اجتمع في حراك الريف من الخصائص ما لم يجتمع في غيره من الحركات الاجتماعية التي عرفها التاريخ الاحتجاجي بالمغرب منذ الاستقلال. فما إن انطلق الحراك حتى بدأت تنبثق من صلبه شيئا فشيئا قيادة ميدانية. كما أن نشطاءه كانوا شديدي الحرص على تحصين كيانه باستقلالية قل نظيرها. إلى ذلك تنضاف السلمية الواعية ومشروعية المطالب والإبداع في الاحتجاج والإعلام البديل. وفيما يلي بيان هذه الخصائص:

1- القيادة الميدانية: منذ الحادث المأساوي الذي أودى بحياة محسن فكري طحنا في شاحنة نفايات، وما أعقبه من اعتصام عفوي لمجموعة من المواطنين أمام مقر الشرطة بمدينة الحسيمة، بدأ تبرز إلى حيز الوجود فئة من القادة الميدانيين المزودين بخبرة و بمؤهلات نضالية. هؤلاء القادة، ومنهم بضعة نساء، تمكنوا من إحراز ثقة الجماهير بفضل الكاريزما التي اكتسبوها في الميدان.

2- الاستقلالية: منذ انطلاقة الحراك الميدانية ، حرص نشطاؤه على ضمان أكبر قدر ممكن من الاستقلالية تجاه الأحزاب التي ما فتئوا ينعتونها بأقدح النعوت ك”الدكاكين السياسية”، و خاصة منها تلك المنضوية تحت لواء الحقل السياسي المؤسساتي المتحكم فيه. و قد تجسدت هذه المسافة تجاه الأحزاب في ميلاد الحراك و قيادته مباشرة من قلب الميدان. 

نشطاء حراك الريف يعتبرون أكثر إلحاحا تجاه الطابع السلمي لاحتجاجاتهم. فهم كما عامة سكان منطقة الريف واعون بأن أهم سلاح يمتلكونه يتمثل في التشبث بمبدأ السلمية كاختيار ثابت و استراتيجي، رغم قسوة أساليب القمع ورغم اتساع حملات الاعتقال.

3- السلمية الواعية: هي خاصية، و إن أصبحت تتمتع بها كل الحركات الاجتماعية في المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أن نشطاء حراك الريف يعتبرون أكثر إلحاحا تجاه الطابع السلمي لاحتجاجاتهم. فهم كما عامة سكان منطقة الريف واعون بأن أهم سلاح يمتلكونه يتمثل في التشبث بمبدأ السلمية كاختيار ثابت و استراتيجي، رغم قسوة أساليب القمع ورغم اتساع حملات الاعتقال.

4- مشروعية المطالب: يتضمن الملف المطلبي لحراك الريف أحد و عشرين مطلبا. وتأتي في مقدمتها المطالب الحقوقية، تليها المطالب الاجتماعية و الاقتصادية. وبما أن الحكومة ظلت تشكك في مصداقية هذه المطالب، فقد خاض نشطاء الحراك بمعية ساكنة منطقة الريف معارك كثيرة أفضت في نهاية المطاف إلى انتزاع اعتراف الدولة بمشروعية مطالبهم و عدالة قضيتهم.

5- الإبداع: إضافة إلى استعمال أشكال نادرة من الاحتجاج  كالقرع على أواني الطبخ و مسيرات الورود و الشموع، ابتكر نشطاء الحراك أشكالا جديدة ك”الاستجمام الاحتجاجي” على الشواطئ للإفلات من القبضة الأمنية المتشددة التي خنقت أنفاس المدينة، منعا و قمعا، تنكيلا واعتقالا. و قد تمكن هذا الشكل الاحتجاجي من تحقيق بعضا من أهدافه كفك الحصار عن الحراك و التسويق الإعلامي لعدالة قضيته وطنيا و دوليا. 

6- الإعلام البديل: يعتمد هذا النوع من الإعلام على تكنولوجيا الهواتف الذكية وعلى المواقع الإخبارية المحلية والشبكات الاجتماعية للتواصل. و قد فطن نشطاء الحراك إلى أهمية هذا الإعلام، فانكبت فئة منهم على مواكبة أحداثه منذ البداية، مستعملين في ذلك خدمة «live» على “الفيسبوك” من أجل النقل المباشر لأنشطة الحراك الاحتجاجية. كما انبرى بعضهم لمتابعة تطورات الحراك والتعليق حول مجرياته، ناهيك عن نشر و تعميم نداءات التعبئة و الحشد. و لكن التكلفة كانت باهظة، أداها نشطاء هذا الإعلام حرمانا من حرية التعبير و تغييبا خلف قضبان السجون.

هذه الخصائص مكنت الحراك من القدرة على التجنيد الاجتماعي المتنوع، بحيث شاركت النساء بقوة إلى جانب الرجال، و الكهول إلى جانب الشباب، والطبقات المتوسطة إلى جانب الطبقات المسحوقة . وبالتالي فقد اصبحت للحراك قدرة كبيرة على التعبئة. كما أن هذه الخصائص جعلت الحراك بمثابة الصخرة التي تكسرت عليها كل محاولات الشيطنة والتخوين، وكل حملات القمع و الاعتقال. فقدرة الحراك على الصمود لحوالي تسعة أشهر رغم كل أصناف المحن، و رغم الزج بكل قادة الحراك في السجون، جعلته يتبوأ موقع الصدارة في الفضاء الاحتجاجي المغربي. هذا فضلا عن تحوله إلى مصدر إلهام تستخلص منه الدروس و العبر من طرف العديد من الحركات الاجتماعية القائمة أو المستحدثة.