قبل شهر ونصف أعلنت سلطات ميناء الجزيرة الخضراء بجنوب اسبانيا ضبط شاحنتين قادمتين من ميناء طنجة المتوسط، محملتين بما مجموعه 48 طناً من المخدرات، هذه الكمية الكبيرة كانت موجهة للتسويق في أوربا، وتفوق مجموع قيمتها المالية 200 مليون اورو.

لم ترد تفاصيل وافية في الصحافة الاسبانية عن الموضوع حيث ما زال قيد التحقيق، لكن ما يهمنا في هذا الخبر هو حجم هذه الحمولة وكيف تمكنت من عبور الحدود دون أن تتمكن المصالح المختصة من توقيفها، قد نتفق أن عملية ضبط تهريب المخدرات التي تُستعمل فيها الطائرات الصغيرة والزوارق النفاثة هي عملية صعبة وتحتاج الى لوجستيك متطور، لكن أن يتم تهريب كل هذه الكمية الكبيرة عبر ميناء طنجة، ولن تتمكن سلطات الميناء من ضبطها، فإنه مؤشر واضح على أن العملية شاركت فيها اياد كثيرة..

حجم هذه العملية التي كشفت عنها بعض الصحف الاسبانية تشي بأنها ليست عملية تهريب عادية، بل هي عملية منظمة، فهذه الكمية لا يعقل أن يهربها شخص واحد أو شخصين بوصفهما شريكين، بل هي شبكة متشعبة، ثمة من يقوم بتأمين توفير السلعة في المغرب، وثمة من يقوم بتأمين عبورها للحدود، وهناك من هو مكلف بتسويقها في أوربا… مما يعني أن العديدين يستفيدون من مثل هذه العمليات التهريبية الضخمة، ومما يعني أيضا أن أموال المخدرات ما زالت لها حضور قوية في المجتمع المغربي..

حين يتم طرد تجار المخدرات من الأبواب، يعودون من النوافذ لممارسة السياسة التي لا مناص منها لحماية مصالحهم

في المغرب لا يمكن فصل تجارة المخدرات عن السياسية، حتى أن الفاعل السياسي في المغرب لا يخلو خطابه من الحديث عن المخدرات بطريقة أو بأخرى، فرئيس الحكومة مثلا منذ أيام وأسابيع، كلما أخذ الكلمة إلاّ ويعرج للحديث عن اتهام شباط لإلياس العماري بتلقيه عمولات من تجار المخدرات وابتزازهم، لا يفوت بنكيران أي فرصة كلام ليذكّر خصومه بهذا الاتهام ويطلب من إلياس العماري أن ينفي ذلك ويرد على شباط.

قبل ثلاثة أشهر، قام عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة العربي المحرشي بعقد تجمع حزبي بإقليم وزان، وخلال كلمته اتهم رجال الدرك والسلطة المحلية بابتزاز المواطنين وأَخْذ رشاوي منهم مقابل تغاظيهم عن زراعة الكيف، كما تساءل المحرشي خلال ذات اللقاء مستغربا الظلم الذي يلحق ساكنة المنطقة قائلا: “ماذا سيفعلون إذا لم يقوموا بزراعة الكيف في غياب بنية تحتية وفرص شغل” مؤكداً “أن الكل شركاء في زراعة الكيف بما فيهم الحكومة والسلطات المحلية”، وهي التصريحات التي تلقفها حزب العدالة والتنمية وأذرعه الاعلامية، لينددوا بها ويعتبروها تحريضا للمواطنين ضدّ الدولة، وحينها أشيع أن العربي المحرشي تلقى توبيخا شديدا من جهات عليا، وتم دفعه للسكوت والابتعاد عن أضواء انشطة حزبه، وتم الحديث عن وجود غضب عارم من الجهات العليا على تصريحات المحرشي الذي لم يحسن فرملة كلامه وهو يتحدث في موضوع حارق.

وقبل سنوات صرح عبد الهادي خيرات أن ثلث مجلس المستشارين من مهربي المخدرات، حينها لم تتحرك النيابة العامة ولم يتم التقصي في الموضوع لخطورته، بل أشعل بعض الردود في حينه ثم طُويّ ونسيه من نسيه وتناساه من تناساه.

اليوم، نحن على أبواب الانتخابات الجماعية والجهوية، هذه الانتخابات التي ستجري في ظل دستور جديد، وتقسيم جهوي جديد، تدخلها الأحزاب السياسية المشاركة في العملية برهانات مختلفة، ظاهريا كل الأحزاب تنادي بتخليق الحياة السياسية، و تنادي بضرورة ابعاد أموال تجار المخدرات عن التحكم في خريطة التصويت، بيد انه كما العادة سيتسلل هؤلاء التجار إلى المجالس الجماعية والبلدية والمجالس الجهوية، كما سيتسللون الى الغرفة الثانية للبرلمان، سيفعلون ذلك وهم يحملون تزكية العديد من هذه الأحزاب التي تتظاهر بالمناداة بتخليق الحياة السياسة وتدبير الشأن المحلي، لكن رغما عنهم ورغما عنا جميعا سيجد هؤلاء مكانتهم في تأثيث المشهد السياسي..

فرغم صدور تعليمات ضد ترشح بعض الاسماء المعروفة بتورطها في تجارة المخدرات، إلاّ أن هؤلاء لا يعدمون امكانات التحكم عن بعد، فحتى حين يتم اخبارهم بضرورة ابتعادهم عن الترشح، يقومون باختيار أحد الاشخاص سواء أكان من الاقرباء أو من الخدم، ليترشح نيابة عنهم، بينما يتكلفون هم بكل شيء، وهكذاحين يتم طرد تجار المخدرات من الأبواب، يعودون من النوافذ لممارسة السياسة التي لا مناص منها لحماية مصالحهم.

في الحقيقة لا يمكن حجب الشمس بالغربال؛ إن تجارة المخدرات في المغرب لها علاقة وطيدة بالسياسة، لا يمكن الاختباء وراء خطابات التطمين، وعبارات الاستهلاك الاعلامي، لنقرّ أنه لا دخل لأموال المخدرات في صنع خريطة نتائج الانتخابات في المغرب، بل ثمة علاقة زواج تجمع بين السياسة والمخدرات، هو زواج متعة، زواج غير موثق عند العدول وقاضي الاسرة، زواج سري بين الاثنين، تحكمه معادلة المتعة والاستمتاع، المخدرات تستمتع بحصانة السياسة، والسياسية تتمتع بدعم المخدرات..