هناك نظرية في كل من علم التواصل وعلم النفس، تُعلمنا أن سلوكيات الأفراد والجماعات البشرية قد تخضع لما نزرعه في عقولهم ونفوسهم بتَكرار آرائنا فيهم وتعاملنا معهم على أساس آرائنا فيهم وليس على أساس ما تختزنه كَينونَتهم هم؛ إنها نظرية “التنبؤ الذي يتحقق لذاته”.

كان لا بد من هذه الديباجة وهي استشارة مجانية أقدمها لكل اللجان الإلكترونية وخاصة لمن يحركها ويتحكم فيها بما أنها نشطت بشكل مثير للانتباه على صفحات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع.

إن المروجين “للفتنة” وللأحجية التي تخصها والذين يحاولون أن يخلقوا تماثلا بين مستقبل المغرب القريب وحاضر سوريا وليبيا ومصر، إنما هم أكبر البنائين لهذا المستقبل المتخيل الذي يسعى لربط المغاربة به ذهنيا ونفسيا..

تاريخ الشعب المغربي النضالي والاحتجاجي مثالي في المنطقة العربية جميعها وليس اقتطاع الأجور أو فزاعة الفتنة هي التي سوف تغير سلوكه الاحتجاجي.

لقد سبق المغاربة إلى التظاهرات المليونية كل شعوب المنطقة غالبيتها لمناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، ولكن حتى مرافقة لبعض النقاشات المجتمعية كإصلاح المدونة مثلا.

الدولة نفسها تسعى لشرعية الشارع المغربي وتنظم أو تشجع على تنظيم تظاهرات مؤيدة لتوجهاتها سواء دعما للقضايا الوطنية أو السياسية كتظاهرات “نعم للدستور”.

التظاهرات مكسب اجتماعي ومجتمعي مهم للشعب والدولة على السواء والاستهتار به خطر على كِليْهما.

الشعب المغربي متدين بالفطرة وفطرته سليمة، ولا أظن التوظيف الأداتي للدين قد يؤتي أكله معه في الاتجاهين ومظاهرة الدار البيضاء قبل انتخابات السابع أكتوبر خير دليل على ذلك.

في كل مرة يُبين الشعب المغربي أنه أكثر حرصا على استقرار وطنه وأكثر وعيا بالمتغيرات وتحدياتها؛ لقد رأينا كيف حذر شعبنا الكريم كُبراءه من العبث بمستقبله وتماسكه وأمانه في حيثيات مظاهرة “لا لأسلمة المجتمع” الفريدة من نوعها.

لقد رأيناه يختار الاستقرار، وجزء مهمّ منه يصوت لحزب ا”لعدالة والتنمية” ويعطيه الفرصة الثانية آملا أن يكون في مستوى طموحاته هذه المرة خوفا من سيناريو آخر قد يعصف باستقرار البلد ومصداقية نوايا التغيير نحو الأفضل.

واهمٌ من يَعتبر توجهات الناخبيين الذين لا يمثلون غالبية الشعب المغربي مقياس توجهاته وانتظاراته. كلنا يعلم أن التصويت لم يكن على مشروع سياسي أو حزبي ولكن رد فعل على محاولة الإجهاز على أمنية/نيّة التغيير الديمقراطي التي جاءت بها أحداث 20 فبراير 2011.

هناك فئة واسعة من الشعب المغربي تراقب وترصد، لها تطلعاتها وآمالها وتحتفظ بوسائل تعبيرها. وقد عبرت في مسيرات الأحد أن كرامة المغربي خط أحمر وأنها مادة إجماع وطني.

البوصلة السليمة والوجهة الأسلم تشير إلى أن الديمقراطية الحقيقية هي هدف المغاربة، وإن لم يعبروا عنها دائما بمصطلحاتها وصفاتها المعروفة.

وحده النظام الديمقراطي يكفل كرامة المواطن المغربي فمن لم يلتقط هذه الإشارة يوم الأحد الماضي فأجهزته إما قديمة أو معطلة تحتاج إلى تغيير أو تحيين.

خارج إحداثيات الزمان والمكان من يظن أن تعليقات ومنشورات عن “الفتنة” مُسكّنا لتَعطش المغاربة للحرية والكرامة والعدل والمساواة، التي يعبرون عنها بمنتهى التحضر والحرص على البلاد والعباد، عكس العابثين بأمنه بمحاولة استغفال عقولهم وتوظيف تدينهم.

أختم بمقولة تستهويني للفيلسوف الفرنسي جيل دولوز: “الافتراضي حصة تحيين للواقعي”.