أيام ثورة 21، 22 و23 مارس 1965 لازالت خصبة في الذاكرة.. زادت انتفاضة 20 يونيو 1981 وانتفاضة 1984 وأحداث دجنبر 1990 بفاس والانتفاضة الطويلة لحركة 20 فبراير، زادتها حضورا في وعينا بالنظر لحمولتها السياسية في مرحلة من أهم مراحل التطور السياسي المغربي.

من ينسى تاريخ نضال الشعب المغربي من أجل التحرر والحرية والديمقراطية والمساواة والاشتراكية.. من ينسى هذا التاريخ فإن حاضره مستلب ولا مستقبل تقدمي له.

بعد الاستقلال الشكلي كانت سياسة النظام السياسي تفكيك حركة التحرر الوطني واليسار الناهض آنذاك والقضاء عليهما وتأسيس نظام المخزن والأعيان الإقطاعيين والاستعمار الجديد. ووضع الملك دستور 1962 لفرض استبداد حكمه الفردي وقمع سافر للمعارضة الاتحادية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) والشيوعية والماركسية.. 

وأيام 21، 22 و23 مارس انتفض الشعب المغربي ضد هذه السياسة. وكانت سياسة إقصاء أبناء الشعب من الحق في التعليم النقطة التي أطلقت انتفاضة 21 و22 و23 مارس 1965. وبالتالي كانت ثورة سياسية شكلت وعيا نقديا سياسيا جديدا داخل اليسار لتتبلور حركة اليسار الجديد سنة 1970. 

يوم 23 مارس 1965 تحركت دبابات ومدافع رشاشة نظام الملك الحسن الثاني والجنرال أوفقير لقمع المتظاهرين.. بعض الأخبار تحدثت عن 1000 شهيد وشهيدة جلهم تم دفنهم في جنح الظلام في حفر جماعية.

شهود عاينوا أحداث دفن شهداء الانتفاضة الذين رحلوا عن عالمنا. وبالتالي لم تتمكن هيئة الانصاف والمصالحة من معرفة حقيقة شهداء ثورة مارس 1965. أحداث انتفاضة مارس 1965 لا نعرف حقيقتها كاملة.

وعبر الحسن الثاني بأن “أكبر خطر تواجهه الدولة يأتي مما “يسمى مثقفين”.. لذلك بدأت سياسة تجهيل الشعب المغربي ومُورِسَتْ سياسة اللاتسييس في المجتمع (Dépolitisation de la Société). وإقصاء النخب المثقفة التقدمية. وفرض في 7 يونيه 1965 حالة الاستثناء لاستتباب سيطرته المطلقة على الدولة والمجتمع.

 ولم يمض عن ثورة مارس 65 سوى 7 أشهر حتى تم اختطاف واغتيال الزعيم التحرري المهدي بنبركة في باريس.

بعد 52 سنة من ثورة مارس 65 لا زالت الديمقراطية خاضعة لتوابث وممارسات تقليدية ومخزنية، ولا زال الواقع السياسي يعاني من التأخر التاريخي وتخلف الوعي الديمقراطية والثقافي وتفريخ الأحزاب السياسية وتقهقر الوضع النقابي.

لقد عبرت انتفاضة 21، 22 و23 مارس 65 عن ضرورة إنجاز قطيعة الشعب وقواه السياسية والنقابية والاجتماعية التقدمية مع نظام مخوني رأسمالي استعماري جديد. لكن أغلب القوى التقدمية (الاتحاد الاشتراكي والتقدم الاشتراكية) استمرت تبحث عن توافق مع المخزن وتمارس السياسة ضد هذه القطيعة. وأكد التطور التاريخي والنضالي للحركة الجماهيرية التي انتفضت في يونيو 1981 و14 دجنبر 1990 ويناير 1984 وحركة 20 فبراير خلال شهور سنة 2011 ضرورة هذه القطيعة مع نظام المخزن.

بعد 52 سنة من ثورة مارس 65 ماذا تغير؟؟ 

رغم إنشاء “هيئة الإنصاف والمصالحة” ورغم نضالات حركة 20 فبراير التي قادت نضالات جماهيرية ديمقراطية نوعية وغير مسبوقة في تاريخ المغرب السياسي، لازالت الملكية مطلقة السلطة سياسيا. لازالت الملكية القوة الاقتصادية الأولى وقائدة البرجوازية المغربية. ولازالت أغلب الأحزاب خاضعة وتخدم مصالح الطبقة الحاكمة والبرجوازية الكمبرادورية. ولازال عدد من المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مراكز السلطة. ولازالت السلطة تلجأ إلى قمع نضال الحركات الاجتماعية الاحتجاجية أو ممارسة سياسة اللامبالاة تجاهها.

بعد 52 سنة من ثورة مارس 65 لازالت الديمقراطية خاضعة لتوابث وممارسات تقليدية ومخزنية، ولازال الواقع السياسي يعاني من التأخر التاريخي وتخلف الوعي الديمقراطي والثقافي وتفريخ الأحزاب السياسية وتقهقر الوضع النقابي.

كم من الزمن يحتاجه الشعب كي يحقق نظاما سياسيا ديمقراطيا حقيقيا ومجتمعا ديمقراطيا حقيقيا؟

وبعد 52 سنة من ثورة مارس 65 نعيش احتجاجات فئات اجتماعية تعاني الفقر والإقصاء الاجتماعي والأمية والجهل والبطالة.. تطالب بالديمقراطية والمساواة وعيش كريم يوفر تعليما علميا ناجعا وسكنا لائقا وعملا يحفظ كرامة الإنسان وتغذية صحية واستشفاء.      

إن احتجاجات الفئات الاجتماعية المختلفة، وآخرها ما يجري اليوم في منطقة الريف وقراها ومدنها من نضال جماهيري ديمقراطي، تؤكد أن الشعب المغربي يَعِى مصالحه الديمقراطية وحريته كضرورة حياتية وفقا لواقعه الملموس.. وبالتالي هو شعب قادر بنضاله على صنع ديمقراطية حقيقية ترتقي بالقيم الإنسانية وبخصوصياتها الإنسانية والثقافية والاجتماعية المحلية وتغنيها بالجوهر الإنساني العام للديمقراطية التي تعرفها الإنسانية في أرقى أشكال الديمقراطية.

الديمقراطية، التي يحتاجها الشعب المغربي في هذه المرحلة من تاريخه السياسي، لتجاوز التخلف الاجتماعي وعوامله وأسبابه، ديمقراطية حقيقية ونسبية بطبيعة الحال. والديمقراطية الحقيقية هي نظام سياسي يملك فيه الشعب السلطة السياسية وللشعب سلطة الرقابة عليها وتتحقق فيه المساواة والحرية وضمان الاختلاف وتتحقق فيه نفس شروط الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفق مبادئ أساسية:

– حرية الأفراد

– الحريات العامة

– حرية الاعتقاد والضمير

– مبدأ الأغلبية الذي لا يقصي الأقلية بل يدافع عن حقوقها لأن الأقلية في الديمقراطية الغربية تكون دائما مضطهدة.

– دستور وقوانين وفق مبادئ الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان التي توصلت إليها الإنسانية.

– فصل حقيقي للسلط التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية.

– استفتاء الشعب باستمرار في القضايا الأساسية.

– تعددية سياسية حقيقية وليست مزيفة، أي تعددية مؤسسة على مشروع سياسي مجتمعي ومرتبطة بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لطبقات المجتمع.

– استقلال تام وكامل للسلطة القضائية والقضاة ينتخبون.

– تحديد الملكية والثروة وفرض ضرائب على الثروة.

وتصور الديمقراطية الحقيقية يطرح ضرورة تجاوز الديمقراطية التمثيلية بمفهومها الغربي التي تحرم الشعب من سلطة السيادة. والدول المذكورة أدمجت عبر عدة آليات ومؤسسات (الاستفتاء – تجمعات محلية للمواطنين وللمواطنات حول قضايا المواطن والمجتمع والدولة – مبادرات شعبية تستجيب لها الدولة ومؤسساتها – عرائض…)، هذه الآليات والمؤسسات تمكن المواطنين والمواطنات من المشاركة المباشرة والمستمرة في القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولا مجال في هذه الديمقراطية الحقيقية لسلطة المال أو الجاه أو للسلطة المعنوية لأي شكل من أشكال التمييز بين المواطنين والمواطنات.