الحريات الفردية بين عقلية التخلف والقيم الإنسانية
ما كنت أريد أن أخوض في واقعة ضبط المواطن عمر بنحماد وفاطمة النجار في حالة تلبس لا أخلاقية.. لكن العقلية القبلية التي يمارسها بعض الشيوخ الإسلامويين و مريديهم في الدفاع الأعمى عن الواقعة و “بطليها”، و هو الدفاع الذي يريدونه هجوما على من ينتقدون هذه الممارسات المضادة للقيم و الأخلاق الإنسانية التي من المفترض أن يتأسس عليها المجتمع و علاقاته المتنوعة من جهة، و من جهة ثانية النفاق السياسي الذي يتبلور في هذه الخطابات الإسلاموية و بعض الاساتذة الجامعيين الذين أبدوا رأيهم في الواقعة، خطابات و مواقف تدافع اليوم على الحريات الفردية و الخصوصية الحميمية، و من البؤس أنها هي نفس الخطابات التي كانت هجمت على “خطة إدماج المرأة في التنمية” التي بلورها الوزير السعدي في حكومة عبد الرحمان اليوسفي .. و بالأمس و إلى اليوم ما وفتئت تهجم على جميع مظاهر الحريات الفردية و الخصوصية، و الهجوم على عدم صيام رمضان و على لباس السباحة في الشاطئ و لباس التنورة و على شرب الخمر و الهجوم على مهرجان موازين و تهجم على رفع سن زواج القاصرات إلى 18 سنة.. و اتهام اليساريين و اليساريات بسلوك الانحلال..و التغريب.
آراء أخرى
نحن اليساريات/اليساريون الديمقراطيون عندما ندافع عن حقوق المواطنين و المواطنات و تمتعهم دون تمييز بحرياتهم الفردية و الجماعية في إطار مجتمع يُحترَمُ فيه الاختلاف و يسوده التسامح و القيم الإنسانية النبيلة نقوم بذلك عن قناعة صادقة بحقوق الإنسان و الحريات الفردية و الجماعية و المساواة بين المرأة و الرجل.. و نلتزم في حياتنا و سلوكنا بهذه القيم و الحقوق الحريات.. أكيد أن الإنسان مهما كانت قناعته معرض للخطإ الاجتماعي و الأخلاقي الذي يمس بجانب من الحرية و الكرامة و حقوق الإنسان.. و نتعرض كأي إنسان للخطإ.. لكننا لا ندافع عن الخطإ و لا نبرره بل نعترف به و نحاسب بشكل صارم من اقترفه.. لأن منهدنا هي أن لا نخفي أخطاءنا و ننتقدها لنتعلم منها و نمارس كي لا نكررها.. لأن اقتناعنا بحقوق الإنسان و الحريات الفردية و الجماعية اقتناع صادق و التزام صارم.. و لا نمارس و ندافع عن هذه الحقوق و الحريات فقط لصالحنا.. بل، نحن كيساريات و يساريين ديمقراطيين نسمح في حقوقنا كي يتمتع بها جميع المواطنين و المواطنات..
لكن في مجتمعنا، الذي عمقت السياسة السائدة منذ عقود تخلفه و أعاقت تطوره الثقافي و الاجتماعي الديمقراطي بالنظر لأن مجتمعنا تحكمه سلطوية المخزن و النسق الإيديولوجي التقليدي و القيم الاجتماعية المتخلفة بالنظر للطبقية و الفوارق الاجتماعية المستفحلة، في مجتمعنا يتم نتج مثل هذه الممارسات و العلاقات الاجتماعية التي لا تحتكم إلى ثقافة إنسانية و الديمقراطية و إلى قوانين وضعية تحترم القيم الإنسانية المتبلورة في حقوق الإنسان و الحريات الفردية المتجادلة و المحترمة لقيم الحريات الجماعية.
و أنا أتابع واقعة عمر بنحماد وفاطمة النجار نائبي رئيس حركة التوحيد و الإصلاح، اللذين ضبطتهما الشرطة القضائية في شاطئ “القمقوم” بالمنصورية إقليم بنسليمان، و فراغ و قبلية الجدل الذي اثارته هذه الواقعة، كل ذلك دفعني لبلورة رأيي فيها و مقاربتي لها.
أبو الأسود الدؤلي :
وإذا جريت مع السفيه كما جرى … فكلاكما في جريه مذموم
وإذا عتبت على السفيه ولمته … في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله … عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
وهذه الواقعة أدركها بارتباط مع الحياء الإحسان العدل بالمفهوم (الفلسفي قبل المفهوم الديني) و هي قيم ارتبطت بالفكر الديني ممارسته، كما ارتبطت بالفلسفة عامة و بالفلسفة اليونانية خصوصا عند سقراط وأفلاطون و أرسطو، وانتقلت إلي العصور الوسطى يهودية و مسيحية و إسلامية في في الثقافة الكونفيشيوشية الصينية و القافة الدينية البودية.. وحديثا عرض كانط موضوع القيم في علاقته بالمعرفة.. و خصوصا في القرن التاسع عشر و القرن العشرين تطورت علوم كثيرة جادلت بتنوع متميز موضوع القيم.. ووضح ماركس القيم معروفة في تاريخ الفلسفة: الحق والخير والجمال.
الحق يضبطه القانون و التشريعات لبلورة الحق والخير والعدالة في المجتمع بين الناس. و القوانين السائدة في بلد ما هي التي تحدد طبيعة السلطة وعادلة و المجتمع المتشبع بالقيم الإنسانية.
وقيمة الخير هي التي تحدد علم الأخلاق الذي يبلور صفات و مميزات مفروض أن تتوفر للفعل الإنساني كي يكون فعلا سلوكا أخلاقيا إنسانيا راقيا.
وقيمة الجمال تبلورت في علم الجمال و يعتني ببلورة الصفات و المميزات و المقاييس التي يجب أن تتوفر في عناصر الحياة (الطبيعة و الإنسان و الحيوان و الأرض و الكون) كي نعتبر أن عناصر الحياة هذه يتوفر فيها الجمال. و الحب أرقى قيمة جمالية.
ممارسة الحب داخل سيارة في مكان عمومي لا يمكن إلا أن نرفضه كما ترفضه القيم الإنسانية لمجتمع و لدولة يحترمان حقوق الإنسان و قيم الخير و العدل الجمال و هي قيم ترتقي بالإنسان و سلوكه و مجتمعه. و بالتالي لا تدخل هذه الواقعة في حقوق الحريات الفردية. و من يدافع عن مثل هذا السلوك الذي لا يمارس حتى في الدول الأكثر تحررا سياسيا و اجتماعيا و جنسيا سواء في أمريكا و السويد و الصين و و اليابان و الهند و حتى في بلدان إفريقيا و أمريكا اللاتينية. و لا نتحدث عن الدول و مجتمعات الثقافة العربية و الإسلامية و هي البلدان الأكثر محافظة في العالم.
مولاي عمر بنحماد، 53 سنة أستاذ علوم القرآن و التفسير في كلية الآداب بمكناس
فاطمة النجار، أستاذة 52 سنة داعية إسلامية ونائبة رئيس حركة التوحيد والإصلاح عبد الرحيم شيخي، و هي ناشطة تربوية مكلفة بتعبئة التلاميذ والشباب تؤطرهم بخطابها الإيديولوجي داخل الحركة وتشحنهم بخطاب غرائزي مثل كون “عين الفتاة سبب بلاوي المجتمعات”، مبرزة أن الرغبة الجنسية تمارس بالعين.
وحاول م.عمر بنحماد تبرير علاقته بفاطمة النجار بكونهما متزوجين عرفيا. لكن القانون المغربي لا يعترف بالزواج العرفي، إضافة إلى العلاقة بينهما غير معلنة.. و الطامة الكبرى أن عمر بنحماد و فاطمة النجار لا يتوقفان في خطاباتهما على اليوتوب عن تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، مما يعني أنهما، و حركتهما و بعض شيوخ الحركة و غيرهم يستغلون الدين لشحن و استيلاب عقول الشباب و المواطنين لأغراض سياسية و دعم حزب العدالة و التنمية سياسيا و انتخابيا.
هكذا يدافع أحمد الريسوني، الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والاصلاح، عن فعلة القياديين في حركة التوحيد و الإصلاح، الإطار الإديولوجي الدعوي لحزب ”العدالة والتنمية”، و يساند فاطمة النجار ومولاي عمر بنحماد اللذين ذهبا إلى شاطئ “القمقوم” بالمنصورية بإقليم بنسليمان، و هو مكان يلجأ إليه “عشاق” المتعة بعيدا عن عيون الناس، و اللذين تم إيقافهما من طرف الشرطة القضائية التي وجدتهما، حسب محضرها، داخل سيارة في علاقة جنسية. و قد ادعى م.عمر بنحماد أن علاقة ”زواج عرفي” تجمعهما دون إثبات ذلك بوثيقة.
واعتبر الريسوني أنه لو قام غير الأستاذين بهذا الفعل، لكان شيئا محمودا يحسب لهما. و هكذا يعمم الشيخ، و هو ليس من عامة الناس الجاهلين بالقانون و القيم، على الجميع قبول مثل هذه الممارسات المخربة للقيم الإنسانية للمجتمع.. و يعتبر أنه تم المس بالمقام الرفيع الذي يوجد فيه المعنيان بالأمر. لأن هذا المقام، حسب الريسوني، ”لا يليق به ولا يُسمح فيه بالوقوع العمدي في مخالفة قانونية وشبهة عرفية، وهي المخالفة التي استغلتها ”الفرقة الوطنية” العتيدة، فتتبعت الضحيتين وتربصت بهما عدة أسابيع، بغية تحقيق انتصارها على قياديين إسلاميين”، حسب تعبيره.
وفي تناقض مع فكرته يعتبر أن “حركة التوحيد والإصلاح حركة مبادئ وأخلاق والتزام شرعي وقانوني وتنظيمي، لا تقبل التساهل ولا الاستثناء، فقد قررت مؤاخذةَ قيادييها الكبيرين وتعليق عضويتهما بكافة مؤسساتها التنظيمية”. اين هي المباذئ و الأخلاق و الالتزام الشرعي و القانوني و التنظيمي الذي تدعيه حركة التوحيد و الإصلاح و قد تورط قائدين يحتلان، حسب الريسوني ” مقاما رفيعا”..
من جهته خرج الشيخ السلفي، حماد القباج، في تناقض صارخ يتحدث عن “محسنات كل من عمر بن حماد وفاطمة النجار”، و “دعوتهما إلى الله والإصلاح في مجالات الثقافة والفكر والتربية والسياسة”.. ”عار أن تتم معاملتهما بهذا الشكل الساقط المتخلف، ترصد وتجسس، تلفيق تهمة كاذبة، إقالة غير متروية.. تعليقات شامتة.. وأخرى متهجمة، ليتناقض مع خطابه الممجد لهما لينتقد الداعية عمر بنحماد بكونه “أخطآ باستباحة نوع من التواصل غير المشروع، وهي زلة مغمورة”. ودعا أبناء الحركة، إلى “التضامن مع الأخوين في “التوحيد والاصلاح”، ضد مكر الماكرين”.
إنه يدافع عن الباطل عله يتحول إلى حق.
في حين ذهب أحمد الشقيري (أنظر موقع كود) و هو القيادي في حزب “العدالة والتنمية” وصاحب التدوينة الشهيرة الذي ذهبت الى ان الساعة الاضافية تفسد الجماع٬ موضحا الشقيري “ان الحركة تسرعت لأن “الاتهام الموجه للقياديين هو بسبب مخالفة قانونية وليس بسبب فساد أخلاقي” و أنه “حتى إذا كانت شبهة أخلاقية “فهي من صغائر الذنوب بالإجماع” و اعتبر أنهما “متصلان بعقد شرعي توفرت” و هذا افتراء و كذب. لأن بنحماد اعترف أنه لا يتوفر على وثيقة ثتبت علاقة شرعية بفاطمة النجار!!
من يدافعون، بعماء بصيرة عن ما فعله الأستاذان عمر بنحماد و فاطمة النجار، هل يسمحون لأنفسهم، بمارسة الجنس في الأماكن العامة و انتهاك لقيم و أخلاق مجتمعية؟
إنها مزايدات بخلفيات بخلفيات واعية؟ و هي خلفيات تريد الرأي العام أن يقبل أفعال نخبهم الإسلاموية أكانت على صواب و تحترم الأخلاق و القيم الإنسانية للمجتمع أم كانت على خطأ و فساد لا تحترم هده الأخلاق و القيم الإنسانية.
وليس جديدا أن يدافع شيوخ إسلاميين عن حادثة قيادي و قيادية ضبطوا متلبسين بممارسة المتعة في سيارة بمكان معروف بمثل هذه الممارسات.
و رغم ذلك أعتقد أن ليس على اليساريين و اليساريات الديمقراطيين أن ينشغلوا بقضايا ينتجها المجتمع المتخلف و عقليات و ممارسات التخلف الاجتماعي و تخلف الوعي الديمقراطي الإنساني.. كما أعتقد أن الديمقراطيين و الديمقراطيات، و صمنهم اليساريين الحقيقيين في بلدنا لا يهتمون بمثل هذه الحوادث و الجرائم الهامشية التي ينتجها نسق سياسي اجتماعي متخلف و قيم متخلفة و ثقافة متخلفة.. و هي حوادث و جرائم مناهضة لها بقيم حقوق الإنسان و الديمقراطية.. إذا كان هناك قانون في البلاد فاليطبق على كل من خالف القانون.. و إذا كان في القانون الجنائي أو مسطرة القانون الجنائي قوانين تخرق مقررات العهدين الدوليين لحقوق الإنسان الحريات الفردية و الجماعية المعترف بها للإنسان عالميا و التي يسطر بعضها دستور البلاد، يجب على القوى الديمقراطية “إواقفوا البيضة فالطاس” أي النضال بصرامة من أجل إلغائها.
لكن في الحادثة سؤال لابد من الإجابة الشاملة عنه قانونيا و قيميا و سياسيا: هل ممارسة الجنس في سيارة في أي مكان عمومي يدخل في الحريات الفردية و الحياة الخاصة؟ مع أنني لست مع تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج.. و نحن نعيش في المغرب و واقع التخلف حيث تعم فوضى في العلاقات الاجتماعية و العلاقات الجنسية (و لا أعني القيم و الشرائع الدينية مع أنه يجب احترام من يعتقد فيها شرط أن يحترم قيم و مبادئ الأخرين الذين يختلفون مع معتقاداته).. لا بد من احترام القيم و المبادئ الإنسانية و احترام الحريات الخاصة و الفضاءات العامة.. و أعتقد أنه من احترام الحريات الخاصة أن لا يستفزني إنسان، امرأة أو رجل، يمارس علاقة جنسية في سيارته في الأماكن العامة. و ليس هناك في العالم بلد مهما كان تقدمه الاجتماعي و تقدم و احترام الحريات الفردية فيه يسمح بممارسة الجنس في الأماكن العامة بل و حتى داخل مكان خاص إذا كان هدا المكان مفتوحا يُمَكِـّن الناس و المارة من رؤية الفعل الجنسي.. و الواقع في الواقعة أن الفاعلين ليسا من الناس العاديين.. الأول أستاذ علوم القرآن والتفسير بكلية الآداب مكناس وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المغرب و نائب الأول لرئيس حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة و التنمية.. و الثانية أستاذة و نائب ثاني لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، مكلفة بالقسم التربوي للشباب فيها و هي داعية إسلامية معروفة تهاجم الحريّات العامة و الحريات الفردية و العلاقات خارج إطار الزواج في كتاباتها و نشرت فيديو شهير “عيناك سِلاح” أي تحذر الشباب أنهم يمكن أن يمارسوا الجنس بأعينه م..!! أين كان القانون و علماء التربية و هي تشحن عقول شباب و شابات بمثل هذه المكبوتات؟
و بالتالي لهما مسئولية تربية شباب و شابات في بداية شبابهم على احترام القيم الإنسانية، و لا أظن أنهما يقومان بمسئوليتهما التربوية لتخليق الحياة العامة و احترام الحريات الفردية كما تزعم و تدعي حركة التوحيد و الإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة و التنمية التي ينتمي لقيادتها عبد الإله بنكيران.. و قد عبر عن ذلك بان الحركة أمه و لا يمكن أن ينكرها.. ما ذا ننتظر إذا كان “حراميها حاميها” كما يقول الشعب المصري.. يمكن من الناحية الإنسانية أن أقبل من شاب يكبته المجتمع و لم تتحمل المدرسة و المجتمع توعيته بحقوقه و واجباته و الأسرة مثل هذا السلوك.. و نعتبره جريمة يجب معالجتها تربويا و اجتماعيا و سياسيا قبل معالجتها قانونيا.. لكن ما حدث و الطريقة التي حدث بها و المبررات الفارغة للدفاع عن الحدث و تأويله.. يمس و يخرب القيم الإنسانية و المبادئ التربوية الإنسانية لتي تدافع عنها مبادئ و و عهود و اتفاقيات حقوق الإنسان العالمية..