بعد مرور أزيد من أسبوعين على وفاة محسن فكري “شهيد الحكرة” لازال الشارع المغربي خاصة بمدن الريف يعرف احتجاجات تضامنية مع الشهيد، وضدا على ممارسات “الحكرة” التي يعاني منها المواطن المغربي يوميا. واستمرارا للأشكال الاحتجاجية نظمت عشية أمس الجمعة مظاهرات شعبية بكل من الناظور والحسيمة، استمرت خلالها مطالب المحتجين بالقصاص لروح “فكري”، والتنديد بـ”الظلم” والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية…، بالإضافة إلى بعض الشعارات “الراديكالية”، ما جعل السؤال عن مستقبل هذه الاحتجاجات وتطوراتها يطرح بشدة، خاصة بعد تهديدات من الداخل بتصعيد الاحتجاج السلمي وصلت إلى درجة الحديث عن عصيان مدني. فهل يمكن أن تتحول هذه الاحتجاجات من احتجاجات سلمية إلى “عصيان مدني” أم أن هذا الطرح الأخير مستبعد ومجرد تخوف؟ وكيف يكن تجنب هذا السيناريو؟

يرى محمد بودن المحلل السياسي أن استمرار الاحتجاجات مرتبط أساسا بتأخر نتائج التحقيق، إضافة إلى البعد السيكولوجي الذي أخذته القضية والذي يدخل فيه الانتماء إلى الريف، وعدم انبطاح الريف “للحكرة”، مضيفا أن قضية محسن فكري لم تعد هي القضية الوحيدة المرفوعة، بل “إن عددا من الملفات تجري تحت جسر هذه القضية”، وهي التي تمثل المطالب الحقيقية والأساسية لسكان الريف، كالبطالة والعدالة والتعليم والصحة والصيد البحري…، ما يستدعي ضرورة الوصول إلى مخرجات، لأن غياب الحل يفاقم الأزمة في المنطقة.

واعتبر بودن أن المطلوب الآن هو التفاعل من أجل إخراج نتائج التحقيق الذي أصبح ضرورة لا مفر منها، وكل تأخر سيفاقم منسوب عدم الثقة، مؤكدا على أن الاحتجاجات تزيد من اهتمام صناع القرار بمدخلات حل المشكل الذي ينبغي ألا يكون حلا رمزيا وإنما استجابة حقيقية تقدم حلا واقعيا،” وإذا برزت اتجاهات أخرى غير نتائج التحقيق يجب على الدولة أن تساهم في إنجاح خطط بمجموعة من القطاعات التي تدخل في خانة مطالب المحتجين”.

وأشاد المحلل السياسي بالانضباط الكبير لاحتجاجات الريف وسلوكها الرشيد، وعدم تأثر أغلبية المحتجين ببعض الأجندات التي تحاول أن تضفي صورة الثورة على الاحتجاجات من خلال المقارنة بين “محسن فكري” و”البوعزيزي”، مشيرا إلى أن هناك جهات تريد الركوب على هذا الفعل الجمعي وهي جهات غير قانونية وليست قادرة حتى على تأطير المجتمع، وتحاول أن تتعاقد مع أي حدث غير عادي، وهي نفس الجهات التي ترفع علم جمهورية الريف لكنها غير قادرة على أن تقنع به الرأي العام، فـ”هل هو علم هوية عرقية أم جهة معينة؟”… متابعا “لكننا لم نصل بعد إلى جهات لها أعلام”. 

وأضاف بودن أن التأخر في صدور نتائج التحقيق ينبغي ألا يكون مدعاة لسلوك غير صديق للوطن والمواطن، فالمغاربة لن يقبلوا بشخص يرفع شعارات انفصالية أو عرقية أو راديكالية، وأن أي توجه في هذا المسار سيدفع العقلاء والحكماء للتدخل، معتبرا أن الاحتجاجات كلما كانت احتجاجات على وفاة “محسن فكري” وكانت القضية قضية “عدالة و”كرامة” و”عيش كريم” كلما حصلت على دعم كبير، أما إذا تحرك مستواها إلى خدمة إديولوجيا معينة فستتبخر مجهودات المحتجين المغاربة، مشددا في نفس السياق على أنه ينبغي عدم التأسيس لمعارضة الشارع واحترام المؤسسات، وعدم المبالغة في الاحتجاج.

ودعا المحلل السياسي بالمقابل إلى ضرورة تفاعل السلطة بشكل إيجابي مع الاحتجاجات من خلال بلاغات إخبارية واضحة، وعدم التجاهل، وعرض السياسات العمومية التي يريدها الشارع، ووضع حد لمن يتحدى البلد، محذرا من إنتاج صدام بين الشارع والمؤسسات وخاصة السلطات بالريف، موضحا في نفس الوقت ان التفاعل ينبغي ألا يقتصر على الريف فقط بل على المغرب ككل فالمغاربة يحملون نفس المطالب.

وختم بودن بأن مفهوم العصيان المدني مستورد لذلك يجب أن تكون الحركات الاحتجاجية المغربية مبدعة ومستقلة من حيث الرأي وأن تتجنب تقليد التجارب الخارجية.