحتى تعود إيران إلى حدودها وتصبح مقبولة إقليميا ودوليا من خلال نهجها الذي لا يعادي أحدا .
فالحرب لن تقع لأنها باهضة الثمن . ولن تصبح حربا عالميا ثالثة لان الحروب الحالية استباقية وسريعة وخاطفة . حروب اقتصادية وإعلامية. تثير موجة من القلق للآخر. وتخلق أجواء من القلاقل والاضطرابات داخل البلد . ليست الحرب في مصلحة إيران أو الدول العربية وأمريكا . فعندما تبدأ الحرب المشتعلة يكون التمويل مضاعفا والاستقطاب متنوعا والاستنزاف هائلا . وخسائر بشرية ومادية لا تحصى. هكذا رأى العالم بداية النهاية للصراع الكلامي والزيادة في التجارب النووية وإغلاق المنافذ أمام الانفتاح بين كوريا الشمالية والعالم الخارجي . في الأخير نجحت الدبلوماسية والحصار الاقتصادي منذ سنوات . والتجربة الرائدة لكوريا الجنوبية في الانتقال الديمقراطي والتنمية الاقتصادية أن تدعن الجارة الشمالية لصوت العقل والحكمة . وتتجه صوب المفاوضات والتنازل . وكان اللقاء التاريخي بين ترامب وكيم جونغ فرصة للمصالحة . فالعقلاء في الشرق على قناعة من نتائج الحرب . في عالم يتسع للكل . لا حاجة لإيران في العودة لأمجاد الفرس. وتصدير الثورة نحو شعوب لها اختيارات وثقافة . ولا بديل للدول العربية عن الحوار وسلام الأقوياء في وحدة متماسكة بدون عودة المكبوت في قومية استئصالية ونزعة استعلائية للجار الجغرافي والتاريخي . من منطق المصلحة والعلاقات التاريخية وما هو مشترك بين الشعوب العربية وإيران . ومن قوة أمريكا. عدم إشعال الحروب والفتن. وترك المجال للدبلوماسية الغربية للبحث عن البدائل القانونية في إلزام إيران على احترام العهود وإلزام أمريكا باحترام القانون الدولي .