سيظل يوم 13 أكتوبر 2015 راسخا في  تاريخ “الديمقراطية المغربية” مثل كثير من الوقائع التي وصمت هذا التاريخ المليء بالطرائف والمصائب والنكت والمفارقات العجيبة والمذابح….. مما يشكل مادة دسمة للبحث والدراسة والتمحيص العلمي من لدن الباحثين الأكاديميين والمختصين لسبر خبايا الحياة السياسية المغربية. يومُ تميز بحدثين أولهما فوز مرشح حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة الغرفة الثانية بفارق صوت واحد عن غريمه المنتمي إلى حزب الاستقلال، وثانيهما واقعة المستشارة التي عجزت عن كتابة وتدوين إسم من تود التصويت عليه في ورقة التصويت داخل المعزل، والمنتمية لذات حزب المرشح الفائز، مما خلق مشاداة حول أحقية المعنية بالأمر في طلب المساعدة في هذه الحالة التي لا يؤطرها أي مقتضى تنظيمي ذي صلة بالاستحقاق الذي كان يجري في إبانه. وقد تلا ذلك تداعيات عن فتح عضوية غرفة من غرفتي البرلمان، أمام من لا يحسنون القراءة والكتابة، ومر هذا الأمر للأسف مرور الكرام، ونسيه القوم مثلما نٌسيت ولا تزال تُنسى الكثير من وقائع الحياة الديمقراطية المتعثرة بالمغرب، لتعود نتائج الواقعة إياها إلى واجهة الأحداث قبل أيام قليلة عندما أقدمت المستشارة المعنية، المنتخبة عن هيئة غرف الصناعة التقليدية، عن جهة الدارالبيضاء – سطات، على تقديم استقالتها من الغرفة الثانية، حيث تلا الأمين العام لمجلس المستشارين، خلال الجلسة الأسئلة الشفوية ليوم الثلاثاء 29 دجنبر 2015 نص الاستقالة النهائية للسيدة مليكة فلاحي، عضو فريق الأصالة والمعاصرة من المجلس، بعد أن كان مكتب المجلس قد تدارسها في اجتماعه الأسبوعي، وقبلها بعدما تفحصها من كل الجوانب القانونية.

الخطوة التي أقدمت عليها المستشارة المستقيلة جاءت عن قناعة بأن الموقع الذي تبوأته أكبر منها وأنها لا تتوفر على القدرات الضرورية والكفاءة المطلوبة لأداء المهمة التي ترشحت لها، وهو موقف تستحق عليه العرفان والتقدير على الشجاعة التي تحلت بها لأن الكثيرين، وهم بالمئات بل بالآلاف، عبر عشرات السنين وفي مواقع من ذات الفصيلة، ممن لم يمتلكوا الشجاعة والنزاهة ليُقروا بما أقرت به ولم يقدروا على فراق الكرسي، بالرغم من عدم توفرهم على متطلباته الفكرية والمؤهلات العلمية والكفاءة المهنية. أنظروا إلى المئات من رؤساء المجالس المنتخبة ( الجماعات الترابية ومجالس العمالات والأقاليم) والغرف المهنية ومقاعد مجلس النواب ومجلس المتنشارين، ولنتأمل جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق المعنيات والمعنيين، من مسؤولية المساهمة في صياغة النصوص القانونية والميزانيات ودراستها والمصادقة عليها أو تقديم اقتراحات أو مساءلة مسؤولين في مواقع القرار…. وما يتطلبه ذلك من كفاءة ومستوى معرفي غير متاح لأي كان. ولنتذكر الصعوبات، بل المقاومات، التي واجهتها محاولات تنظيم ومأسسة شروط الكفاءة لولوج وتولي مواقع المسؤولية على رأس مكاتب المجالس المنتخبة الحضرية والقروية، لتأمين تدبير جيد ومتسم بالحكامة والنجاعة، ولم تفلح إلا في حدود قليلة، تعددت أساليب الالتفاف عليها، لفرض احترام الشخص المناسب في المكان المناسب. كما لا يمكن تجاهل الكوارث المالية والتدبيرية المترتبة عن تقلد العديد من فاقدي الكفاءة، في أبجدياتها الأولى، مواقع المسؤولية في كراسي تنظمها صناديق الاقتراع.

ونجد نماذج فاضحة على سبيل المثال في العديد من التعاضديات والغرف المهنية ( التجارة والصناعة والفلاحة والصناعة التقليدية والصيد البحري…) وحتى الجمعيات يتولى تدبير شؤونها نماذج من منعدمي الكفاءة المعرفية في حدودها الدنيا، يقررون في منظومات للتدبير والتسيير الإداري والمالي وصرف ميزانيات بالملايير وهم فاقدون لأي كفاءة، ويتخفون ويختبؤون خلف أسطوانة صناديق الاقتراع للتحكم في مؤسسات ذات حساسية مالية وتدبيرية ويعضون على كراسيها بالنواجد والأسنان والأضراس، ويلجأون لكل الوسائل لاستدامة بقائهم فيها ولو عبر أساليب شراء الذمم والأصوات ونشر قيم الريع. وهنا تبرز مسؤولية كل من :

· السلطات العمومية لفرض التدابير القانونية والتنظيمية لحماية الممارسة الديمقراطية الحقيقية وليس ديمقراطية الواجهة والفترينة، ولتطبيق آليات المحاسبة والمساءلة ومعاقبة المتورطين في ممارسات خارقة للقيم وللقوانين؛

· الهيئات السياسية والنقابية والمهنية التي تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع الخطير واللامسؤول ( لطابعه الانتهازي) عندما تقترح وتزكي أشخاصا لا يتوفرون على أي مؤهل، للتباري على المقاعد أو تولي مواقع في الهيئات المنتخبة مثل حالة المستشارة المستقيلة، أو النواب والمستشارين الصامتين على وضعياتهم المماثلة، والصامدين في صمتهم، أو رؤساء الجماعات الحضرية والقروية الذين تتطلب مهامهم صناعة القوانين والضوابط القانونية والتنظيمية أو وضع الميزانيات وتدبيرها أو المصادقة عليها، أوصياغة الخطط والبرامج وتنفيذها وهم لا يفقهون في ذلك، أو ممارسة المهام الرقابية ضمن لجان مختصة وهم بعيدون كل البُعد عن امتلاك المؤهلات اللازمة لذلك ……

إن الممارسات الانتهازية من هذا النوع يؤدي ثمنها الوطن كله والمواطنون قاطبة ويتحمل أوزارها الشعب بكامله ويرتهن لها مستقبل الأجيال القادمة.