لا يزال موقف المغرب من “صفقة القرن” يثير نقاشا وجدلا داخل المجتمع المغربي، فبعد أن وجه مجموعة من الناشطين المناصرين للقضية الفلسطينية انتقادات لاذعة للموقف الرسمي، خرجت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول بوجود صفقة ثلاثية بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، تقضي بتأييد المغرب لصفقة القرن مقابل اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، وهي المعطيات التي لم ينفها ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي ورفض التعليق عليها، في حين رد على من اعتبر أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للشعب المغربي بأن قضية الصحراء هي القضية الأولى، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه “لا يجب أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم”.

هذه التصريحات والمواقف غير الواضحة، دفعت الرأي العام إلى طرح تساؤلات عدة، أبرزها مدى صحة التقارير الإعلامية ووجود صفقة ثلاثية، ثم مدى إمكانية تأثير قضية الصحراء المغربية، باعتبارها القضية الأولى للمملكة، والمؤثر الأول في سياستها الخارجية، على موقفها من “صفقة القرن”.

 الحفاظ على المبادئ شيء أساسي

جوابا على هذه التساؤلات اعتبر تاج الدين الحسيني، في تصريحه لموقع “لكم”، أن الحفاظ على المبادئ شيء أساسي في السياسة الخارجية لكل دولة تحترم نفسها، وأنه من الأفضل للمغرب أن يستمر في نهج سياسته.

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن مواقف المغرب في سياسته الخارجية مبنية على مبادئ، وهو ما عبر عنه موقفه أمام دول الخليج في الملف اليمني، وفي حملة العداوة لقطر، مشيرا إلى أن السياسة الخارجية تقوم أيضا على المرونة، وهو ما انعكس في بلاغ الخارجية المغربي، حيث أكد البلاغ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في تناف مع ما جاءت به صفقة القرن، لافتا إلى أن المغرب أدان الصفقة في اجتماع جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.

وسرد المحلل، مجموعة من المعطيات التي تجعل المغرب في غنى عما يتم الترويج له من أخبار، أبرزها أن الصحراويين دائما ما عبروا عن مغربيتهم في مختلف الاستحقاقات، بما فيها الاستحقاقات التشريعية والمحلية والجهوية…، مذكرا بالمسار الذي قطعه المغرب من أجل استرجاع أقاليمه الصحراوية، وبموقف المحكمة الدولية من الملف، إضافة إلى مجلس الأمن الذي يعتبر مقترح المغرب مطبوعا بالجدية والمصداقية والقابلية للتطبيق العملي.

كما يرى الحسيني أن ما تم تداوله حول الصفقة الثلاثية عبارة عن مناورات تقوم بها جهات أجنبية خاصة صحف إسرائيلية، مذكرا برغبة نتنياهو في لقاء الملك في زيارته للمنطقة، وما كان له من تبعات عدة، إضافة إلى أنه بالنظر لمسؤوليات الملك كونه رئيسا للجنة القدس، وأميرا للمؤمنين، لا يمكن اتخاذ موقف مخالف.

وخلص الحسيني إلى أنه وانطلاقا من هذه العناصر، فلا يمكن للمغرب أن يغير مواقفه إرضاء لإسرئيل، أو الولايات المتحدة الأمريكية، مذكرا بأن هذه الأخيرة سبق وأن وقفت ضد المغرب في مواقف عدة على رأسها قضية “المينورسو”.

ولفت الانتباه أيضا إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست دائمة؛ فالدول باقية والشخوص يزولون، وأن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية إذا كانت قائمة على الابتزاز، وهذا خطير في العلاقات الدولية، فإن عمر هذه الدبلوماسية قصير.

حرب نفسية إسرائيلية

وفي نفس السياق أشار الموساوي العجلاوي الباحث في معهد الدراسات الإفريقية، إلى أن ما يثار حول الموضوع هو مجرد تكهنات، معتبرا أن الصحافة الإسرائيلية تقف ضد المغاربة والعرب بهدف تكسير المواقف الصادرة عن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مؤكدا أنه لا يمكن بناء التحليل على تكهنات.

وعبر العجلاوي، خلال حديثه لموقع “لكم” عن مخاوفه من أن تكون هذه الأخبار حربا نفسية موجهة إلى الرأي العام المغربي من أجل خلق بلبلة تجاه هذا الموقف.، مذكرا بأن الموقف المغربي يؤيد حل الدولتين، على أساس أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
ودعا المتحدث في الأخير إلى عدم الانجرار وراء هذه التكهنات التي لا تهدف إلا لتكسير الرأي العام الوطني والعربي.

المغرب وتغيير المعادلة

من جهة أخرى، استبعد ادريس لكريني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إمكانية دخول المغرب في هذه المتاهة.
وعن إمكانية تأثير قضية الصحراء في الموقف المغربي، اعتبر لكريني في تصريح لموقع “لكم” أن الموقف المغربي من القضية الفلسطينية واضح وثابت، و أن المغرب لا يمكن أن يجازف على هذا المستوى، وإلا لماذا الآن يختار هذا الأمر، في حين كان يمكن أن يتخذه في سنوات ماضية، ليخفف من وطأة الإشكالات التي واجهتها الوحدة الترابية على امتداد السنوات الأخيرة.

واستحضر أستاذ العلاقات الدولية قرارات مجلس الأمن وما حققه المغرب منذ انضمامه للاتحاد الإفريقي، معتبرا أنها كافية للدفاع عن القضية الوطنية دون الدخول في هذه المعادلة التي استبعدها تماما.

ولفت لكريني إلى ضعف الواقف العربية ومنها المغرب في التأثير في القضية، قائلا إن المبادرة الأمريكية جاءت في مرحلة يعيش فيها النظام العربي الإقليمي أحلك فتراته، وهامش تحرك البلدان العربية والمغرب على وجه الخصوص أصبح ضيقا.

وأضاف أن ما يتم الترويج له من أخبار هو محاولة لإطلاق إشاعات تريد أن تدخلنا في دوامة نظرية المؤامرة، وتروج لبيع القضية، في حين أنه في واقع الأمر كل المؤشرات على الأرض تبرز أن القضية الفلسطينية باتت اليوم في وضع صعب جدا، وأن على الفلسطينيين أن يتوحدوا أولا، وأنه ليس بإمكان المغرب أو دولة أخرى أن تسيء إلى القضية الفلسطينية.

وأضاف أن ما يتعلق بوجود تنازل مغربي فستؤكده الأيام، إذ إن تقييم الحدث في السياسة الخارجية يتطلب وجود وقائع، وإلى حدود الساعة لا يمكن الحديث عن وجود مؤشرات تبرز أن المغرب يوافق على هذه الصفقة، أو مؤشرات يمكن أن نبني عليها ما يتم الترويج له من قبل الإعلام الإسرائيلي خاصة.

وعن تأثير الولايات المتحدة في ملف الصحراء، قال المتحدث إنه ولحدود الآن لا يوجد قرار سلبي صادر من مجلس الأمن في قضية الوحدة الترابية، رغم مكانة الولايات المتحدة داخل هذا المجلس، مشيرا إلى أن هذا يبرز أن الولايات المتحدة لا تحمل موقفا عدائيا من قضية الصحراء حتى يمكننا أن ننتظر موقفا إيجابيا.

وختم لكريني بأن القضية متصلة أساسا بطرفين هما الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، وأن تحرك الفاعل العربي اليوم لم يعد بنفس التأثير الذي كان عليه في السابق، وحتى المغرب لا يمكن أن نتصور أن لديه هامشا كبيرا ليغير المعادلة، وبذلك لا وجود لمؤشرات علمية كي نتحدث عن هذه الصفقة الثلاثية.