لم يجانب الناشط الحقوقي عبد الرحيم برّداة الصّواب حينما نَسَبَ نفسهلعائلة المانوزي و لا بالغ في الإحتفاء بهذه الأسرة ولكل من يتحدر منها.

فكل مغربي حقيقي عليه أن يفخرَ بهذه العائلة المجاهدة وبما قدمه أفرادها، جيلا بعد جيل، من تضحيات منذ فجر الإستقلال وصولا  إلى الزمن الراهن.  ومن يجهل هذه الحقيقة أو يتعامى عنها فما عليه إلا أن يقرأ كتاب “سنوات الرصاص – قصة عائلة مغربية ” لمؤلفته الباحثة الهولندية سيتسك دوبور.  (مفارقة محزنة حقا أن يُكتب جزء من تاريخ المغرب المعاصر روائيا و تلفزيونيا وسينمائيا على يد أجانب،عربًا وعجمًا ،رغم تراكم لا بأس به عن أدب السجون وسنوات الرصاص). 

قابلت الحاج علي المانوزي للمرة الأولى والأخيرة عام ألفين وثمانية في بيته بالدار البيضاء. كنت وقتها أنجز قصة إنسانية عن ظاهرة الإختفاء القسري بالمغرب. ولم أجد أفضل من حالة الحسين المانوزي الذي أدرجته هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن قائمة مجهولي المصير لتعرية سلوك ممنهج اتخذته الدولة على مدى عقود سلاحا لتطويع المعارضة وتقليم أظافرها.

كرّرَ الحاج المانوزي على مسامعي بحماسةٍ شديدةٍ ولهفة صادقة قصةَ اختطاف إبنه الحسين في تونس وأسهب في ذكر محطات مساره النضالي سواء في الاتحاد المغربي للشغل أو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

في نهاية اليوم غادرت بيت آل المانوزي وفي عيني دمعتان كابرت لحبسهما في المقلتينحتى لا تنفلتا من عقالهما وتفضحا لحظة إنكسار أمام واقع أليمليمأل.

ليس استحضارُ هذه الشذرات من ذاكرة المغرب الموشومة بالندوب ضربا من النوستالجيا . فواقع الاختفاء القسري ما يزال ، رغم كل ادعاءات الدولة بالطي النهائي للملف ، جرحا غائرا لم يندمل . إذ اعتمدت الدولة، في ما بدا سياسة هروب الى الأمام ، مقاربةَ التعويض المادي للضحايا ولذوي الحقوق (باستثناء ملف تازمامارت الذي لم تدمج ضحاياه) ،

وأغفلت ذكرَ الحقيقة وتسميةَ المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسانومحاسبتهم باعتبارها الركن الرئيس لضمان عدم تَكرار هذه الانتهاكات. ولعلَّ ما يرُوج عن نية المجلس الوطني لحقوق الإنسان إصدارَ توصية بإغلاق هذا الملف ليس سوى إعلانٍ صريح لفشل مسلسل العدالة الإنتقالية ولعجز  المغرب عن التصالح مع ماضيه.

لم تتحول نية الدولة المعلنة منذ مطلع ما يسمى العهد الجديد في جبر الضّرر والقطعِ مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى إرادة سياسية فعلية ، ولم توفر البنية التشريعيةَ اللازمةَلمواكبة هذا التحول،واختزلت هذه النية، أو هي سوء نية، في مجرد إعلان للنوايا يتردد في بعض المناسبات مثلما هو الحال في رسالة الملك التي تلاها عبد الرحمن اليوسفي بمناسبة الذكرى الخمسين لاختفاء المهدي بن بركة.

كان لافتا خلوُّ الرسالة من أي إشارة لحقيقة وملابسات اختفاء بن بركة، ولا إلى الجهة أو الجهات المسؤولة عن اختفائه ومصير جثمانه . ولم تتضمن تدابير َملموسة ًمن شأنها إماطةُ اللثام عن لغز اختفاء المهدي بن بركة ولا توجيهات لسلك القضاء بالتعاون مع التحقيق. كثر تمنوا أن تكون هذه الرسالة توطئة للكشف عن الحقيقة لا تمهيدا لطمسها.

غادر الحاج علي دنيانا وفي حلقه غصة لطالما اجتهد في إخفائها عن الآخرين . يحول بينه وبين ذلك على الأرجح أنفة وكبرياء وعزة نفس وخيط من أمل رفيع في أن تنجلي ذات يوم حقيقة اختفاء الحسين وصَحبهِ ممن اكتووا بجمر القمع .

طوبى لك ياحاج علي!