« ce n est pas seulement l intérêt qui fait s’entretuer les hommes. C est aussi le dogmatisme. Rien n’est aussi dangereux que la certitude d avoir raison».

F. Jacob, Le jeu des possibles

” إن كثيرا من رجال الدولة “صانعي القرار” إما يتخوفون من رجل التعليم وإما يحتقرونه. وهذه الظاهرة تعكس غياب الديمقراطية، أقصد بالخصوص غياب العقلية الديمقراطية، وليس مراسيمها وفولكلورها. ومن نتائج غياب الديمقراطية القرارات الارتجالية التي تصدر لتمس التعليم وسيره أو وضعية رجل التعليم ومسيرته. “

محمد عابد الجابري

****           ****                                      ***

إن قضية الأساتذة المتدربين، فضلا عن كونها قد لفتت أنظار كل المتتبعين، وجعلت كل ملاحظ نزيه يقر بأستاذيتهم في التعبير عن مطالبهم المشروعة بأساليب غاية في الرقي  والمدنية، ويتضامن معهم بشكل غير مشروط جراء ما تعرضوا له من عنف. وأن يكون مٌمْتنًّا لهم لكونهم أعادوا النقاش حول التعليم  والمدرسة العمومية إلى المركز من انشغالات المجتمع، وحققوا،ولو نسبيا، “التعبئة حول المدرسة”، جاعلين إياها أقداما تسير احتجاجا في الشوارع، وأصواتا تصدح، بعدما كانت مجرد وَعْد أجوف، يسكن الخطب الرسمية المتلاحقة،  ولا يفارق حناجر أصحاب الكلمات الرنانة  والخطب الفارغة التي يلقيها المشاركون في اللقاءات الضيقة التي تعقبها في البطون الولائمٌ، وفي الجيوب تعويضات تِعدَادٌها دراهمٌ، إنها فضلا عن ذلك – وغيره كثير مما يضيق المقام عن ذكره هنا-  عملت على تقوية “التنشئة القانونية” للمتابعين خاصة المنتمين منهم إلى الجسد التعليمي؛  رغبة منهم في تعقل الاحتجاج وفهمه في ظل دولة تريد أن تكون “دولة حق وقانون” أو على الأقل هذا ما تعلن عنه. وفي هذا السياق نٌفاجأ عند العودة إلى  المرسومين المعدِّلَين،  ومقارنتهما بالمرسومين المعدَّليْن ، بمدى تداعي وتناقض موقف الحكومة  القائم على حجج واهية على الأقل من ناحية الشَّرعية، أما النقاش الذي يخص المشروعية، فهو في صف الأساتذة المتدربين دون شك،واكتفاءً بالجانب الأول أي جانب الشرعية، نقول بأن موقف الحكومة تٌعْوِزٌه الصَّلاحية الشرعية، لأن النص الذي تريد أن تحاكم به الأساتذة المتدربين، مٌصرَّة على تسميتهم بـ”الطلبة المتدربين”،  وهنا لا مجال للتحجج بالقول المأثور:”لامشاحة في الألقاب”، لأن التسمية سلطة، والأسماء تنصيب لذات لها حقوق وعليها واجبات و لها من جراء الاسم مكاسب أو خسائر.  ومناط افتقاد  موقف الحكومة للصلاحية من الزاوية الشرعية ، هو أنها هي ذاتها لم تٌوحٍّد التسمية في نص المرسوم المنظم للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بعد إدراج التعديلات بمقتضى المرسوم رقم 2.15.589 [الذي عدل المادتين23و30]، ونحن نكتفي بهذا المرسوم دون ذكر المرسوم 2.15.588، انسجاما مع الموقف الحكومي الذي يدفع بحجة نشر المرسوم الأول في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 غشت 2015 ، أي قبل اجتياز المباراة، إضفاء منه للشرعية على المباراة  وعلى ما يترتب عنها من نتائج، وكذلك – انسجاما مع نفس الموقف دائما- على فَرْضِ أن المرسوم المٌعدِّل الآخر[(2.15.588) بتغيير المرسوم رقم 2.02.854 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 ( 10 فبراير 2003)بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6402 الصادرة بتاريخ 24 ذو الحجة 1436 (8 أكتوبر 2015)] على الرغم من كونه قد نٌشر بعد إجراء المباراة وبداية التكوين، فإنه لا يطعن في مدى شرعية تلك المباراة ولا ما ترتب عنها، لكونه لا يٌعدِّل إلا مقتضيات لم يحصل من تٌسمِّيهم الحكومة بـ” الطلبة المتدربين” على الصفة التي تجعلهم خاصعين لها؛ أي أنهم لم يصِيروا بعدٌ موظفي وزارة التربية الوطنية. لنسلم بصحة ما تدفع به الحكومة،ولنقصر نظرنا على الأول من المرسومين (2.15.589)،فما الذي يمكن أن يخرج به القارئ العادي دون أن يكون فقيها في القانون، ولا سابرا لأغوار  التشريع؟

 إن الانطباع الأول، وما يفضي إليه الحد الأدنى من الفهم، الذي يؤكد القاعدة المأثورة التي تنص على أنه”لا أحد يٌعذر بجهله للقانون” ، هو أن الحكومة  بإقدامها على إصدار المراسيم المعدِّلة، لم تعمل في حقيقة الأمر إلا على زرع لغم الصراع والتنافي في المراسيم التي قامت بتعديلها،ولكي أقدم الدليل على ذلك، أشير إلى أن المرسوم رقم2.15.589 المشؤوم قوة و فعلا، ليس بالنسبة للأساتذة المتدربين والمدرسة العمومية فحسب، و لكنه كان مشؤوما أيضا بالنسبة للمرسوم الذي عدَّله أي المرسوم المحدث للمراكز(رقم2.11.672)، إذ أنه لما قضى بتقليص المنحة إلى النصف وفصل التوظيف عن التكوين، بمقتضى تعديل المادتين 23 و30، لم يٌعدل باقي المواد بما يتوافق مع هذا المنطوق، وهكذا نجد المادة رقم 24 من هذا المرسوم الأخير(الذي تم تعديله) تنص على ما يلي:

” يتلقى الأساتذة  المتدربون في هذه المسالك بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، تأهيلا تربويا لمهن التدريس، بالإضافة إلى تأهيل عملي في إطار التداريب الميدانية بمؤسسات التربية و التكوين و تأهيل تكميلي في مواد التخصص بناء على توصيف الكفايات.”

 وفي ذات السياق نجد المادة رقم 26 تنص على ما يلي:” يعتبر ناجحا كل متدرب استوفى جميع الشروط المنصوص عليها في القرار المنظم للتكوين في سلك تأهيل أطر هيئة التدريس”.

 وذات الأمر ينطبق على المادة رقم 36، التي جاء فيها:

” لا يسمح بالتكرار بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجميع أسلاكه. 

لو  ركنا حتى لحساب الجدات المٌسنَّات- مع كل التوقير لهن-،لوجدنا  أن مادتين طالهما التعديل، بينما المواد الثلاث التي قدمنا مضامينها تؤكد بأتمها، وبما لا يدع مجالا للشك ،على صفة أساتذة متدربين وبالتالي، فعلى السيد الخلفي أن يحترم  القوانين التي شرعتها حكومته

ويمكن السماح لأساتذة التعليم المدرسي المتدربين الذين قضوا فترة  التكوين ولم يتمكنوا من استفاء جميع مصوغات التأهيل باستدراك الوحدات أو المواد التي تعذر عليهم الاستفادة من التأهيل فيها في السنة الموالية”

 فما تنص عليه هذه المادة زيادة على صفة” أساتذة التعليم المدرسي المتدربين”، هو إمكانية استيفاء الوحدات في السنة التي تلي التكوين من قبل الأساتذة  المتدربين الذين لم يتمكنوا من ذلك خلال فترة تكوينهم، والأمر  الذي يقتضي قيامهم بذلك أثناء ممارستهم المهنية بمؤسسات تعيينهم، واستفادتهم حتى من المصاحبة على المستوى العملي في هذه المؤسسات.

 بعد هذا حتى لو تجاوزنا التنازع على مستوى التسمية، والذي لا يخرج عن أحد أمرين، إما أن الناطق باسم الحكومة وبالتالي الحكومة، تدافع عن مرسوم عدَّل المرسوم بالخطأ ، أو أنها تستخدم تسمية “طلبة متدربين” و”أساتذة متدربين” على سبيل الترادف، وبالتالي لا مجال للحديث عن تعديل، وما كانت هناك حاجة إليه من الأساس، إلا إذا  كان أشاوس “مٌشرعي” الحكومة  يمارسون ” التدريب” على تعديل المراسيم، و يتوجون ذلك بنشر ما تمخضت عنه ورشتهم التدريبية في الجريدة الرسمية، لذلك يبقى السيناريو الأقرب إلى الصحة، هو أن المشكل طٌرح على مستوى التفاوت بين المناصب المتوقعة من طرف قطاع وزارة التربية الوطنية وبين المناصب التي يقررها قانون المالية، إلى جانب الاعتبارات الخاصة بتيسير أمر القطاع الخاص و” تخفيف العبء”عن كاهله !!  خاصة مع اقتراب منع أساتذة التعليم العمومي من العمل به،  كل ذلك وقد أضيف إليه كسل الصيف، دفع إلى الذهاب رأسا صوب المادة 23 باعتبارها تنص على الأجرة بدل المنحة، والمادة 30 باعتبارها تركت مقدار منحة طلبة سلك التبريز بهذه المراكز غير محدد، كما لو أن  المبالغ  التي لم تكن تٌصرف إلا متأخرة فيما سلف من سنوات، منذ أن صدر المرسوم المحدث للمراكز، وبعد أن يكون صرفها تتويجا لجولات مارطونية من احتجاج الأساتذة المتدربين، هي التي عمقت من عجز الميزانية ! فجعلت” تحديقة” “العين المٌشرِّعة” أو بالأحرى ” المتسرعة”، تٌصوِّبٌ سهام تعديلها إلى المادتين الخاصتين بالأجرة بالنسبة للأساتذة المتدربين، والمنحة بالنسبة لطلبة التبريز. ولم تفكر هذه العين الحولاء، أن تسدد نظرها “التشريعي” الذي يعوزه السداد إلى إصدار نصوص  منظمة أخرى تشبع الفراغ التشريعي لهذه المؤسسات، الذي يفتح المجال لخطوط الهواتف بدل “خط التشريع”(الكلمة الفرنسية droit تدل على الخط المستقيم في بعدها الاشتقاقي الأول !)، ويجعل كل شيء نهبا للانتظارية القاتلة والمشؤومة لـ” فتاوي أصحاب الديار” في الرباط !، أو في أحسن الأحوال للعٌرف. كما كان حريا بها كذلك أن تصدر ما يٌنظم عمل الأساتذة المرشدين، ويوفر لهم من الحوافز ما به يضمنون جودة التدريب الميداني “للأساتذة المتدربين”، باعتباره التجسيد الحقيقي لما يسمى بالتكوين بالتناوب، أو ما يحلو لعٌدة التكوين” المٌفَارِقَة/ المٌفَارَقَة ”  تسميته بـ” عملي – نظري- عملي”، وليتم تجنيب الأساتذة المتدربين الخروج  على بساط ” الرغيب وطريح العار !!” من قبل الإدارة والأساتذة المكونين لكي يتم توفير فضاء يفترض أن يحتضن 60 بالمائة من زمن تكوينهم.

لو ركنا حتى لحساب الجدات المٌسنَّات- مع كل التوقير لهن-،لوجدنا  أن مادتين طالهما التعديل، بينما المواد الثلاث التي قدمنا مضامينها تؤكد بأتمها، وبما لا يدع مجالا للشك ،على صفة أساتذة متدربين وبالتالي، فعلى السيد الخلفي أن يحترم  القوانين التي شرعتها حكومته، هو والسيد الأزمي، وأن ينطق بصفة “أساتذة متدربين”، بالفم ” المليان” كما يقول الأشقاء المصريون، لا أن يواري عورة حكومته التشريعية في آخر تصريح له كناطق رسمي باسم الحكومة قائلا: ” ما يسمى في الإعلام بالأساتذة المتدربين”، لا أيها السيد الوزير:” هم أساتذة متدربون” بحكم ثلاث مواد من المرسوم الذي عدلتموه بمرسومكم المشؤوم، بتسرع، ودون اعتماد المقاربة التشاركية وبإصراركم على حصر استشارة المعنيين في سفاسف القضايا، وعَصْب أعينهم عن الجوهري منها، بحيث جعلتم منطوق المرسوم اليتيم في التِّرسانة الجديدة للتكوين في مجال التربية والتكوين ينافي ذاته، إن حكومتكم حكومة ألغام مضادة للانسجام التشريعي، تزرع في طيات النصوص ما ينسف شرعيتها ومشروعيتها في آن. وتحارب الاتساق حتى بين مواد النص الواحد فما بالك بالاتساق والانسجام القانوني والشَّرْعي بين العديد من النصوص، وأسفاه على أن حكومة كهاته، يوكل إليها في الزمن الحاسم من الانتقال، أن تٌنزِّل المقتضيات الطموحة والتي عليها تعلق الآمال لدستور2011، إن هذا المرسوم الذي تم تعديله، والذي لا يتجاوز عدد مواده40 مادة بالتمام والكمال، يبرز السبب الكامن وراء الضعف التشريعي المهول الذي تعانيه الحكومة في تنزيل مقتضيات  الدستور الجديد، والأنكى من ذلك يظهر لماذا عٌزل قاض بمثل كفاءة ونزاهة القاضي الهيني في عهد هذه الحكومة، فشكرا للأساتذة المتدربين  لأنهم سلطوا ضوء الحق على هذا السبب، وإذا ظهر السبب بطل العجب، لكن ظهور السبب إن كان يٌبْطل العجب، فإنه لا ينبغي أن يوقف الاحتجاج بل ينبغي أن يكون مناسبة للصدع بالحق  ومساندة المدافعين عنه و لو في رجب !!!