قد يقال: إن طرح السؤال بهذه الصيغة يحمل دلالة خادعة توهم القارئ بأن أغلب المغاربة يتفقون مع ضرورة إلغاء هذا الفصل المثير للجدل… أعترف أن هذا الإجماع غائب تماما، واستعمالي لعبارة ” مثير للجدل” يدل على أن الموضوع لم يحرز أي توافق يمنحه مشروعية شعبية من شأنها الضغط في اتجاه أجرأة مطلب الإلغاء، بل إني أزعم أن أغلب المغاربة مع الإبقاء على هذا الفصل لا مع إلغائه. ومع ذلك فإن طرحي السؤال بالصيغة أعلاه له ما يبرره. فالفصل 222 ينبغي أن يسقط من القانون الجنائي لعدة اعتبارات.

 إذا تم استطلاع آراء المغاربة بشأن الموضوع، فإني أكاد أجزم أن النسبة الغالبة منهم ستدافع عن الإبقاء على هذا الفصل، وذلك لأن الدين يحتل مساحة واسعة في وعيهم الجمعي، وكل ما يرتبط بالشأن الديني يثير لديهم حساسية خاصة تدغدغ مشاعرهم وتثير وجداناتهم. فإذا سألنا المغاربة مثلا عن موقفهم من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، سنجد أغلبهم يرحبون بالفكرة، بل ويدافعون عنها، حتى ولو لم يكونوا ملتزمين بالمعنى الحقيقي الذي يقتضيه مفهوم التدين. وحتى لا يكون هذا الكلام مجرد استنتاج افتراضي، أحيل القارئ الكريم على دراسة حول الدين والسياسة في شمال إفريقيا أعدتها ونشرتها مؤسسة ” سيجما كونساي” التونسية خلال شهر ماي الماضي، حيث أبدى 54,9 في المئة من عينة المستجوبين المغاربة في الإستطلاع رغبتهم في إقرار الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع، ولهذه النسبة المرتفعة ما يبررها، لأن الأمر يتعلق بعلاقة وجدانية بالدين لها تأثيراتها النفسية والإجتماعية على سلوك الأفراد ومواقفهم. ومع ذلك فإن تمثلات المغاربة عن “الشريعة الإسلامية” التي يتوقون إلى إقرارها تتجلى في قيم العدل والأمن والمساواة – بالمعنى الذي أسست له تجربة عمر بن الخطاب – لا في شريعة السبي والرجم وقطع الأيادي.

الفصل 222 إذن، بالإضافة إلى تناقضه الصريح مع مجموعة من الإلتزامات الحقوقية التي وقع عليها المغرب في ما يتعلق بالحريات الفردية يمنح الغطاء القانوني لبعض الممارسات غير القانونية التي تصدر عن بعض المواطنين…

بالعودة إلى موضوع الفصل 222، يبدو أن الأمر يتعلق تحديدا بهذا الإرتباط الروحي للمغاربة مع الدين، ذلك أنه من الواضح أن الهاجس الأمني هو الذي كان وراء صياغة هذا الفصل الذي نقرأ في تفاصيله ما يلي:

” كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي دون إذن شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 12 إلى 120 درهما.” ( حسب التعديلات الأخيرة أصبح الحد الأدنى للغرامة الجنحية هو 200 درهما).

هذا الفصل يندرج ضمن الباب الثاني المخصص في القانون الجنائي للجنايات والجنح الماسة بحريات المواطنين وحقوقهم. وهذا الوضع يجعل الفقرة القانونية المذكورة في وضع تناقض صريح مع مطلب حرية الأفراد وحقوقهم، فقد اعتبر المشرع الإفطار العلني في رمضان بمثابة اعتداء على حرية الأفراد، لأن في هذا السلوك استفزازا للصائمين، لكنه في المقابل يسلب من الفرد ( الذي يريد الإفطار) حرية التصرف. خطورة هذا النص تظهر عند تفعيل مضامينه واقعيا. فالحديث عن إذن شرعي يمنح للمواطن حق الإفطار العلني، هو بمثابة إقرار صريح بمحاكم التفتيش الدينية التي تراقب سلوك الناس وتصادر حرياتهم، ثم إن الصيغة القانونية المذكورة فتحت المجال أمام سلوكات إجتماعية بدأت تظهر في السنوات القليلة الأخيرة في “قضاء الشارع”، حيث أصبحنا نشهد بعض الممارسات الخطيرة التي تضيق على حرية الناس في اللباس والسلوك من طرف بعض الأفراد الذين ينصبون أنفسهم وكلاء على إيمان المغاربة، ويريدون فرض تجربة هيئات” النهي عن المنكر” في بلادنا. وقد شهد رمضان هذا العام عددا من الحالات التي يتدخل فيه هؤلاء “الوكلاء” في شؤون الناس ويصادرون حرياتهم وينتهكون خصوصياتهم. من قبيل ذلك ما حدث قبل أيام قليلة لشاب في الرباط عندما تعرض للعنف من طرف مجموعة من الأشخاص بسبب شربه الماء نهارا، ليتبين بعد ذلك أنه مريض بالسكري ولا يمكنه احتمال مشقة الصيام. لكن السؤال المطروح هو: ما مصير الذين عنفوا هذا الشاب بعد ثبوت ” الإذن الشرعي” الذي يسمح له بالإفطار؟.

الفصل 222 إذن، بالإضافة إلى تناقضه الصريح مع مجموعة من الإلتزامات الحقوقية التي وقع عليها المغرب في ما يتعلق بالحريات الفردية يمنح الغطاء القانوني لبعض الممارسات غير القانونية التي تصدر عن بعض المواطنين… واللافت في هذا السياق أن الفصل 220 من القانون نفسه ينص على أن:

” من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم”. أي أن هؤلاء المواطنين الذين يعنفون شخصا بهذه الطريقة أو يقدمونه بالقوة إلى السلطات الأمنية بدعوى أنه ضبط يفطر علنا في نهار رمضان، هؤلاء إذن تنطبق عليهم مضامين هذا الفصل، وينبغي أن تتخذ في حقهم الإجراءات القانونية اللازمة. لكن الوقائع لا تثبت ذلك في أغلب الحالات، حيث تقيد تلك الإعتداءات ضد مجهول.

إذا كانت الغاية السامية من وضع القوانين المدنية تتجلى في حماية حرية الأفراد وتنظيم العلاقات الإجتماعية، فإن المبرر الواقعي لتطبيق الفصل 222 غير متحقق، ذلك أن إفطار شخص ما في الشارع العام لا يمكن اعتباره اعتداء على حرية المواطنين بأي حال من الأحوال، لأن الأصل هو حرية العقيدة كما ينص عليها الفصل 3 من الدستور المغربي. ثم إن الإفطار العلني لا يضر في شيء مصالح الدولة والمواطنين. أما الذين يدافعون عن الفصل المذكور فهم يخدمون عن قصد أو بدونه مشاريع التحكم والوصاية، ويختزلون مشاكل المغرب في تفاهات بسيطة مثل شكل اللباس أو الإفطار العلني في رمضان، بينما يغضون الطرف عن التحديات المجتمعية والإقتصادية والقيمية الحقيقية التي يجب مواجهتها… وحتى إذا تم التعاطي مع الفصل 222 من وجهة نظر دينية تبدو دواعي الإبقاء عليه في القانون الجنائي غير واردة، فالتشريع الديني نفسه يسمح للفرد بالإفطار لأسباب محددة، وهذا مدخل للتطبيع مع المسألة وتجاوز الحساسيات التي تثيرها لدى الشارع الذي ينبغي أن يتعلم الإختلاف ويعمل به. على الأقل يجب أن نؤسس مواقفنا على حسن النوايا، ونعتبر أن المفطر له مبرره الخاص سواء كان مسلما أو ينتمي لعقيدة مختلفة. وكفانا شر 222.