برحيل ميلود الشعبي يفقد المغرب واحدا من رجال الأعمال العصاميين الذين كونوا ثروتهم بعرق جبينهم، كما يقال، لكنه يفقد أيضا في الشعبي رجل الأعمال النزيه والشجاع، الذي واجه السلطة بشجاعة ولم يتنازل عن قناعاته من أجل رفع رصيد أرباحه.

لقد كان الشعبي، إضافة إلى كريم التازي وعبد الرحيم الحجوجي، من بين رجال الأعمال المغاربة القلائل الشجعان. فعادة يقال إن “رأس المال جبان”، ويساق هذا المثل عندما يتعلق بالاستثمار، فما بالك إذا تعلق الأمر بالمواقف السياسية، وهؤلاء الثلاثة كانت ومازال، لمن بقي منهم على قيد الحياة، مواقف سياسية تجعلهم في مصاف من يمكن وصفهم بالشجعان.

وكما يعرف كثيرون فمن الصعب أن تكون رجل أعمال ناجح في المغرب بدون حماية أو رعاية من السلطة تمنحها بالمقابل. أما أن تكون رجل أعمال ناجح وصاحب موقف سياسي مستقل فهذه خصلة ناذرا ما اجتمعت في رجال أعمال في المغرب باستثناء هؤلاء الثلاثة، حسب علمي.

وبما أن المناسبة شرط، كما يقال، سأتحدث هنا عن الراحل ميلود الشعبي، الذي أتيحت لي فرصة التعرف عليه مرة واحدة تركت لدي الانطباع الذي انطلقت منه للحكم على شجاعته.

حدث ذلك عام 2010 عندما تلقيت اتصالا من الرجل، رغم أنه لم تكن بيننا سابق معرفة. كان الهدف من ذلك الاتصال دعوته لي للقاء به، وعندما توجهت إلى فيلته في زنقة الأميرات بحي السويسي في الرباط، وجدته ينتظرني في الموعد المحدد، وبدون مقدمات اقترح علي أن أرأس تحرير أسبوعية “الأسبوع الصحفي”.

وفي تفاصيل عرضه، أخبرني بأن صديقه مصطفى العلوي، مدير نشر الأسبوعية، سيبقى مديرا مسؤولا عنها، بينما أتولى أنا رآسة التحرير. وبالمقابل سيقوم الشعبي بخلق شركة مستقلة لإدارة الأسبوعية تساهم فيها ست شركات من الهولدينغ الذي كان يرأسه، بنسبة 60 في المائة من رأسمالها، بينما سيقسم ما تبقي من الرأسمال أي 40 في المائة بالتساوي ما بين مدير النشر ورئيس التحرير. وعند انطلاق الشركة برأسمال مليون درهم ستوقع الشركات الست المساهمة فيها عقودا بالإشهار لصالحها لمدة سنتين بمبلغ مليوني درهم.

وعندما انتهى الشعبي من عرضه كان سؤالي الوحيد الذي سألته هو: لماذا اختارني لرآسة التحرير رغم أنه لم تكن بيننا سابق معرفة. فأجابي بدون تردد وبلغته الدارجة: “نعم، لقد سألت عنك، وقيل لي إن الملك لا يحبك، وأنا أحترم من لا يحبهم الملك فأنا أيضا لا يحبني الملك”، وأطلق ضحكة مجلجلة جعلت مشاعري تهتز خجلا من نفسي وتقديرا لشجاعة الرجل.

وقبل أن أعتذر بلباقة عن العرض الذي قدمه لي، قلت له إن ما هو أهم من العرض الذي قدمه لي هو أني عرفت بأن هناك رجال أغنياء وشجعان في المغرب يؤمنون بأن من حق أي مواطن أن يكون له رأي مستقل، وليس دائما وبالضرورة معارضا، وإنما رأي حر ومستقل.