يتشكل اليوم على مستوى وسائط الإتصال الحديثة ،  نقاش يمتح من العنوان العريض الذي يراد له أن يؤطر النقاش العام  في هذه اللحظة  الإنتخابية.

كصاعق لعملية الإصطفاف إلى جانب أحد الحزبين الأوفر حظا في ترؤس الحكومة القادمة  لإنعاش العملية السياسية .في تماثل هجين مع طبيعة الصخب الذي بصم التجربة الحكومية باغلبيتها و معارضتها داخل مجسمات النسق السياسي .

بـهدف عدم تحلل العناصر المؤسسة لزيف القطبية بين حزبي العدالة والتنمية و الاصالة و المعاصرة .و انكشاف التمايزات الكبرى التي على ضوئها يمكن

للناخب في وضع القيد أن يحدد التوجهات التي يمكنها أن تعكس مصالحه إيجابا من طرف القوة التي ستدبر مستقبلا الشأن العام من داخل دستور 2011 . وبالمحصلة التجسيد العملي للعبة التخويف و التخويف المضاد من أجل حشد الانصار للإقتتال رمزيا في استلهام لا يرقى لميكانيزمات المجتمع القبلي، بل لصراع طفولي بين حومتين تحت شعار “هيا نهجم”.

 على ضوء هذا المعطى تطرح بعض الأسماء من الصف الديمقراطي واليساري وبعضها برمزية إسهامها في حركة 20 فبراير ،  فكرة ضرورة الإصطفاف إلى جانب حزب العدالة و التنمية لمواجهة  “التحكم” او ” القوة الثالثة”.. استنادا إلى تشريح للراهن السياسي بأفق الحفاظ على الممكن الديمقراطي و عدم تعطيل الإنتقال الديمقراطي .و ينطوي هذا الطرح على تناقضين الأول : القول أن التحكم هو قوة سياسية تتواجد اليوم خارج مؤسسات السلطة التنفيدية ،  ومع ذلك فهي تمارس جزءا من هذه السلطة ،  ويجسدها حزب الأصالة و المعاصرة .

والقول الثاني :هو أن ضمانة  مواجهة التحكم و أدواته هو استمرار حزب العدالة و التنمية في السلطة التنفيذية  في تأصيل للدولة العرفية.

بصيغة اخرى أن وزير العدل اليوم عاجز عن ممارسة صلاحياته في الإشراف على العملية الإنتخابية ، و مواجهة أدوات التحكم من داخل السلطة التنفيدية التي يشرف عليها سياسيا رئيس الحكومة .و في نفس الوقت يؤسس نظريا لأطروحة ولاية ثانية كأداة للقضاء على أدوات  التحكم من داخل السلطة التنفيذية .

خطورة هذا النقاش في الزمن الإنتخابي ، تكمن في الوقوع في شرك الإنحياز إلى احد طرفي السباق الاوفر حظا نحو رئاسة الحكومة. وفي هذا السياق خرج علينا الأستاذ حسن طارق بمقال تحت عنوان ”  يساريو بنكيران.. موقف يخترق الاصطفافات الإيديولوجية “. في محاولة للتأصيل نظريا لهذا الطرح الذي يتأسس من وجهة نظره على:

“أن الحلقة المركزية للصراع السياسي اليوم، لا تتجلى في الأولوية الإيديولوجية وفي قضايا الإعدام والحرية الفردية وتوترات الهوية والمواطنة، لكنها ترتبط بجدول أعمال سياسي واضح يتجلى في الدفاع عن القرار الحزبي المستقل، احترام الإرادة الشعبية، تعزيز البناء الديمقراطي، احترام صلاحيات المؤسسات المنتخبة، التأويل الديمقراطي للدستور. “

و”الحلقة المركزية لسيرورة البناء الديمقراطي ببلادنا، باعتبارها معركة للدفاع عن الارادة الشعبية والتأويل البرلماني للنظام السياسي والقرار الحزبي المستقل واختيار الناخبين.”

 ولتعضيد هذا الطرح  –  الذي ينطلق من أن مضمون وطبيعة وعنوان الصراع السياسي اليوم هو الموقف الديمقراطي بدعم تجربة حكومة عبد الإله بنكيران و ذلك بتعطيل الموقف الإيديولوجي –  خصص جهازا مفاهيميا متعددا و متنافرا (التراث الليبرالي – سيرورة – الديمقراطية – الفكرة الديمقراطية  – الحداثة  – النقاء الفكري – ثقافة الخوف من المجتمع  – هامش الشرعية الشعبية – علاقة طبيعية  – اليسار- العمى الإيديولوجي  – التأويل البرلماني – –  )،  لا تسمح اليوم الشروط من موقع الفعل السياسي لتمحيصها و التدقيق فيها .

 وعليه ” اليسار الديمقراطي، المستوعب للفكرة الديمقراطية والتراث الليبرالي ” ،  لا يتجسد اليوم كحقيقة سياسية مغربية ،  بل هو تعبير مجازي لمخاضك الفكري و الثقافي و يبتسر من القراءة المغربية للفيلسوف محمد عابد الجابر بخصوص الكتلة التاريخية لغرامشي. ومن تم الإحتماء في التموقع الإيديولوجي لتأسيس  الموقف السياسي بأدوات الصراع الإيديوجي .

 والسياق العام الذي يؤطر النقاش اليوم هو الحملة  الإنتخابية وليس ما أسميته بالموقف الديمقراطي من التجربة الحكومية ،  لان جميع مكونات اليسار المغربي لم تؤسس مواقفها من التجربة الحكومية  على أساس الموقف من الخلفية الدعوية لحزب العدالة و التنمية و إن كان حاضرا في جزء من خطابها السياسي  كما نرى تخشع رئيس الحكومة بسبحته و هو يمثل مصالح العباد و البلاد مع الوفود الأجنبية . و ليست هناك قوة سياسية يسارية اليوم تطالب بحل حزب العدالة و التنمية و لا تقبل به كحقيقة سياسية من داخل النسق العام .

لذلك فالأصل هوأن  الشروط السياسية التي أفرزتها حركة 20 فبراير والمساحات التي اكتسحتها في تقويض السلطوية .ووفرت الأرضية الصلبة لإستيلام الحكومة الحالية السلطة التنفيدية بصلاحيات دستور 2011 ، لم يستطع حزب العدالة و التنمية الحفاظ عليها و لا توفير شروط مشابهة على الأقل في شقها الإجرائي بمناسبة الإنتخابات القادمة . و جميع الإرتدادات والمحاولات الحثيثة للعودة إلى ما قبل 20 فبراير جوبهت من طرف الإمتدادات الاستراتيجية لحركة 20 فبراير  ومواقع الإعلام الإلكتروني و الشبكات الإجتماعية ، بل أكثر من هذا  أن الحزب الحاكم وفر الغطاء لبعض هذه المحاولات و يمكن أن نسوق  اختصارا  مثالا واحدا . وهو حين طالب رئيس الحكومة من وزارة الداخلية تحمل مسؤوليتها في منع مسيرة الأساتذة المتدربين .

 والموقف السياسي من الإختيارات الليبرالية للحكومة الحالية ، و تنفيذ الإختيارات الإقتصادية و الإجتماعية التي مكنت بشكل غير مسبوق الدوائر النقدية من التحكم في القرارا السيادي للدولة  ، وتهدد بأزمة اقتصادية خانقة في أي لحظة، هو موقف أساسه إيديولوجي لا يختلف من حيث كنهه في التموقع من الحركات الدعوية ذات الأفق السياسي الذي يجسد حزب العدالة والتنمية جزءا من غوايتها .على إعتبار أنه ليس مركزيا الان في تحديد طبيعة العلاقة بين الدين و الدولة و المجتمع . ولكن لثقل الوضع الجيوستراتيجي وما تشهده العديد من المناطق من دمار وقوده تأويلات مجموعات بشرية للمشترك الديني و أعراضه حجم الخلايا التي تم تفكيكها.

تأسيسا لما سبق فالموقف الديمقراطي من حكومة عبد الإله بنكيران ، قد جسدته جميع القوى السياسية و الديمقراطية في التعايش من داخل النسق السياسي ، ومعارضة ديمقراطية اختارت الشارع للتعبير عن مطالبها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية . وأطروحة دعم القوى اليسارية لاستمرار تجربة العدالة و التنمية هو انخراط واعي في الحملة الإنتخابية لهذا الأخير ، لكن هذا لا يمنع الإلتقاء معها بما لا يقوض المشترك الإستراتيجي في بناء الدولة الديمقراطية ، ومعركة الدفاع عن الإرادة الشعبية في صناديق الإقتراع لا يتأسس بالإصطفاف إلى جانب قوة سياسية معينة بل بإنجاز جميع الشروط و الضمانات لأجرأة هذا الهدف ، ولا نفهم حقيقة كيف أن أغلبية القوى السياسية بأغلبية برلمانية و هي تتبنى مطلب لجنة مستقلة للإشراق على الإنتخابات و بدعم قوى سياسية و ديمقراطية خارج المؤسسة التشريعية هي عاجزة اليوم عن تحقيق هذه المهمة .

وسؤال الحلقة المركزية في الصراع السياسي يمكن أن يبلور اصطفافات واقعيا في هذا  المنعطف السياسي ، و حقلا للنقاش بين القوى السياسية والديمقراطية على أسس التعدد ، من حهتي كان بودي الإسهام فيه من خلال هذه المقالة ، لكن سأتركه مابعد احتفالية العيد الكبير.