الاردوغانية والبنكيرانية: أوجه التقاطع والاختلاف
صرخ الصحفي التركي أكرمدومائلي في مقالة له تحت عنوان:«عاجل: مطلوب رئيس جمهورية«لأنه لم يعد يطيق تضخم سلطة الرئيس التركي طيب رجب اردوغان،والدي-يضيف الصحفي- …. »لا يكتفي فقط كرئيس بل ان سلطات رئيس حكومته احمد داوود اوغلو أصبحت كلها في يده… « ويضيف الصحفي في صرخته : »… ان اردوغانأصبح شغله الشاغل التجول في الميادين، والدخول في مشاحنات مع زعماء المعارضة…«)عادل حمودة موقع الفجر 10 مارس 2015).
آراء أخرى
عندما قرات صرخة هدا الصحفي،تذكرت شيئين متناقضين في رئيس حكومتنا عبد الاله بنكيران،الأولى وهي صرخة مماثلة للمعارضة المغربية عندما اشتكت من تضخم قوة رئيس الحكومة الدي استطاع ان يجعل من المؤسسة البرلمانية المغربية بدون مخالب المعارضة، فقد دفع بنوابه، في خطة دكية، الى ممارسة مساندة نقدية، للتضييق على الأحزاب المشكلة للمعارضة واضعافها، فنفد صبرها ثم طالبت بوضع حد لتطاولات رئيس الحكومة عن المعارضة. ثم المشاحنات والصدامات العديدة التي صال وجال فيها. امام زعماء المعارضة.والثانية عندما يتصرف بنقيض دلك ويستحيل الى حمل وديع، امام ذهول كل المتتبعين،كما وقع وهو يتراجع عن تعديل المادة 30 (المدسوسة حسب قوله)، من مشروع قانون المالية لسنة 2016 حول صندوق تنمية العالم القروي،وترك صفة الآمر بالصرف ينفرد بها وزيره في الفلاحة عبد العزيز اخنوش…
هدا المعطى يعطينا صورة تقريبية عن أوجه الشبه والاختلاف بين طيب رجب اردوغان وعبد الاله بنكيران،فبالإضافة الى قدراتهما التواصلية المميزة، فهما أيضا يتشابهان في مسارهما النضالي والسياسي، ويقتسمان نفس المرجعية الدينية السنية، كما يتمتعان بقوة الشخصية اللافتة والظاهرة. لكن وجه الاختلاف الكبير بين الرجلين يتمثل بالأساس في أوجه تصريف هدهالقوة.
-فعلى مستوى التقاطع،فهما مزدادان في نفس السنة (1954)،وينحدران من أوساط شعبية،وعلى مستوى السمات الشخصية يشترك الرجلان في قوة الشخصية، وفي ملكات تواصلية رهيبة، وفي قدرتهما الخارقة على إيصال افكارهما واراءهما الى جميع الفئاتوالشرائح، والى الكبير والصغير، والى المدن والقرى والمناطق النائية…
اما من ناحية المسار السياسي، يشترك الرجلان في التأسيس المتأخر لحزبيهما بعد مسار طويل من اجل نيل الشرعية القانونية. فقد تأسس حزب العدالة والتنمية المغربيسنة 1996،عقب عقد مؤتمر استثناءي لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية الدي احتضن بعض قياديي حركة التوحيد والإصلاح، بعدما تولى عبد الاله بنكيران ونائبه الراحل عبد الله باها سنة 1990 بوضع وثيقة تقبل فيها الحركة بالنظام الملكي وتقر فيها بإمارة المؤمنين التي تؤسس الشرعية الدينية للملك.
في بداياته السياسية، تعاطف عبد الاله بنكيران مع تنظيمات يسارية محظورة (حركة 23 مارس)، كما اقترب من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في نفس الوقت الدي كان يتردد على حزب الاستقلال، ثم استقر به الحال بتنظيم الشبيبة الإسلامية المحظور سنة 1976,ليقرر بعد ذلك الانفصال عنه ويؤسس “جمعية الجماعة الإسلامية”.
اذا أردنا ان نفهم اكثر سر الخلاف الكبير بين اردوغان وبنكيران، علينا ان نقرا ما جاء على لسان عبد الاله بنكيران نفسه في حوار سابق مع موقع قنطرة، حيث قال ما يلي: »…اننا نتشابه مع حزب العدالة والتنمية التركي في محاولة كل منا الاستفادة من الروح الدينية المتواجدة في المجتمع للدفع بعجلة الإصلاح الى الامام..
انتخب برلمانيا عن مدينة سلا سنة 1997 الى ان عين رئيسا للحكومة يوم 29 نونبر 2011.
اما حزب العدالة والتنمية التركي فقد تأسسسنة 2001 بعد استمرار الدولة التركية في حظر الأحزاب الإسلامية، ومنها حزب الفضيلة الدي انشقت عنه مجموعة من القياديين، منهم عبد الله غل ورجب طيب اردوغان الدين قاموا بتأسيس حزب العدالة والتنمية التركي.
طيب رجب اردوغان أصبحرئيسا لتركيا يوم 28 غشت 2014 بعد مسار ناجح كرئيس وزراء تركيا مند مارس 2003، وأيضا بعد مسار موفق كعمدة مدينة إسطنبول من 1994 الى 1998 حيث تم القاء القبض عليه وحكم عليه لمدة 10 أشهر بتهمة التحريض على الكراهية الدينية.
هكذا نلاحظ ان مسار الرجلين يتقاطع كثيرا، لكن هدا التقاطع لا يوازيه تطابق على مستوى الإنجازات،لان مجالات تصريف قوتهما كانت هي وجه الاختلاف الكبير بين الرجلين.
-على مستوى أوجه الاختلاف، فادا كان الرجلان يتمتعان بالشخصية الكاريزميةوبقوة تواصلية لافتة فانهما أيضا يتمتعان بفائض في القوة لكن أوجه تصريفها هو جوهر الاختلاف بين الرجلين.
فطيب رجب اردوغان عند توليه مهام رئاسة الحكومة سنة 2003،ولكي يفرض برنامج حكومته دخل على خط المواجهة مع مؤسسات الدولة، فتسبب له دلك في صدامات ونزاعات خرج منها منتصرا، ولعل قمة صداماته كانت مع مؤسسة الجيش التركي القوية التي لم يكن ممكنا الاقتراب منها لأنها هي المتحكمة حتى في رئيس الدولة التركية. لكن قوة اردوغان استطاعت ان تخترقها بل استطاع ان يقدم عددا من الضباط الى المحاكمة، حوالي 300 ضابطا، بدعوى محاولة تنفيذ انقلاب على حكومته وهي ما يعرف بقضية “المطرقة”، وصدرت في حقهم احكام مشددة وصلت الى حكم بالمؤبد في حق الرئيس السابق لأركان الجيش” ايلكي باتسبوغ”.
لقد دخل اردوغان مند توليه رئاسة الحكومة في عمق الإصلاحات وعلى جميع الأصعدة، وقداستطاع من خلالها تصريفقوته، ففي ظرف عشر سنوات استطاع اردوغان ان ينقل تركيا الى مصاف الدول المتقدمة، فرغم تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008 فان الاقتصاد التركي لم يتأثر بها كثيرا، فهو يسجل نموا سنويا بمعدل 8.5 في المائة ليصبح ثاني اسرع نمو في العالم بعد الصين (9.2في المائة) , وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 10504 دولارا سنة 2012 مقابل 3492 سنة 2002.ويمكن اعتبار حادثة اسقاط الطائرة الروسية سوخوي 24 , ما هي الا وجه من أوجه تصريف قوة اردوغان, فان تتحدى الدب الروسي هدا معناه انك وصلت الى قوة تضاهي قوة الدول الكبرى في العالم.
على العكس من دلك بالنسبة لرئيس الحكومة عبد الاله بنكيران، فقد تم تصريف قوته فيصراعات جانبية،ربما دفع اليها بدون ان يشعر،لإلهائه عن مباشرة الإصلاحات العميقة، كالصراع مع زعماء المعارضة، فجلسات البرلمان جعل منها رئيس الحكومة حلبة صال وجال فيها، لا صوت يعلو على صوته، واظهر من خلالها قوة وصلابة لم يعهدها المغاربة في أي وزير اول سابق. وخارج قبة البرلمان استطاع ان يخلي شوارع المملكة من الاحتجاجات، بل حتى المركزيات النقابية لم يعد تهديدها له بإضراب عام يعني له شيئا، فهي أيضا تعاني من الترهل والشيخوخة والوهن…فتصريف قوته في هده الأمور،يعتبرها إنجازات تحسب له بينما يعتبرها الاخرون ردة حقوقية واجهاز على المكتسبات (اضعاف دور المعارضة، الاجهاز على حق ممارسة الاضراب باقتطاع أيام الاضراب في غياب إطار قانوني ينظم عملية الاضراب.) وتراجع ملحوظ في تعزيز حقوق الانسان.
فعلى اعتبار السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي،الاقليمي والمحلي،الدي تراس فيه بنكيران الحكومة، والحراك الشعبي الدي كانت تمثله حركة 20 فبراير ،وعلى اعتباره أيضا مسنودا بدستور يوليوز 2011 المتقدم،فانه بدل الدخول في عمق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية,فقد فضل ان ينئ بنفسه وبحزبه عن الدخول في مواجهة مع مؤسسات الدولة ، وفضل الانصراف الى انقاد البلاد من ازمة اقتصادية خانقة ،مع عدم الدخول في مواجهة كدلك مع أصحاب النفود الاقتصادي ،وتفادي كل ما من شانه ان يهدد مصالحهم حتى لا يستمر نزيف تهريب رؤوس الأموال الى خارج المغرب ،(فقد كشف المركز الامريكي Global financialintegrity حول تهريب الأموال ان المغرب عرف تهريب حوالي 400 مليار درهم ما بين سنة 2004 و 2013 ) ،مما جعل رئيس الحكومة يقول قولته الشهيرة : ” عفى الله عما سلف “، فهدا التوجه الدي اختاره بنكيران عن قصد او مرغما ،انعكس سلبا على وتيرة الإصلاحات وعلى التنزيل الديموقراطي لمضامين وروح دستور 2011 ،فقد لوحظ بطء شديد في تنزيل القوانين التنظيمية التي تعتبر بمثابة قوانين مكملة للدستور، وفي تنزيل قواعد الحكامة الجيدة الواردة في الباب الثاني عشر من الدستور بإحداث المجالس الدستورية ،واستكمال قوانين اجراتها وكيفية تشكيلها وتمويلهابتفعيل مضامين المادة 171 من الدستور،فهده الإجراءات هي التي كانت ستسمح بتفكيك منظومة الريع الاقتصادي , ومنع توظيف الجاه السياسي في المجال الاقتصادي ،وتفعيل دور البرلمان في المراقبة على المؤسسات العمومية واحترام مبدا المسؤولية المقرونة بالمحاسبة. فحتى الاوراش الكبرى التي فتحها بنكيران،كإصلاح صندوق المقاصة، ومنظومة العدالة ونظام التقاعد، يعتبرون الى حد الان بمثابة جرأة سياسية محتشمة في غياب جرأة وقوة حقيقية، (والتي وظفها في سياقات أخرى كما أسلفنا اعلاه)، وفي غياب أيضا تصور مبني وواضح. وقد كانت كلفة هدا الاختيار والمنهج البطيء الدي فضله بنكيران كلفةاجتماعية قاسية، أدى المواطن البسيط ولازال يؤدي ثمنها.
فحتى على مستوى التقييم المبني على التقارير،فالسمة الغالبة هي تضارب التقارير، ففي الوقت الدي تشير فيه التقارير الحكومية الى تحسن الأداء الاقتصادي، ترسم أخرى كالمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب صورةمغايرة ومتضاربة، مما يجعل المتتبعين والمحللين في حيرة من امرهم،اي التقارير يجب اعتمادها.
اما التقارير الأجنبية فبدورها ترسم صورا متباينة،ولكنها تجمع على ان هناك خللا بنيويا لتحقيق التنمية. وعلى اعتبار ان الحكومة قد ضاعفت من الدين الخارجي،فإننا نكتفي بتقرير صندوق النقد الدولي الدي يعتبر أداء الاقتصاد المغربي في تحسن مع إمكانية الاحتفاظ على معدل نمو في حدود 4 الى 5 في المائة في السنوات القادمة، …هدا في حين ان وزير المالية اثناء مناقشته لمشروع قانون المالية بالبرلمان يوم 09 دجنبر 2015 أشار الى ان نسبة النمو في السنة القادمة لن تتعدى 3 في المائة، ودلك بسبب مؤشر الإضافة الفلاحي.
نفس الصندوق يعطي أرقاما صادمة , 13 في المائة من السكان لا يزالون تحت خط الفقر , 5 في المائةيستحوذون على 40 في المائة من الناتج الداخلي الخام، كما يحتل المغرب المركز 129 عالميا في سلم التنمية. والرتبة 77 في تقرير المنافسة الاقتصادية، والرتبة 155 في تصنيف مؤشر الديموقراطية. بينما تحقق تركيا مراتب جد متقدمة في كل هده الاتجاهات.
ان من مظاهر عدم تصريف بنكيران لقوته المشهود له بها، فيما كان يفترض ان يتم تصريفها ،هي علاقته بفريق حكومته، وخصوصا وزراءه غير السياسيين، فهو يبديضعفا زائدا امام وزراءه التكنوقراط، ولعل حادثة المادة 30 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 وتنازله عن مضض لوزيره في الفلاحة عبد العزيز اخنوش عن صفة الآمر بالصرف تظهر الوجه الاخر لبنكيران غير الدي يظهره في سياقات أخرى، كما ظهر دلك أيضا بخصوص عدم علمه او حتى استشارته من طرف وزيره في التربية الوطنيةرشيدبالمختار بخصوص مذكرته بالعودة الى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية. وما تقريعه له امام نواب الامة والراي العام الا مظهرا من مظاهر هامش السلطة المسموح له به.
ادا أردنا ان نفهم اكثر سر الخلاف الكبير بين اردوغان وبنكيران، علينا ان نقرا ما جاء على لسان عبد الاله بنكيران نفسه في حوار سابق مع موقع قنطرة، حيث قال ما يلي: “…اننا نتشابه مع حزب العدالة والتنمية التركي في محاولة كل منا الاستفادة من الروح الدينية المتواجدة في المجتمع للدفع بعجلة الإصلاح الى الامام…لكن ينبغي ان نعترف ان حزب العدالة والتنمية التركي هو حزب من حجم اخر، لا على مستوى الإنجاز ولا على المستوى الفكري ولا على مستوى الطرق والوسائل…”
لنخلص في النهاية، الى القول ان هناك من المحللين من يعتبر الاردوغانية هي تجربة مرتبطة بشخص طيب رجب اردوغان، فهي في عمقها تجربة شخصية سوف تذهببذهابه. وهناك من يعتبرها مدرسة ونموذجا يمكن الاقتداء بها.
اما البنكيرانية فيمكن اعتبارها في المغرب تجربة جاءت في سياق تاريخي استثنائي،اكسبت الدولة مناعة قوية، وأظهرت قدرة الدولة المغربية على الانفتاح على كل التوجهات والايديولوجيات السياسية في المشاركة في تسيير شؤون الدولة مع التناغم التام مع ثوابت الامة.
– باحث ومهتم باللامركزية والديموقراطية المحلية