دعت منظمة العفو الدولية، المثقفين والمبدعين والكتاب في المغرب، إلى تأسيس “جبهة ثقافية” ضد “التطرف” و هي بادرة مهمة و ضرورية ليستعيد المثقفين والمثقفات الديمقراطيين، كقوة ثقافية و معرفية،عمليا دورهم التنويري والديمقراطي في المجتمع قادرين على المساهمة في تشكيل رأي عام ثقافي ديمقراطي شعبي محصن من تأثير النزعات الثقافية الإسلاموية و الشوفينية.  ‎

1- لا يكفي أن يقتصر نشاط المثقف بكتابة المقالات و طبع الكتب للتعبير عن موقفه من ‏واقع استعمال الدين في الممارسة السياسية و واقع انتشار الفكر السلفي الإسلاموي ‏الوهابي و التكفيري و يعتبر ذلك أنه اتخذ موقف وناهض الفكر و الثقافة الإسلاموية ‏التقليدية الإرهابية.  ‏

لأنه رغم أن نداء جمعية “العفو الدولية” بالمغرب لمثقفي المغرب من أجل تأسيس “جبهة ‏ثقافية” ضد التطرف الديني والإيديولوجي والثقافة الشوفينية فإن مشكل المثقف ‏الديمقراطي و”الحداثي” المغربي تخلى عن مهمته المعرفية و التنويرية مما مكن ‏تيارات تعتبر أن الدين هو مرجعية الوحيدة الثقافية والسياسية والفكرية الوحيدة ‏للمجتمع و للشعب المغربي. ‏

وكان مؤشر صياغة الدستور من طرف مثقفين حداثيين لهم ماض متشبع بالثقافة ‏اليسارية و الديمقراطية قبلوا أن‏ يتبوأ الدين موقع الهيمنة على صيغه الحداثية و ‏الديمقراطية و صيغ حقوق الإنسان مؤشرا دالا على انهزامهم إمام أقلية اللجنة و رئيس ‏حزب العدالة والتنمية الدين فرضوا الصيغ التالية:‏

‏- “المملكة المغربية دولة إسلاﻣية” ‏

‏- “كما أن الھوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلاﻣي ﻣكانة الصدارة فيھا، وذلك في ‏ظل ‏تشبت الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتساﻣح والحوار، والتفاھم المتبادل ‏بين ‏الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء” ‏

‏- و في الفصل 3: “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ﻣمارسة شؤونه ‏الدينية” (الفصل الثالث).‏

‏-  افصل 41 “الملك، أﻣير المؤﻣنين وحاﻣي حمى الملة والدين، والضاﻣن لحرية ‏ﻣمارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أﻣير المؤﻣنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي ‏يتولى دراسة القضايا التي يعرضھا عليه. ويعتبر المجلس الجھة الوحيدة المؤھلة ‏لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى ﻣبادئ ‏وأحكام الدين الإسلاﻣي الحنيف، وﻣقاصده السمحة. تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه ‏وكيفيات سيره بظھير  . يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإﻣارة المؤﻣنين، ‏والمخولة له حصريا، بمقتضى ھذا الفصل، بواسطة ظھائر”.‏

2- إن للمثقفين و للمثقفات الديمقراطيين جزء كبير من المسئولية في الوضع الثقافي المتردي السائد داخل ‏المجتمع و بالتالي في الحالة الثقافية و السياسية البئيسة للمجتمع وللعلاقات الثقافية والاجتماعية المتخلفة ‏السائدة داخله‎ التي أدت إلى انتشار الشعبوية و التطرف الإسلامويين. رغم أن اغتيال الشهيد عمر بنجلون كان موشرا على المسار الإسلاموي المتطرف الذي أصبحنا نعيشه في مجتمعنا و واقع أحياء أحزمة الفقر في المدن و في المدن الصغيرة و القرى.  

إن للمثقفين و للمثقفات الديمقراطيين جزء كبير من المسئولية في الوضع الثقافي المتردي السائد داخل ‏المجتمع و بالتالي في الحالة الثقافية و السياسية البئيسة للمجتمع و للعلاقات الثقافية و الاجتماعية المتخلفة ‏السائدة داخله‎ التي أدت إلى انتشار الشعبوية و التطرف الإسلامويين 

إن مهمة و مسئولية المثقفين و المثقفات الديمقراطيين هي بالضبط الارتباط بالمعاناة و بالاشكالات ‏الاجتماعية و الثقافية للفئات الاجتماعية الشعبية و النضال الثقافي و الفكري معها لبلورة وعيها الثقافي ‏الديمقراطي المرتبط بمصالحها في التغيير الديمقراطي.‎

3- و لا نستغرب تحول أغلب النخب المثقفة الديمقراطية اليسارية من نخب تناضل في الواقع من أجل الثقافة الديمقراطية و الحداثية إلى نخب متكيفة و محافظة في واقعنا الثقافي و الفكري و السياسي.

إن هذا تحول لأغلب نخب و مثقفي اليسار (و خصوصا المرتبطين بأحزاب كانت بالأمس القريب تدعي الاشتراكية و الشيوعية) يعبر عن تغيير موقعها الاجتماعي و بالتالي تغيير في مصالحها و في موقعها الطبقي. إذ أصبح مفهوما أن لا يلتزم هؤلاء المثقفون بممارسة فعلية وسط الفئات الشعبية كاختيار فكري و ثقافي يجسد الحداثة و الديمقراطية و احرية و مناهضة التطرف الديني  لأنها نخب مثقفة ترى أنه ليس من مصلحتها النزول عند الفئات الشعبية و العيش معها و تثقيفها سيتم بأداة دولة لازال النسق السياسي المخزني التبعي يعتمد على المشروعية الدينية كعنصر حاسم و مهيمن على المشروعية الدستورية و السياسية و الثقافية. و بالتالي لا تستمر الغالبة الساحقة، إلا النزر القليل، من المثقفين الذين يعتبرون أنفسهم “حداثيين” و “ديمقراطيين” أو “يساريين” في انتظار أن تأتي إليهم الجماهير لتفهم خطابههم الروائي أو القصصي أو الشعري أو تحليلهم السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي دون أن يبذلوا مجهودا ملموسا لإبداع أساليب الحضور مع الفئات الشعبية و الاتصال بها و تحديث و دمقرطة وعيها و بلورت خطاب تفهمه و تستوعبه هذه الفئات.     

لقد نجح النظام السياسي في احتواء الـمثقفين و المثقفات “الكبار” لبعض القوى التي تعتبر نفسها “ديمقراطية” و “يسارية” و وفر لهم المال و المناصب و الامكانيات و الأوسمة، و خصص لهم ميزانيات للمهرجانات السينمائية و منح كبيرة لمسرحيات و معارض نخبوية لدرجة أصبحوا منفصلين عن دور المثقف الذي يتمثل في توعية و تثقيف الشعب بثقافة ديمقراطي و معرفة علمية. و أصبحت مصالحهم المادية و المعنوية مرتبطة بالنظام السياسي السائد و مؤسساته، و في المقابل أصبح هؤلاء المثقفون أبواقا يدافعون عن الثقافة المخزنية السائدة.

‏5 – لقد انهزمت الثقافة الديمقراطية، لتخليها نسبيا على رؤيتها الثقافية النقدية و لارتهان بعض ممارستها برهانات النسق الثقافي السياسي السائد. و هو ما جعل ‏موقف غالبية النخب المثقفة و الفكرية الديمقراطية و اليسارية من الوضع الثقافي و الاجتماعي و السياسي ‏يتسم بالليونة و تغييب نقد تقليدانية النسق السياسي السائد و تغييب نسبي و تشتت نقد استعمال الدين و استغلاله في الأنشطة الثقافية و أنشطة الزوايا و في الجامعات و ‏أنشطتها و عدم بلورة أهداف مجتمعية لفعل ثقافي و فكري ديمقراطي مناهض لثقافة التطرف الإسلاموي و قادر على يبلور ‏مساهمة وازنة في إعادة تشكيل و تنظيم و تفعيل الثقافة و الوعي الديمقراطيين داخل المجتمع المغربي. ‏

و بالتالي لم ينجح المثقفون الديمقراطيون، الذين انزووا في انقساماتهم و تناقضاتهم، داخل اتحاد كتاب ‏المغرب و إطارات ثقافية أخرى، غير عابئين أو سلبيين تجاه أخطار تطرف الثقافات و الإيديولوجيات ‏الإسلاموية و الشوفينية. و بالتالي تخلوا عن الأندية السينمائية و عن تجربة مسرح الهواة و لم يستطيعوا أن يجعلوا من اتحاد كتلب المغرب حصنا لهذه التجارب الرائدة و المنتجة لثقافة ديمقراطية حداثية ليصبح اتحاد كتاب المغرب قوة ثقافية لبلورة ثقافة ‏مجتمعية ديمقراطية عضوية مرتبطة بالقضايا الديمقراطية للشعب و تحرره  و مرتبطة بحركته الاجتماعية ‏المنتفضة و المحتجة المطالبة بتغيير أوضاعها و تحقيق أوضاع اجتماعية و ثقافية أفضل و أكثر ديمقراطية‎.

5- إن دور المثقف الحداثي الديمقراطي هو إعادة الاعتبار للثقافة الديمقراطية، ثقافة تقبل الاختلاف و تناهض الجهل بالمعرفة العلمية و تغير ثقافة المواطن و المواطنة التقليدية و المتخلفة ‏بثقافة نقدية و بالتالي تغير ثقافة المجتمع التقليدية و المتخلفة بالثقافة الديمقراطية.

من العبث، ‏ المراهنة على نخب ثقافية تغيرت فعليا مصالحها الطبقية و اختارت العمل الثقافي تحت الطلب مع قوى إيديولوجية غير ديمقراطية داخل الدولة و نخبه المثقفة المخزنية، و هادنت الثقافة الإسلاموية.

لقد استمر المثقف الديمقراطي يعاني أزمته عزلته عن المجتمع الشعبي بالنظر إلى اعتباره أن الثقافة نخبوية و لا يفهمه سوى النخب المثقفة. كما استمرت الاحزاب بما فيها الديمقراطية و اليسارية تهمش الفعل الثقافي في التواصل مع الفئات الشعبية لأن هذه الأحزاب تعاني من انفصالها عن المعرفي و الثقافي عن الفئات الشعبية.  

نشير إلى يسار سبعينات و ثمانينات القرن الماضي ‏الذي ناضل على الواجهة الثقافية التي تبلورت خلال هذه المرحلة جمعيات ثقافية ديمقراطية كانت هي السائدة في الواقع الثقافي المغربي (أندية سينمائية و مسرحية (مسرح الهواة) في جل المدن المغربية، إنتاجات قصصية و شعرية و روائية ملتزمة بقضايا الشعب، مجالات الثقافة الديمقراطية، أغاني ملتزمة و نقدية (ناس الغيوان، جيل جيلالة، سعيد المغربي) قصائذ زجلية ملتزمة نقدية قوية (رصوان أفندي، الودان..) …  

أما اليوم فلم يعد يهتم هذا اليسار يالنضال الثقافي و بمقاربة الاشكلات التي يطرحها عليه الواقع الثقافي و الاجتماعي و الفكري للطبقات الشعبية. مما يعيق تحرر اليسار و مثقفيه و القوى الديمقراطية، بما فيها بعض أطراف اليسار الجذري، وعيا و ممارسة، من النسق الثقافي و السياسي السائد و بالتالي ستستمر أزمة الثقافة الديمقراطية و إعاقاتها ما دامت لم تستطع فك ارتباطها بهذا النسق الثقافي و الفكري المخزني التقليدي و ما لم تستطع بلورة و ممارسة موقف القطيعة الثقافية و السياسية مع النسق الثقافي السائد و مؤسساته الثقافية و المدنية و السياسية.