
مسئولية المثقفين و المثقفات في مناهضة إيديولوجية و أشكال التطرف ...

في ضوء نداء فرع المغرب “منظمة العفو الدولية” الهادف إلى توحيد المثقفين والمثقفات المغاربية ضد التطرف بكل أنواعه، نعود مرة أخرى إلى موضوع المثقف الديمقراطي و المثقفة الديمقراطية و مسئولياته تجاه شعبه و مجتمعه. و لن نكل و لن نمل من طرح إشكالية المثقفة المغربية و المثقف المغربي و وضع الثقافة المغربية.
آراء أخرى
و ما يهمنا هو صمت وتشتت المثقفون الديمقراطيون..
نعتقد أن مثقفي المغرب يندرجون ضمن توجهات كبرى أهمها:
– مثقفون و مثقفات فقدوا الرؤية الثقافية النقدية لصالح رؤية براغمانية مبررة للواقع الثقافي و بالتالي انخرط في مشروع الدولة التسلطية التي تعتبر أنها هي القادرة و التي تمتلك وحدها حق و شرعية التفكير و تدبير شئون المجتمع و تملك سلطة فرض مشروعها الثقافي و السياسي بأساليبها.
– مثقفون و مثقفات انعزلوا في ذاتهم و مصالحهم بل و في انتهازيتهم و لم يعد يهمهم الواقع الثقافي للشعب. و بالتالي كيف سيكون شعب و مجتمع مثقفوه ذاتيين إلى حد القرف. وانتهازيين إلى حد النذالة، في حين أن فئات شعبية و أبنائهم و بناتهم و نخب تعليمية مستلبون بإديولوجة إسلاموية و ثقافة تقليدية ميتة و محنطة.
– مثقفون و مثقفات ديمقراطيون، قليلون عدديا مؤثرون بمواقفهم الديمقراطية الجريئة، يناضلون رغم حصار النسق السياسي السائد و نخبه و رغم هجوم الحركات الإسلاموية و شيوخها، من أجل تحقيق ثقافة ديمقراطية مواطنة في مجتمع المغربي.
وضع شتات المثقفين و المثقفات الديمقراطيين و ضعف حضور نضالهم الثقافي في مجتمعنا ليس سوى نتيجة لاستقالة مثقفين، يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين و يساريين، من الشأن العام الثقافي الشعبي و عدم مواجهتهم بالممارسة الثقافية الملموسة استبداد النسق الثقافي السياسي السائد و إيديولوجيات و ممارسات التطرف.
أليس هذا الوضع نتيجة لاستقالة جل المثقفين الديمقراطيين و اليساريين من مسئولية مواجهة جماعية متضامنة و ممنهجة و مستمرة للفكر الإسلاموي المتطرف و للفكر المخزني المتخلف الذي انتشر بين شبابنا و شاباتنا و أصبح سائدا في المجتمع؟
لقد أصدر فرع المغرب لمنظمة العفو الدولية نداءا موجها للمثقفين لتشكيل جبهة ثقافية ضد التطرف. و بدل أن يجعل المثقفون الديمقراطيون من هذا النداء حدثا ثقافيا وطنيا يتوحدون فيه حول قضايا و مهمة ثقافية نبيلة و يقومون بدور ثقافي تاريخي تنويري تجاه شعبهم نتمنى أن يتبلور وعي جماعي متضامن بين المثقفين و المثقفات الديمقراطيين المغاربة الذين يعتبرون لتجاوز الحسابات الضيقة والانعزال و الفردانية للانخراط في حركة ثقافية ديمقراطية متنوعة و متضامنة لمناهضة التطرف والإرهاب بمختلف أشكاله .
خلال نهوضها النضالي الديمقراطي الجماهيري كشفت نضالات حركة 20 فبراير موقف هؤلاء المثقفين و المثقفات، الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين كبارا، كيف أداروا ظهرهم لنهوض النضال الديمقراطي الجماهيري لحركة 20 فبراير و كأن هذا الحدث التاريخي لم يحدث في المغرب، بل و يستعدلون نهايته!! و قد حاول جزء من هؤلاء المثقفين ان ينقذوا ماء وجههم فأصدروا متاخرين بيانا عاما.. رغم أنه من المفترض في المثقفين أن تكون لهم رؤية استشرافية و مستقبلية إلى أين يسير الصراع الديمقراطي تأسيسا على تحليل ملموس لثقافة و وعي الشعب و رفضه للعنف و الإرهاب.
و رغم ذلك ظرفية نهوض حركة 20 فبراير و انخراط مثقفين و أغلب النخب السياسية و النقابية في خطة النظام السياسي (خطاب 9 مارس و برنامجه)، لا بد من الاعتراف لعدد قليل جدا من المثقفين و المثقفات الديمقراطيين و اليساريين الملتزمين في تنظيمات اليسار الراديكالي أو الغير ملتزمين بوموقفهم الشجاع الذي أعلنوه مساندا لحركة مساندة لنضال حركة 20 فبراير و استجابوا لأنشطتها و ندواتها.
2
إن مسئولية المثقف و المثقفة تجاه شعبه تتلخص في العمل على بلورة و تنوير الوعي و السلوك الاجتماعي الشعبي بتسليحه بالثقافة الديمقراطية و بثقافة نقد واقع التخلف الثقافي و الاجتماعي و بمعرفة علمية لأسباب هذا التخلف و بإقناعه بثقافة الاختلاف و بفضيلة المساواة و التشبث بالكرامة.
يمكن أن نتفهم أو نجد مبررا، إلى حد ما، لعدم أو لضعف الالتزام العضوي لأغلب المثقفين بالمغرب بالنضال الثقافي ضد الاستبداد و الفساد و الفكر الأصولي الإسلاموي لمدة عقود خلال مرحلة القمع المعمم في عهد الملك الحسن الثاني رغم أنه لا يمكن فهم و تبرير أن يمارس المثقف الديمقراطي رقابة على رأيه و موقفه في قضايا الشأن العام خوفا من القمع أو خوفا على مصالحه. إذ في عز الاستبداد الذي ساد طيلة سنوات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، عبر مثقفون و مثقفات من اليسار و الحركة الإسلاموية عن موقفهم الجريئة بل و مارسوها و تحملوا القمع و الاختطاف و السجن الذي واجههم به النظام السياسي آنذاك.
و اليوم، رغم أن هامش حرية التعبير اتسع نسبيا، نلاحظ غياب و ضعف نضال المثقف الديمقراطي من أجل بناء و ترسيخ مجتمع الثقافة الديمقراطية في المغرب. و بالتالي ترك هذا الغياب طيلة عقود مساحات عريضة فارغة في وعي و ثقافة الفئات الشعبية، استغلتها إديولوجيات التطرف المتأثرة بتواتر و نمو الحركات الإسلاموية و الفكر الوهابي و الإخواني في المشرق العربي، لنشر ثقافة و فكر الكراهية و اللا تسامح المناقضين جذريا لثقافة الديمقراطية و حقوق الانسان و تحرر المرأة و لكل ما هو عقلاني تنويري.. بل و طال هذا الفكر حتى مجال التعليم و أطره بهدف مناهضة الثقافة و المعرفة العقلانية و العلمية. و أصبحت الثقافة و الفكر الأصوليين متنفسا لمن يعيشون أوضاعا اجتماعية متخلفة ثقافيا و فقيرة معرفيا و مزرية معيشيا.. و بدأت منذ بداية ثمانينات القرن الماضي تسود في الأوساط الشعبية ثقافة إسلاموية أصولية و تعتبر أن “الإسلام هو الحل” و هو شعار رفعته جماعات الإخوان المسلمين في مصر عملا بفكر سيد قطب. و تأسست جماعات و إطارات دينية.. وبرزت عودة متواثرة للمرجعية الدينية حتى بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية التي تعتبر نفسها “ديمقراطية” و “ليبرالية”. و ظهرت العديد من الجمعيات الدينية و دور القرآن تستمد بالنظر لضعف و لعجز الفاعلين السياسيين على تأطير المواطنين ثقافيا و سياسيا ، مما مكن الحركات الإسلامية من التوسع خلال العقود الثلاثة الماضية و وفر شروط توسع فكر و إديولوجية “جماعة العدل والإحسان” بالموازات مع مجموعات الإسلاموية سلفية متطرفة فكريا و سياسيا و اجتماعيا.
3
و لم يجد النظام السياسي في المغرب أمام هذا الانتشار سوى رفع و العمل بشعار “خصوصية إسلام مغربي” يلخصها في إمارة المؤمنين و النسب الشريف و المذهب المالكي. و قام النظام بالتحكم في الفتوى بتنظيمها من خلال إعادة تنظيم و هيكلة الحقل الديني و مأسسة جديدة “للمجلس العلمي” الإسلامي و التحديد الصارم لوظائفه و وظائف العلماء ومحاصرة المبادرات المستقلة في مجال الإفتاء و إقامة مجالس علمية لها اختصاصات محددة لا تتجاوز سلطة إمارة المؤمنين الدينية و تأخذ بالاعتبار مؤسسة القضاء أو المصالح الإدارية و الاقتصادية. كما تمت إعادة تنظيم و ضبط التعليم الديني حيث قامت السلطية الدينية في المغرب بإعادة هيكلة المدارس الدينية العتيقة والكتاتيب القرآنية و حاصرت الحركات التي تنافسها في الحقل الديني بحصار “جماعة العدل و الإحسان” و مرشدها و أغلقت دور القرآن التي أنشأها عشوائيا المغراوي بفضل غض طرف السلطة الدينية آنذاك.
و في نفس الوقت تم تشجيع تنظيم الزاويا و بذل الهبات لها خلال إقامة مواسمها و توثيق الصلة بها و رعايتها و مراقبتها.. مما مكن هذه الزوايا و الدعاية لها من طرف وسائل الإعلام السمعي البصري و متابعة أنشطتها و إعداد برامج تلفزية مستمرة للتعريف بها و نشر انشطتها. و قد تمكنت هذه الزوايا من ممارسة دور ثقافي وفكري و إقامة مواسم و ندوات على هامشها بل و تشجيع البحث في الزوايا داخل الجامعات المغربية.
كما قامت السلطة السياسية المغربية بالتحكم و بتسهيل تأسيس أحزاب و إطارات سياسية على أسس دينية رغم أن الدستور يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو جهوية، فهي، أي السلطة السياسية، تعي جيدا أن الحركات الإسلاموية، و هي حركات إديولوجية أساسا، تعمل على تقليص و قضم الصلاحيات الدينية، و من ثمة السياسية، للمؤسسة الملكية. و بالتالي عملت و تعمل السلطة السياسية على ترويض و فبركة، عبر النخب الإسلامية المخزنية من داخل و من خارج هذه الحركات الإسلامية، إطارات “سياسية” إسلامية موالية. و هذه الصيرورة في إخضاع النخب السياسية و الإيديولوجية هي التي أنتجت حزب العدالة و التنمية ( و إطاراته التوحيد و الإصلاح، العصبة االإسلامية، الإصلاح والتجديد، الوعي و التضامن) الذي مهد له الحكم السياسي الطريق لولوج الحقل السياسي الرسمي و تمهيد ولوجه إلى الحكومة في ظرف سياسي كانت في حاجة حيوية لهذا الاختيار.
يتحمّل المثقف الديمقراطي نصيبا من المسؤولية في ما آل إليه وضع الفئات الشعبية من ضعف و غياب وعيها الديمقراطي الذي يجعلها تتقبل سيطرة الفكر والأصولي و التكفيري بسهولة و خطاب مشايخه على هذا المستوى بالذات و الذين لا يترددون في تهديد و تكفير عدد من المثقفين بل و حتى قادة سياسيين
4
أصبح المجتمع المغربي مهدّدا في كليته، بمعناها المصاغ في العلوم الاجتماعية، سيما بعد كارثة انفجار الإرهاب باسم الإسلام يوم 16 ماي 2003 في عدة أماكن في مدينة الدار البيضاء.. و تشكل نخبة من مشايخ السلفية الوهابية في المغرب و توسع الإديولوجية الأصولية التكفيرية وسط فئات شعبوية تعيش في أحياء الهامش و أحزمة الفقر.
و يتحمّل المثقف الديمقراطي نصيبا من المسؤولية في ما آل إليه وضع الفئات الشعبية من ضعف و غياب وعيها الديمقراطي الذي يجعلها تتقبل سيطرة الفكر والأصولي و التكفيري بسهولة و خطاب مشايخه على هذا المستوى بالذات و الذين لا يترددون في تهديد و تكفير عدد من المثقفين بل و حتى قادة سياسيين.
نطرح مسئولية المثقف/المثقفة الديمقراطي المغربي في ضوء ما يحمله المثقفون من مسئولية كبيرة لتغيير مجتمعاتهم و الانتقال به من تخلف الوعي و من ثقافة الاستبداد و الخضوع إلى ثقافة الديمقراطية و الحرية.
غير أنه، وحتى لا نسقط في نظرة اختزالية، من المهم النظر بعمق إلى السياق الذي تحرّك فيه المثقف المغربي و التي جعلته مفصولا عن الفعل في وعي و في واقع الشعب. إذ مر المغرب خلال مرحلة حكم الحسن الثاني باستبداد شامل و حصار شامل للعقل النقدي و فبركة إطارات و مؤسسات ثقافية و اجتماعية و سياسية كان جورها بالضبط هو اغتيال الوعي و الفكر النقدي و الديمقراطي في مجالات تحرك و نشاط المثقف كما تم تشتيت النقابات والأحزاب واالتحكم الصارم في الإعلام التلفزي. و وجد مثقفون و مثقفات حاملين لمشروع ثقافي وطني ديمقراطي أنفسهم محاصرين و معزولين في فضاءات و مجلات و إطارات ضيقة مفصولة عن الفعل في وعي الشعب و سلوكه.
جرى ذلك في زمن كان وعي المجتمع المغربي الجمعي و وعي المواطن/المواطنة في حاجة إلى المثقف الديمقراطي و للثقافة المدنية الجديدة و في حاجة إلى فكر نقدي و مشروع التغيير الديمقراطي. و هو ما أعاق انبثاق وعي ديمقراطي جمعي في المجتمع المغربي و سادت ثقافة النفعية و المصلحة الفردية و الانتهازية و الزبونية.أصبح أغلب المثقفين يجارون الواقع الثقافي و “يناضلون” لمصالحهم الشخصية.
و ليس تعسفا إن أكدنا أن المثقفين الديمقراطيين فعلا الذين يعتبرون أن البلاد لم تبدأ فيها بعد صيرورة ديمقراطية حقيقية يعانون في المغرب كما تعاني الطبقات الشعبية المغربية من الإقصاء و التهميش السياسي. و هذا الوضع المشترك، الإقصاء من القرار السياسي، هو الذي يفترض أن يصبح هولاء المثقفون مثقفين ذيمقراطيين عضويين مرتبطين عضويا بالطبقات الشعبية.
إن الطبقات الشعبية هي الطبقات الأكثرحاجة إلى الديمقراطية و الحرية و المغرفة العلمية و الوعي النقدي للمساهمة الفاعلية لتجاوز التخلف الاجتماعي و الثقافي و التحرر من مظاهر الاستبداد و الفساد الذي تعانيه في حياتها اليومية. و وضع التخلف الاجتماعي بجميع أبعاده الثقافية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية الذي تعانيه الطبقات الشعبية و طموحاتها المشروعة هو الذي جعل نضال شباب حركة 20 فبراير يلقى دعما شعبيا جماهيريا كبيرا و غير مسبوق في الحياة السياسية المغربية. لكن مع الأسف لم يلقى إلا دعم و مشاركة المثقفين و المثقفات المنتمين لفصائل اليسار الراديكالي و مشاركة جماعة العدل و الإحسان، قبل أن تتخلى هذه الأخيرة (أي جماعة العدل و الإحسان) عن نضال حركة 20 فبراير و يساند بعض مريديها جماعة العدالة و التنمية في انتخابات 25 نوفمبر 2011.
و القضية و المهمة المستعجلة هي تنظيم الوطن بسيادة ثقافة وطنية ديمقراطية بتعددها، بتنوعها، وبتعايشها، مندمجة في اختلافها متحاورة، موحدة للشعب المغربي و لتصور وجوده المشترك من جهة و من جهة ثانية بسيادة المساواة أمام القانون. و هي مهمة موكولة للنخب المثقفة الوطنية الديمقراطية. المثقفون و المثقفات الوطنيون الديمقراطيون لهم مهمة ثقافية و سياسية وطنية ديمقراطية هي تشكيل الوعي و الضمير الديمقراطي للشعب و تربية سلوكه المدني الضابط لعلاقاته الاجتماعية و الإنسانية عبر بلورة الثقافةالتي تشكل وحدته الوطنية المتجادلة مع الثقافات الإنسانية الديمقراطية. و بالتالي المثقفون الديمقراطيون ليست لهم شرعية تمثيل نخبة الشعب و اعتبار أنفسهم مثقفوه إلا بالتعبير عن طموحاته للديمقراطية و للحرية و للعدالة الاجتماعية و للمساواة. و هي مهمة لن تتحقق بممارسة ثقافية نخبوية و منهدية عمل من فوق عبر مؤسسات الدولة و السلطة، بل هي مهمة لن تحقق هدف إكساب الشعب الوعي الديمقراطي و الممارسة و السلوك الاجتماعيين الديمقراطيين إلا بممارسة الشعب نفسه للثقافة الديمقراطية.
و مع الأسف أن أغلب المثقفين و المثقفات المغاربة الحاملين لثقافة ديمقراطية، باستثناء فئة متقلصة جدا و استثنائية، يشتغلون بدون خلفية اجتماعية و بدون هدف اجتماعي ملموس موجه إلى الفئات الاجتماعية الشعبية رغم ان أغلبهم ينتمي اجتماعيا إلى فئات اجتماعية شعبية و يمارسون أنشطتهم الثقافية بانفصال عن الفئات الاجتماعية الشعبية التي يزعمون أنهم أبدعوا إنتاجاتهم الثقافية و الفنية لهذه الفئات.
إن واقع انفصال المثقف الديمقراطي عن الفئات الشعبية وَلـَّـدَ لدى هذه الأخيرة شعورا بأن هذا المثقف الديمقراطي انسحب ثقافيا و سياسيا من واقعه و من وعيه. و هذا ما يفسر التوجه العفوي لهذه الفئات الشعبية في أحياء شعبية في المدن، بالنظر لوعيها العفوي و لضعف وعيها الديمقراطي و فقر ثقافتها الديمقراطية، نحو مساندة جماعة “العدالة و التنمية” و “جماعية العدل و الإحسان” و باقي الحركات الإسلاموية و خصوصا المتطرفة منها في المدن، أو مساندة قوى و نخب و أعيان مخزنية تقليدية في البادية.
ورغم ذلك فإننا نعتقد أن الفئات الشعبية لا تساند، عن وعي واختيار واعي مرتبط بمصالحها الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، المشروع الغير معلن للحركات الإسلاموية المتمثل في أسلمة المجتمع المغربي و السياسة، بل تساند فقط نفسها و أملها في أن تتغير أوضاعها.
5
أكد ذلك طوكفيل في كتابه “النظام السابق و الثورة” سنة 1856 حيث أوضح “كيف في منتصف القرن الـ 18 رجال الأدب أصبحوا رجال السياسة الرئيسيين للبلد و الآثار المترتبة عن ذلك”.. و كان للمثقفين (كتاب و كاتبات، فنانين و فنانات، مفكرين و مفكرات) الحاملين للأفكار الثورية و الجديدة تأثير حاسم في تطور عدد من شعوب العالم إلى حد أن رجال السياسية و الأنظمة تناهضهم و و لا تستسيغهم. لكن في المغرب يقع العكس، فإن الدولة هي التي تفبرك مثقفيها على وفق تصورها السياسي و الإديولوجي و الاقتصادي و الثقافي. و تلعب مؤسساتها السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية دورا حاسما في تدجين المثقفين حتى ولو تكونوا في معارضة النظام السياسي و أمضوا عقود في المعارضة.
لقد جعلت السلطة السياسية من التلفزة جهازا إعلاميا محتكرا من طرف المؤسسة الملكية و الحكومة و مؤسسة البرلمان و الحيز المتبقي يرصد لبرامج الترفيه الغنائي و الفلكلوري و الأحداث التاريخية الماضية. البرنامج الثقافية و السياسية التنويرية التي تنشر ثقافة الديمقراطية و حقوق الانسان و السلوك المدني لا تحوز إلا على نسبة مئوية ضئيلة من البث التلفزي. و نضرب مثلا المرأة المغربية لا تحتاج فقط لبرنامج يدوم لساعات كل صباح لتتعلم كيف تتزين و تلبس و تزين منزلها و تطبخ.. مع أن هذا البرنامج موجه خصوصا للمرأة المتعلمة و لها مستوى اجتماعي لا بأس به. المرأة المغربية بجميع فئاتها الاجتماعية في حاجة ملحة إلى وعي ديمقراطي و سلوك مدني و حقوق مواطنة كاملة.
هذا ما يجعل الدولة و حكامها مسئولين كذلك عن تخلف و أصولية ثقافة المجتمع و الفئات الشعبية العريضة من الشعب.. و لم تنفع في هذا الواقع ما قامت به “هيئة الانصاف و المصالحة” لتجاوز هذا الواقع واقع تخلف الوعي الديمقراطي في مجتمعنا بالنظر للخراب الذي أنتجته مرحلة طويلة من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان طالت أساسا وعي الشعب المغربي كما طالت بشكل أساسي المثقف الديمقراطي الذي يرفض الخضوع لسلطوية و لثقافة المخزن و إيديولوجيته.
بالنسبة للسلطة السياسية و نخبها يتوفر الشعب المغربي على هوية وطنية تأسست منذ إدريس الأول إلى الآن شكلت تقاليد المغاربة و طريقة حياتهم و تضامنهم الاجتماعي و فلكلورهم المتنوع. و نعتقد أن هذا التصور غير كاف للقول أن الشعب المغربي متشكل سياسيا.
تعتبرالسلطة السياسية و نخبها، و لا يملون من ترديد ذلك في خطابات تتكرر و لا تبدع، أن الشعب المغربي يتوفر على هوية وطنية تأسست منذ إدريس الأول إلى الآن شكلت تقاليد المغاربة و طريقة حياتهم و تضامنهم الاجتماعي و فلكلورهم المتنوع. و نعتقد أن هذا التصور غير كاف للقول أن الشعب المغربي متشكل سياسيا. لقد عرف تاريخ الشعوب التي تحررت مثقفين اصبحوا أهم النشطاء و القادة السياسيين من أجل الثورة على الظلم و المساواة و الديمقراطية و الثورة.
و ليس جديدا التأكيد على أن الدولة و السلطة السياسية في المغرب و نخبها المخزنية، و من ضمنها حزب الاستقلال، منذ سبعينات القرن الماضي، مارست سياسة في المجال التعليمي و الثقافي، مع سياسة التعريب العشوائية، إفراغ مقررات التعليم من الفلسفة العقلانية النقدية و من الفكر النقدي و الثقافة النقدية و أولت للتقافة التقليدية الذاعنة و للزوايا و لما يسمى بالتعليم الأصيل أهمية كبرى. مما جعل بعد ذلك، و منذ الثمانينات، حجب عن وعي أجيال شباب منذ ثمانينات القرن الماضي، بفعل عدم تملكها للغات الأجنبية الفرنسية و الأنجليزية و الإسبانية، الثقافة العقلانية و التنويرية و جعله يتقوقع في الفكر التقليدي الأصولي.
و تولد عن انفصال المثقف الديمقراطي عن الفئات الشعبية شعور بأن هذا المثقف انسحب ثقافيا و سياسيا من واقعه و بالتالي يمكن تفسير التوجه العفوي لهذه الفئات الشعبية نحو مساندة جماعة “العدالة و التنمية” و “جماعية العدل و الإحسان” و باقي الحركات الإسلاموية بالنظر لوعيها العفوي و لضعف وعيها الديمقراطي و فقر ثقافتها الديمقراطية.
و الشعب يتحرك لأنه يشعر يوميا في حياته أنه منسي و محتقر و ممحي و يشعر أن المثقفين الديمقراطيين لا يعيرونه أي اهتمام بل لا يشعرون به.
الدولة مسئولة.. التلفزة محتكرة من طرف المؤسسة الملكية و الحكومة و مؤسسة البرلمان و الحيز المتبقي يرصد لبرامج الترفيه الغنائي و الفلكلوري و الأحداث التاريخية الماضية. البرنامج الثقافية و السياسية التنويرية التي تنشر ثقافة الديمقراطية و حقوق الانسان و السلوك المدني لا تحوز إلا على نسبة مئوية ضئيلة من البث التلفزي. و نضرب مثلا المرأة المغربية لا تحتاج فقط لبرنامج يدوم لساعات كل صباح لتتعلم كيف تتزين و تلبس و تزين منزلها و تطبخ.. مع أن هذا البرنامج موجه خصوصا للمرأة المتعلمة و لها مستوى اجتماعي لا بأس به. المرأة المغربية بجميع فئاتها الاجتماعية في حاجة ملحة إلى وعي ديمقراطي و سلوك مدني و حقوق مواطنة كاملة.
6
لقد أضاع المثقفون الديمقراطيون الذين يحترمون الشعب و يحملون همومه الثقافية و الاجتماعية و السياسية و يطرحون أن التخلف الاجتماعي و الثقافي ليس قدرا و أن تجاوزه مرتبط بإرادة الشعب و نخبه الديمقراطية و بالإرادة السياسية للحاكمين، لقد اضاعوا عدة منعطفات تاريخية لبناء تيار ثقافي ديمقراطي يتجاوز يتجاوز بوعي نقدي الانقسامات الإديولوجية و السياسية دون السقوط في منطق البراغماتية..
و لا شك في أن مبادرة نداء الفرع المغربي لمنظمة العفو الدولية و نداءات عبد اللطيف اللعبي يمكن أن تشكل منعطفا ثقافيا ديمقراطيا لتجاوز أزمة الثقافة الديمقراطية و فتح آفاق واسعة للمثقفين و للمثقفات الديمقراطيين للاضطلاع بمهامهم الثقافية التحديثية و التنويرية الديمقراطية تجاه المواطن و المواطنة و المجتمع.
و بالتالي لا بد للمثقفين الديمقراطيين المغاربة الخروج من قوقعتهم و عزلتهم و العمل الموحد من أجل بلورة و بناء تصور ثقافي ديمقراطي شامل يجيب على إشكالات التنوع الثقافي و الاجتماعي و المجالي للشعب المغربي و فتح نقاش وطني من أجل نهضة ثقافية وطنية ديمقراطية منفتحة على الثقافات العالمية و متجادلة معها، تصور يوحد الفعل الثقافي و يحترم اختلاف و تنوع الرؤى الثقافية الديمقراطية.
كما أن خلق هذه الدينامية الثقافية ستمكن المثقفين و المثقفات من الانخراط في العمل الجماعي إطلاق برامج مختلفة يمكن أن تتمثل في:
– خلق جامعات شعبية مستمرة طيلة السنة التي تعيد الاعتبار لدور المثقفين و الجامعيين المبدعين و لإبداعاتهم الديمقراطية الفكرية و الثقافية و العلمية.
-إعلاء شأن دور الفكر و المنتوج الثقافي و الفني في تقدم الوعي و السلوك الاجتماعي و الارتقاء بهما إلى وعي و ممارسة اجتماعية ديمقراطية.
– تثمين تجارب الفعل الثقافي للمرأة الشعبية داخل البيت و خارجه في المدينة و البادية و الارتقاء بوعيها الثقافي الإنساني و الديمقراطي لتتجاوز أسباب التخلف الثقافي و الانخراط في تقدم دور المرأة في الأنشطة الثقافية.
– الاهتمام بالثقافة الأمازيغية وفق استراتيجية الارتقاء باللغة الأمازيغية كلغة وطنية و إقرار سياسية النهوض و تحيين الثقافة و الفن الأمازيغي الرمزي و المادي بجميع أبعاده المعيشية و الإنسانية مع الحرص على منهجية التمازج و التكامل الأمازيغي العربي الإفريقي و تنظيم أنشطة و برامج ثقافية في الأحياء الهامشية و الشعبية و للمناطق النائية و المهمشة.