أعاد قرار ملائمة المواقع الاليكترونية والصحف الورقية مع المقتضيات التي ينص عليها قانون الصحافة والنشر،الى الساحة الاعلامية اشكاليات متعددة منها التقنين والتنظيم الذاتي وأخلاقيات الصحافة والمهنة الى النقاش العمومي، ليس فقط بين  نساء ورجال مهنة المتاعب ولكن بين كافة المعنيين والمتدخلين في المسألة الاعلامية من فاعلين رئيسين وثانويين حسب قاموس علم السياسة. 

فقد جاءت ردود الفعل الاولوية مباشرة بعد  أن أعلن وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج مؤخرا ،لدى تقديمه لمعطيات حول الصحافة الإلكترونية بالمغرب،سيتم تطبيق مقتضيات قانون الصحافة والنشر في منتصف غشت المقبلـ بعد أن  نشر في الجريدة الرسمية في 15 غشت من السنة الماضية، وأمهل المنابر الاعلامية مدة سنة للقيام بالملاءمة مع نصوصه.

وينص قانون الصحافة والنشر في هذا الصدد على ضرورة أن تتوفر في مدير النشر عدة شروط منهاأن يكون مقيما في المغرب، وحاصلا على شهادة من مستوى الإجازة على الأقل، أو دبلوم معترف به يعادلها، وأن تكون لديه صفة صحافي مهني، وفقا للمقتضيات الواردة في القانون الأساسي للصحافي المهني، فضلا ألا يكون قد صدر في حقه حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، من أجل جناية أو جنحة في قضايا الابتزاز و النصب، و خيانة الأمانة والرشوة واستغلال النفوذ، أو في قضايا الاغتصاب أو التغرير بالقاصرين أو في الإتجار بالمخدرات أو أفعال إرهابية.

وقد عرف هذا ” النقاش الاولي ” زخما سرعان ما تحول الى ” تطاحن ” بين الاعلام “التقليدي و”الجديد”، خاصة بعد تلويح السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال بتطبيق قانون الصحافة والنشر، وهو ما يجعل الغالبية الكبرى من المواقع الاليكترونية، إن طبق هذا القانون في 15 غشت الجاري، يطالها قرار الحجب، بسبب عدم توفرها على الشروط التي تضمنها هذا القانون.

وقد بلغ التوتر والصراع بين معسكري “الاخوة الاعداء” من جهة المدافعين بقوة على مبدأ تطبيق القانون لتنظيم قطاع الصحافة والاعلام، ومن جهة المطالبين ب”إلغاء  الشروطالتعجيزية “المتضمنة في قانون الصحافة والنشر.

فمن المهنيين من يرى  أن من شأن تطبيق قانون الصحافة والنشرالذى “لم يرق العديد من أصحاب الدكاكين- المواقع” أن يشكل ” نهاية صحافة الابتزاز”، ويضعحدا لممارسات ” أولئك الذين ” تعودوا على مآسي الناس، وعلى الاشاعة والافتراء”، منتقدا في نفس الوقت تعامل السلطات مع فوضى النشر وغياب التقنين، “باستخفاف غريب، مقصود ” للتشويش على الاعلام الجاد.

  وفي المقابل طالبمشاركون في “وقفة احتجاجية”نظمت مؤخرا أمام وزارة الثقافة والاتصالبالرباط، تمخلالها المطالبة بإلغاء  الشروطالمتضمنة في قانون الصحافة والنشر التي من شأنتطبيقها ” أن يقضي على مجموعة كبيرة من أصحاب السلطة الرابعة،ويتسبب في تراجع مكتسبات حقوقية  ودستورية ،وخرق للمعاهدات والمواثيق الإقليمية والدولية” التي التزم بها المغرب.

كم كان السوق السياسي سيكون راكدا، لولا الأحجار التي تلقيها الصحافة المستقلة على شارعه أو سطحه، فهي حزبية بلا تنظيم سياسي، وهي حزبية من غير انتماء عضوي، وهي حزبية متحولة ومتلونة، متحررة من الالتزام في موقف، ومع ذلك فهي ليست محايدة

وقد لقي هذا النداء ” تجاوبا سريعا، وتضامنا ” من فرق بالأغلبية بمجلس النواب التي تقدمت بمقترح قانون لتمديد أجل ملائمة المواقع الإلكترونية مع القانون،يقضي بتغيير المادة 125 من قانون الصحافة والنشر بالنص على أنه “يجب على الخاضعين لمقتضيات هذا القانون عند تاريخ نشره بالجريدة الرسمية ان يتلاءموا مع احكام القسم الاول منه في أجل اقصاه سنتين”، عوض سنة التي جاءت في القانون الجديدالذي دخل حيز التنفيذ منذ ما يناهز السنة. 

ويهدفتعديل، حسب واضعيه، إلى” تلافيالفوضىالتييمكنأنيخلقهاتطبيقالمادة 125 علىالمواقعالالكترونية التي لم تستطع بعد ملائمة وضعيتها القانونية مع احكام القسم الاول من قانون 88.13 الى “سنتين” حتى يتسنى للمواقع  التي لم تتمكن من اتمام الاجراءات المنصوص عليها ان تقوم خلال الاجل الجديد بتسوية وضعيتها القانونية.

وكانت وزارة السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال، قد أعلنت أنه تم برسم 2017، قبول 77 موقعا الكترونيا فقطمستوفيا للشروط التي ينص عليها قانون الصحافة والنشر، وذلك من أصل 420 طلبا توصلت به لملاءمة المواقع الإلكترونية.

وفي هذا الصدد، أوضح المسؤول الحكومي أن مصلحة بطاقة الصحافة بوزارة الاتصال توصلت من مهنيي الصحافة الإلكترونية بما مجموعه 433 طلبا للحصول على البطاقة المهنية، مبرزا أنه تم قبول ما مجموعه 308 بطاقات، بعدما اكتملت في واضعي الطلبات الشروط المطلوبة.

وحذر الأعرج المواقع التي لم تلائم وضعيتها مع قانون الصحافة والنشر من العقوبات التي تضمنها، ومنها الحجب وكذا الإكراه البدني، معلنا أن العقوبات التي جاءت في القانون تتضمن غرامات تصل إلى 20 ألف درهم عن كل يوم تأخير.

وفي هذا الصدد يعاقب وفقا للمادة 24 من قانون الصحافة والنشر، بغرامة تتراوح بين ألفين و10 آلاف درهم، مالك المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية أو المستأجر المسير لهما، وعند عدم وجودهما مدير النشر، وعند عدمه الطابع، وعند عدمه موزع المطبوع الدوري أو المضيف بالنسبة للصحيفة الإلكترونية، اللذين لم يكونا موضوع تصريح، أو استند في إصدارهما على تصريح أصبح عديم الآثار.

وفي حال الامتناع عن القيام بالإجراءات، ينص القانون المذكور على أن يعاقب الأشخاص المسؤولون عن الصحيفة، على وجه التضامن، بغرامة 20 ألف درهم يؤدونها عند كل نشر جديد غير قانوني، مضيفا أنها “تحتسب عن كل عدد ينشر ابتداء من اليوم الثالث الموالي لتبليغ الحكم إذا صدر غيابيا ولو كان هناك طعن”.

من جهة ثانية، أكد القانون الجديد على أن “تتعرض الصحيفة الإلكترونية في حال عدم التصريح بإحداث العقوبات المنصوص عليها”، معلنا أنها تتعرض كذلك للحجب إلى حين القيام بالإجراءات القانونية التي تضمنها قانون الصحافة والنشر.

يذكر هذا الوضع بالنقاش الذى ساد في أواسط التسعينات خلال بروز الصحافة المستقلة أو الخاصة، حيث كان  هناك من ذهب إلى اعتبار أن تقسيم الصحافة إلى صحافة مستقلة، وصحافة حزبية، تقسيم خاطئ، والأجدر أن تقسم إلى صحافة رسمية وأخرى حرة، باعتبار أن الصحافة في جوهرها ووظيفتها يجب أن تكون مستقلة (…) فالذي يحكم استقلالية الجريدة هو طريقتها في الإخبار،هو مضمونها ومواقفها.   

وإذا كانت الصحافة المكتوبة، توجه اليوم سهام النقد الى بعض المواقع الالكترونية فإنها تعاود نفس الهجوم، وان اختلفت السياقات والظروف، على هذا ” الاعلام البديل” الذى تقارن ” مواده ” بما كانت تنشره ” صحف الرصيف والاثارة” التي كانت تتعمد اختلاق الأخبار، وإطلاق الإشاعات، والنهش في أعراض الناس، واعتمادها أسلوب الابتزاز، واستعمال سلاح شتم الأعراض والقذف والتشويه، وهي ممارسات لا تختلف في مضمونها، “عما كان يمارس في مخافر الشرطة وأقبية التعذيب” حسب تعبيير احد الصحافيين النقابيين خلال تلك الفترة من تاريخ المواجهة الشرسة لهذا النوع من ” الارهاب الاعلامي”  بين “صحافة الالتزام والمبادئ، وصحافة الارتزاق والزبالة” التي كانت جلها تدعى الاستقلالية مقابل الصحافة الحزبية، في الوقت الذى يظل مفهوم الاستقلالية في مجال الصحافة والإعلام، يطرح بعض الغموض، بما إذا كانت الاستقلالية تعني الاستقلالية عن الدولة ؟ أم عن الأحزاب ؟ أو الرأسمال ؟ أم عن جهات عير مرئية.

وإذا كانت الحاجة لازالت قائمة إلى صحافة مستقلة ب”القوة والفعل”، فإن اصدق توصيف وتعبير ما سبق أن حرره  مقال ” بخط اليد ” بعنوان ” حكومة المعارضة رئيس تحرير جريدة “العلم” في التسعينات، الكاتب الصحفي المرحوم  عبد الجبار السحيمي ” إن الصحافة المستقلة و أضعها بين الأقواس رغم أدائها المتطور، فإنني أتابعها لأعرف أحوال الطقس السياسي، ومن يحفر لمن، ومن يحظى بالرضا ومن يحتاج إلى شد الإذن”.   

وكم كان السوق السياسي سيكون راكدا، لولا الأحجار التي تلقيها الصحافة المستقلة على شارعه أو سطحه، فهي حزبية بلا تنظيم سياسي، وهي حزبية من غير انتماء عضوي، وهي حزبية متحولة ومتلونة، متحررة من الالتزام في موقف، ومع ذلك فهي ليست محايدة، ولا يوجد حياد في الحياة يوضح عبد الجبار السحيمي الكاتب الصحفي، وليس اسما آخر أقصد. 

ومن جهتها تقول “الصحافة المستقلة” التي تنتقد نظيرتها الحزبية، لضعف أدائها المهني، انها تمكنت من كسر الهيمنة التي فرضتها صحافة الأحزاب، فميلادها ” لم يصدر بقرار حزبي، لأنها ليست مشروعا حزبيا وليست مشروعا سياسيا .. إنه مشروع إعلامي بدون حسابات، ولا مطامع سياسية أو مادية.