أتعتقلون رجلاً يقول : أنا لا أثق إلاّ في الملك ؟
إنّها لمغالطة كبرى تلك النداءات الصادرة هنا وهناك، من هذه الجهة أو تلك، والتي تُطالب بـ “ضمان” محاكمة عادلة للزعيم ناصر الزفزافي ورفاقه في المحنة.
آراء أخرى
فعن أيّ “ضمان” يتحدّثون، والمحاكمة نفسها قامت على سيناريو مُفَبْرَك من ألَِفِه إلى يائِه، إذْ إنّها سياسيّة بامتياز، ولا تهدف إلاّ إلى إسكات صوت المحتجّين وكبْح جماح الحراك الشعبي الغاضب الذي ينضوون تحت لوائه.
ثمّ إنّ الأفعال الخطيرة المنسوبة للمعتقلين (حسبما تناقلَتْها وسائل الإعلام)، وعلى فرض توفُّر شروط المحاكمة العادلة، ستتراوح عقوبتها في أحسن الأحوال بين خمس سنوات وعشرين سنة وقد تصل إلى المؤبّد والإعدام.
إذاً، ما الفائدة من المطالبة بضمان المحاكمة العادلة للمعتقلين على ذمّة الحراك الريفي، إذا كانت محاكمتهم مغلوطة من أساسها وغير صحيحة.
وهناك مغالطة أخرى يُرَوِّج لها أولئك الذين راهنوا على انطفاء شعلة الحراك الريفي بمجرّد اعتقال ومحاكمة الزعيم ناصر الزفزافي ورفاقه والزجّ بهم في غياهب السجون : إنّهم واهمون بطبيعة الحال ؛ فالحراك مستمرّ وسيتقوّى يوماً عن يوم إلى أن يُخلَى سبيل المعتقلين وتتحقّق جميع المطالب على أرض الواقع، وليس فقط في الأوراق والوعود الكاذبة أو من خلال الحلول الترقيعية التي لا تُسْمن ولا تُغني جوع.
لا حلّ إذاً إلاّ بالمصالحة الحقيقية مع الريف، أمّا الأساليب القمعية، من مداهمات وملاحقات واعتقالات ومحاكمات وغيرها، فهي لا تجدي نفعاً على الإطلاق بل ولا تعمل سوى على خدش صورة المغرب في الداخل والخارج.
لا حلّ إذاً إلاّ بالمصالحة الحقيقية مع الريف، أمّا الأساليب القمعية، من مداهمات وملاحقات واعتقالات ومحاكمات وغيرها، فهي لا تجدي نفعاً على الإطلاق بل ولا تعمل سوى على خدش صورة المغرب في الداخل والخارج.
وهذا يقتضي الإشارة إلى مغالطة ثالثة – مُركَّبة هذه المرّة – ألا وهي التي يقع فيها أولئك الذين يهرولون إلى فتح قنوات رسمية : للتفاوُض، من جهة، مع أطراف من خارج الإطار النضالي للحراك الشعبي في الحسيمة ؛ وللتفاوض، من جهة أخرى، ضدّاً على الثقة المنعدمة تماماً في أيّ طرف رسمي في الدولة، باستثناء جلالة الملك بطبيعة الحال.
لذا يجدر التذكير، وإن اقتضى الحال التنبيه، إلى أنّ المخاطب الوحيد والأوحد للتفاوض حول أُسس أيّ مصالحة أو تسوية هو الزعيم ناصر الزفزافي، باعتباره الممثّل الشرعي، عن جدارة واستحقاق، للحراك الشعبي بالحسيمة.
وفي الحقيقة لا نفهم كيف أنّ الدولة اعتقلت هذا الزعيم بالرغم من تصريحه في غير ما مرّة بأنّه لا يثق إلاّ في الملك، وبالرغم من أنّه على هذا الأساس طالب بفتح قناة للتفاوض مع شخصٍ يَنتدبه جلالتُه لهذا الغرض.
وهنا لا بدّ من رفع نداء إلى جلالة الملك، لكي نقول له، بكلّ تقدير واحترام، إنّ طيبوبته وأريحيته وعطفه الكبير على أبناء شعبه هي من شيَمه العظيمة التي سارت بها الركبان وصار يشهد له بها البعيد قبل القريب : “يُسْتَدْفَعُ الشرُّ والبَلْوى بِحُبِّهِمُ = ويُسْتَرَبُّ به الإحسانُ والنِّعَمُ”، وهذا ما جعلنا نأمل صادقين في أن يتفضّل جلالته بإصلاح ما أفسدته الإدارة، وأن يصدر عفوه الكريم على كافّة المعتقلين على ذمّة الحراك الريفي، وأن يفتح قناةً – غير رسمية وغير منحازة وذات مصداقية – للتفاوض والتصالح، في شخص المناضل الكبير ناصر الزفزافي، بما يليق بالتضحيات الجسام التي قدّمها أهل الريف طوال سنوات الحكرة والتهميش، وكذا أجدادهم الذين لطالما علّقوا أرواحهم في البندقيات والمدافع لمواجهة المستعمر الغاشم.
فلجلالته، إذاً، كلّ ما يملك أهل الريف من محبّة وولاء ودعوات صادقة لكي يظلّ عرش المغرب كعبةَ عِزّ يَطوف حولها، خلْف جُند الله، الطائفون، وتذود عنها العناية الربّانية بألطافها الخفيّة ما توالت الأعقاب وتعاقبت السنون.
