نشرت صحيفة “الواشنطن بوست” روبرتاجا يحمل العديد من الشهادات الإنسانية لقصص تراجيدية لضحايا زلزال الحوز وما تبقى من أسرهم على قيد الحياة، من قرية “تنيسكت”  بجماعة إمكدال بإقليم الحوز.

وفيما يلي نص الروبورتاج:

تنيسكت، كانت الحياة في هذه القرية الواقعة في جبال الأطلس بالمغرب بسيطة وهادئة، بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة. الأسر تعيش لأجيال في مجموعة صغيرة من المنازل محاطة بأشجار الزيتون والجوز، مما كان يدر ثلث دخل القرية، أما الباقي فكان من أموال الأبناء والبنات الذين نشأوا وانتقلوا إلى المدن.

في هذه القرية يتم قياس الوقت بدورة الحصاد والأسواق الأسبوعية، بالولادات والزواج والوفيات.خلال عطلة عيد الأضحى، كان الأطفال يسبحون في بركة خرسانية مملوءة بالمياه المنقولة عبر الأنابيب من نبع جبلي.

لكن عندما هز زلزال بقوة 6.8 درجة على مقياس ريشتر المنطقة في 8 شتنبر الجاري، تم تدمير تينيسكت في غضون ثوان.

مات أكثر من 50 من سكان القرية البالغ عددهم 330 نسمة، ولم يكن هناك وقت لغسلهم ودفنهم على الطريقة المحلية، الجميع يعرف كل القتلى.

لم يعد أمام الناجين سوى دعم بعضهم البعض، لقد أمضوا الأسبوع الماضي في خيام زرقاء قدمتها الحكومة.

في صباح أحد أيام الزلزال الصعبة، قامت النساء بغرف عصيدة الحليب من الأواني المشتركة لتناول الإفطار، أما الرجال فيوزعون أجزاء متساوية من البضائع المتبرع بها لكل أسرة، الأولاد يلعبون كرة القدم في التراب، والأطفال الصغار يجلسون في أحضان البالغين.

قصة زهرة أيت تاغاديرت 

وصلت زهرة آيت تاغاديرت إلى القرية قبل خمس سنوات، لتتزوج من رجل يبلغ ضعف عمرها، كانت في البداية وحيدة ولكن عندما أنجبت فرح بعد عام، كان لديها رفيق دائم، وكوّنت بعض الصداقات والمعارف.

بعدها رزقت بيوسف بعد عامين ونصف، قالت وهي تنظر إلى يديها الملطختين بالحناء التي ساعدتها ابنتها في طلائهما: “كان الأطفال جميلين ولطيفين للغاية، وكان الجميع في القرية يحبونهم”.

فرح ذات الأربع سنوات، كانت تحب ركوب الدراجة الهوائية التي أهدتها لها أختها غير الشقيقة، أما يوسف الذي لم يبلغ الثانية من عمره بعد، كان يحب اللعب في الوحل.

بالنسبة لزهرة يوم الثامن من شتنبر كان يوم جمعة مثل أي يوم جمعة آخر، استيقظت الأسرة مبكرًا، ورافق الأطفال والدهم لجمع العشب من حقلهم، ليتم تجفيفه لفصل الشتاء لإطعام الحيوانات.

وبينما كان زوجها يذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، أعدت زهرة الكسكس لتناول طعام الغداء، غسَّلت فرح وأرسلتها إلى المدرسة لتتعلم القرآن. أما في المساء، فقد وضعت الأطفال في الفراش، في وقت أبكر من المعتاد، نهضت لتذهب إلى المرحاض، وعندما خرجت، بدأ الزلزال.

انهار طابقان من المنزل على الأرض، أغمي على زهرة وعندما استعادت وعيها سمعت زوجها يناديها، أخرجه الجيران حياً، لكن الأطفال ماتوا.

قالت زهرة عن القرية: “إذا أتيحت لي الفرصة للذهاب، فسوف أغادرها بدون شك، لم يعد لدي ما أبقى من أجله بعد الآن.”

حسن آيت لماشي.. رجل غارق في الحزن

كان حسن آيت لماشي معروفًا بأنه أب لخمسة أطفال ويعمل في مجال البناء المحلي، يُعرف الآن بالرجل الغارق في الحزن.

كان يعيش مع زوجته فاطمة نصفه الآخر منذ 25 عامًا، وابنته الصغيرة سلمى ذات التسعة أعوام، التي كان يعشقها هو والقرية بأكملها. تزوجت بناته الثلاث الكبرى وابتعدن عن القرية.

كان حسن وسلمى يشاهدان فيلم “توم وجيري” في ليلة الزلزال، وبعد فترة تعبت سلمى، زحفت نحو السرير مع والدتها في الغرفة المجاورة، وبعد خمس دقائق، بدأ الاهتزاز العنيف، انهار المنزل من حولهم.

أصيب حسن بجروح في يده وكدمات في ساقه، لكنه تمكن من النجاة، وعلم على الفور أن زوجته وابنته ماتا، فيما تمكن هو من إنقاذ أربعة من جيرانه.

عثرت خدمة الحماية المدنية المغربية، التي وصلت إلى تينسكت في اليوم التالي، على الجثث، وكانت فاطمة وسلمى متعانقتان.

وبعد أربعة أيام، عندما أظهر ابن أخيه لمراسل صحيفة واشنطن بوست صورة سلمى، وهي تبتسم بعينين بنيتين كبيرتين، وشعرها مجموع على شكل كعكتين، تجعد وجه حسن وأمسك برأسه.

جيرانه يقولون عنه إنه يتجول في القرية طوال الأسبوع وذراعاه في الهواء ويصرخ باسم ابنته.

فاطنة..لا أمل في البقاء

أما فاطنة فقد تسبب الزلزال في انهيار الطابق العلوي لمنزلها، تقول : “الحمد لله”، وهي تشير إلى السماء، في حركة شائعة في تينيسكت، حيث وصف الكثيرون الزلزال بأنه مشيئة إلهية.

تزوجت فاطنة من القرية منذ عقود، وكان ابن زوجها من زواج سابق يعيش معها، أما زوجها فق توفي منذ 20 عامًا ودُفن في مقبرة القرية، وأولادها هجروا المنزل.

لم يبق في المنزل سوى ابن زوجها، الذي كان في الأربعينيات من عمره، والذي يحمل إعاقة، لقد توفي في الزلزال، أما هي فتم إنقاذها من قبل أحد الجيران.

كانت عائلتهم من أفقر الأسر في القرية، يرسل أبناؤها الأموال من الدار البيضاء، لكنها لم تكن كافية على الإطلاق. والأم كانت تتسول أحيانًا في أسواق البلدات الكبرى على طول الطريق.

اعتمدت فاطنة على حيواناتها التي نجت جميعها: حمار مربوط بشجرة؛ بقرة حمراء تمضغ العشب، وعجلها نائم في ظل شجرة زيتون.

قالت فاطمة: “كنا نعيش على ما أعطانا الله”.

وأضافت بالأمازيغية، وهي اللغة التي يتحدث بها معظم القرويين: “لقد فقدت ثلاثة من معارفي المقربين، الأمر الذي أثر علي كثيراً”.

تأمل فاطنة البقاء في القرية ولكن ليس لديها مصلحة في إعادة بناء منزلها  “لقد فقد المنزل روحه” على حد تعبيرها.

موسم حداد 

بالنسبة للأختين مريم ونجاة آيت بوجانعة، القرية تعيش موسم حداد.

قالت مريم إنه عندما توفي والدهم بسبب المرض قبل 40 يومًا من وقوع الزلزال، التفت القرية بأكملها حول والدتهم، سعيدة، والأشقاء الثلاثة، بمن فيهم جمال البالغ من العمر 10 سنوات، كان الجيران ينظفون منزل الأسرة ويطهون لهم الطعام ويغسلون الأطباق.

وبحلول بداية شتنبر كانت مريم قد عادت إلى الجامعة في مراكش، حيث تدرس الاقتصاد، إلى أن وقعت الفاجعة، ففي ليلة الثامن من شتنبر تلقت رسالة صوتية يائسة من أختها، قالت فيها “مريم أنقذيني لقد انهار المنزل علينا”.

تمكن شقيقها جمال من الخروج والهرب طلباً للمساعدة، أما شقيقاتها فقد تم انتشالهم من تحت الأنقاض.

أمضت مريم الأيام التالية للزلزال وهي تحاول بشكل محموم الوصول إلى القرية، حيث كانت الطرق مغلقة، لكنها جاءت على وقع الدمار التام. قُتل بعض أصدقائها السابقين في الدراسة، بالإضافة إلى الجيران.

وقالت: “أرى أطفالهم اليتامى حولي، ولا أستطيع حبس دموعي”.

لم تكن مريم متأكدة من أن القرية ستنجوا، قبل ذلك غادر العديد من أبناء جيلها بالفعل للبحث عن عمل في المدن الكبرى؛ ومن المرجح الآن أن يتبعهم آخرون.

تردد بحزن “آمل أن يقرر الناس البقاء في القرية حتى تبقى ذكرى من ماتوا حية”.

أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس، الخميس، عن حزمة من الإجراءات لمساعدة الناس على إعادة بناء منازلهم، أما القرويون في تينيسكت الذين اعتادوا الاعتماد على بعضهم البعض فلم يكونوا ينتظرون، قامت إحدى الجمعيات المحلية بتثبيت مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية على أعمدة خشبية لإضاءة الطريق المركزي، وشباب آخرون يجمعون البلاستيك ليصنعوا دوشا.

يقول  الحسين وهو من سكان القرية إن بناء كل شيء من جديد مهمة شاقة، ولكن هذا هو خيارهم الوحيد.