التدموري يتفاعل مع نقاش العماري ومنجب
انطلاقا مما قرأته سواء ما تعلق بما كتبه الأستاذ المعطي منجب حول نهاية حزب الأصالة والمعاصرة واستقالة كاتبه العام ،وكذا رد هذا الأخير عليه. ارتأيت ضرورة التعبير عن رأيي في هذا الشأن مع احترامي للاراء التي وردت سواء في المقال أو الرد.
آراء أخرى
اولا/ في النشأة والأهداف
لا يمكن أن يختلف اثنان في قراءة ظروف وملابسات نشأة هذا الحزب الذي تأسس بإيعاز ودعم مباشر من القصر، بحيث يمكن اعتباره المنتوج السياسي الوحيد للدولة المخزنية لما سمي بمرحلة العهد الجديد، وهو بمثابة تكريس لتقليد دأب عليه النظام السياسي المغربي منذ الاستقلال الشكلي الى الان من اجل تجديد نخبه والتحكم في الخريطة السياسية والانتخابية والمؤسسات الدستورية ،ومن أجل مزاحمة وتقزيم من يعتقد هم خصومه السياسيين وذلك اعمالا لمقولة لكل مرحلة رجالاتها واحزابها . وهي المنهجية التي أفلح فيها في الكثير من المحطات الانتخابية والسياسية ،وصنع من خلالها اغلبيات برلمانية وحكومات علي المقاس.
لكن ما يمكن أن نختلف عليه في شأن حزب الأصالة والمعاصرة هو انه لم يتأسس فقط من اجل مواجهة الإسلام السياسي المعتدل كما سماه استاذنا في مقاله ، بل لتدبير مرحلة بأكملها ، وللترافع عن المبادرات السياسية للقصر التي كانت تحتاج لمعبر سياسي يروج لها سواء من داخل المجتمع أو المؤسسات، وهي المهام التي باشرتها الكثير من قياداته الحالية او المنسحبة حتى قبل التأسيس الفعلي للحزب وذلك انطلاقا من ما سمي بـ الإنصاف والمصالحة ،ومبادرة الحكم الذاتي بالصحراء ،ومرورا بورش الجهوية الموسعة ،ودستور 2011 .
اضافة الى اعمال شعار عرقلة ما يمكن عرقلته من مشاريع قوانين في حكومة الأغلبية السابقة برئاسة حزب العدالة والتنمية ومزاحمة هذا الأخير،في ملء الفراغات التي أحدثها ضعف و انسحاب باقي الاحزاب التقليدية من المنافسة السياسية ،و التي يبدو أنها انتهت في عمرها البيولوجي بعد ان انتهت وشاخت نخبها السياسية والفكرية. وهو في ذلك قد نجح نسبيا وليس كليا لأن المرحلة التي نمر بها تعرف الكثير من التعقيدات التي لم يشهدها النظام السياسي المغربي من قبل و التي ازمت النظام نفسه وما بالك بادات من أدواته السياسية .
ثانيا/ في شأن الانتخابات التشريعية الأخيرة والحراك الشعبي
اما فيما يخص عدم تمكن حزب الأصالة والمعاصرة من تصدر نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة ،او عدم قدرة نخبة القيادية من احتواء حراك الريف حاليا او حراك الصحراء سابقا كما قلت في مقالك ،.فاني اظن جازما أن الدولة المخزنية لم ولن تراهن علي أحزاب وأدوات سياسية تعرف جيدا انها فاقدة للشرعية الجماهيرية ، وعاجزة بمقدار ارتفاع منسوب عجز العملية السياسية برمتها ، والتي تتحمل فيها الدولة المسؤولية بشكل مباشر بعد ان أفقدتها وافقدت المؤسسات المنتخبة والدستورية من اي مصداقية وذلك بعد ان شجعت كل أشكال الفساد الاقتصادي والسياسي الذي أصبح يخترق كل بنياتها أفقيا وعموديا، وبالتالي لا أظنها ستراهن عليها من اجل حل معضلات عجزت هي نفسها ،بكل ما تملكه من إمكانيات ، علي حلها خاصة ونحن نمر بمرحلة تتسم بأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية مأزومة وغاية في التعقيد من تمظهراتها الأساسية هو سحب المجتمع ثقته من الاحزاب والمؤسسات والدولة، الذي كما يبدو، قد بدأ يتلمس المقولة القاضية بان فساد العملية السياسية في بلادنا هي من فساد الدولة والأحزاب والمؤسسات وان الاحزاب برمتها هي سليلة القصر واوفاق ايكس ليبان وهي جزء من أزمة الانتقال الديموقراطي وليس من الحل.
وبالتالي فمن باب الوهم ان يتقمص أي حزب هذا الدور بما فيه حزب الاصالة والمعاصرة.
اما فيما يخص الانتخابات والنتائج المحصل عليها من طرف هذا الحزب، الذي حظي بدعم واسع من طرف الدولة، الذي حتى وان لم يتصدر نتائجها إلا أنه نجح نسبيا في تقزيم حجم العدالة والتنمية ،التي كان من الممكن ان تكتسح نتائجها وبفارق كبير وهي التي حظيت بدورها بجزء من دعم الدولة كذلك وهو ما يمكن ان نستخلصه من النتائج الساحقة التي حققها هذا الحزب في جماعة المشوار، التي يكون فيها التصويت موجها بامتياز.
إذن فرغم فشله الجزئي في تصدر نتائج الانتخابات، الا ان عدد المقاعد التي حصل عليها وخولته المرتبة الثانية بفارق ضئيل عن حزب العدالة والتنمية، بالمقارنة مع باقي الأحزاب ومن ضمنها الأحزاب المنتسبة لصف الحركة الوطنية ،هي من ساهم في تعقيد مهمة تشكيل الحكومة لاحقا التي تحمل مسؤولية تأسيسها السيد بن كيران الذي وجد نفسه مجبرا علي تقديم استقالته ،وهي كذلك من اتاح الفرصة ،في إطار الخطة باء، لحزب الاحرار بان يلعب وبدعم من الدولة العميقة دور الجوكير ،وفق مقتضيات القانون طبعا ، وهو الحزب الذي لم يحصل الا علي اقل من 45% من عدد المقاعد المحصل عليها من طرف حزب الأصالة وعلى أقل من 35% بالنسبة للعدالة والتنمية.
إذن يمكن القول ان هذا الحزب حتى وإن لم يحقق كل الأهداف التي تأسس من اجلها، الا انه نجح جزئيا في مساعدة الدولة العميقة في التحكم في العملية السياسية ،وبالتالي سيكون دوره لازال مطلوبا للمساهمة في تدبير المرحلة المقبلة ،شأنه في ذلك كشأن كل الأحزاب التي تأسست بإيعاز من القصر حتى وان تراجعت مكانته او حتى حظوة امينه العام لدى المتحكمين في دوائر القرار.
ثالثا/ في شأن الاستقالة
اما فيما يخص استقالة الأمين العام لهذا الحزب السيد الياس العماري فلا أظنها تشكل مؤشرا علي نهاية الاصالة والمعاصرة ، بقدر ما يمكن ان تندرج ضمن عملية تروم الي إعادة ترتيب البيت الداخلي، الذي بدأ يشهد بعض التصدعات الداخلية والتشكيك في قدرة امينه العام علي قيادته، و ذلك نتيجة حالة الإحباط التي أصابت بعض قياداته وقواعده التي راهنت أكثر من اللازم علي تصدر العملية الانتخابية وترأس الحكومة وعلاقة كذلك بغياب اي دور لهذا الحزب في منطقة الريف التي تعيش على إيقاع حراك شعبي لم يسبق له مثيل ،وهي المنطقة التي يتصدر جماعاتها الانتخابية بشكل كبير، ولطالما سوق هذا الحزب وقياداته المنحدرة من المنطقة علي أنها الآمر الناهي فيها ،و كذلك بتراجع حظوته عند المتنفذين في دوائر القرار، خاصة عندما لم يستشعر هذا الأخير مدي خطورة وتطور حراك الريف، وهو لازال في بداياته ،وليس احتواءه طبعا، وبالتالي دق ناقوس الخطر بالنسبة للدوائر العليا من أجل مباشرة تدخلها الاستباقي.
اضافة الى ما توصل إليه التقرير المنجز من داخل الحزب حول أداء المنتخبين والبرلمانيين التابعين له ، الذي اعتبرهم عديمي الكفاءة و ادائهم ضعيفا، وحمل المسؤولية لأمينه العام كونه من تحمل المسؤولية في تزكيتهم. هذا بالإضافة إلى ما ورد في خطاب العرش حول ضعف الاحزاب والإدارة والحكومة.
ان هذه الاسباب مجتمعة هي من دفعه إلى اتخاذ هذه الخطوة التي على الرغم من كل ماسبق ذكره من أسباب، لا يمكن ان يتخذها لا هو ولا غيره من أمناء الأحزاب والمسؤولين الحكوميين، دون الاستشارة مع الدوائر العليا في الدولة ، ودون أن أدخل في تفاصيل الإجابة هل هي بالموافقة او الرفض او اللامبالاة .
لكن ما يمكن ان نستشفه هو أن الاستقالة، لم تكن جدية، بل تندرج ضمن خطة تروم إلى إعادة الاعتبار للذات التي تأثرت بالأسباب التي سبق ذكرها ،وفي نفس الوقت إعادة تأثيث البيت الداخلي في افق انعقاد المجلس الوطني للحزب.كما أن عدم جديتها اي الاستقالة تجد مصوغاتها كذلك في استمرارية مزاولة مهامه كأمين عام للحزب، وهو ما نستشفه من زيارته الأخيرة للصين رفقة نائبه في الحزب الحبيب بلكوش، وقراره بعدم تقديم مرشح للحزب في دائرة تطوان الانتخابية ،وإصدار بيان يوجه التصويت فيه لصالح مرشحة فدرالية اليسار.
كما ان عدم جدية هذه الاستقالة تجد مصوغاتها كذلك، في الشكل اولا بحيث ان الاستقالة ما كان ليتقدم بها للمكتب السياسي بل ان القانون الأساسي للحزب يقتضي تقديمها للجهاز الذي انتخبه الا وهو المجلس الوطني، والذي سينعقد ثلاثة اشهر بعد تقديمها من أجل البث فيها بالرفض او القبول، وهو وقت كافي من أجل البحث عن اصطفافات داخلية جديدة ستعزز لا محالة من مكانة امينه العام وليس العكس ، وسيؤجل المجلس الوطني لامحالة النظر في طلب الاستقالة ، وذلك في انتظار ما تعد له الدولة العميقة ،وفيما ستؤول اليه مؤتمرات كل من العدالة والتنمية وحزب الاستقلال في شهر دجنبر من العام الحالي، وما اذا ستكون هناك اوامر بالتنحي لكل من شباط وعبد الالاه بن كيران وهو ما سيؤشرعمليا علي استقالة إلياس العمري من اجل توفير الشروط الصحية لقيام حكومة وحدة وطنية بعيدا عن هذه الشخصيات النزاعية الثلاث ،خاصة مع ما يعيشه المغرب حاليا من ازمة مالية واقتصادية وسياسية وواضاع اجتماعية متفجرة اضافة الي ما تمر به الملكية من مرحلة دقيقة علاقة بمجلس الوصاية .
اما فيما يخص الجدوي من الاستفالة فانها لا تستقيم وما خلقه هذا الحزب من دينامية في المشهد السياسي المغربي لعقد من الزمن ، رغم كل مؤاخذاتنا عليه ، اضافة الي ما تعرفه الجهة التي يترأسها من حضور ودينامية بالمقارنة مع باقي الجهات التي لا نكاد نسمع عنها.ان هذه العوامل مجتمعة تفقد الاستقالة جدواها والا فلاستقالة يجب ان تنسحب علي جميع أمناء الأحزاب والحكومة لسبب بسيط انهم ليسوا احسن اداء سواء كأحزاب او كأمناء عامين .
رابعا / في شأن مواجهة الإسلام السياسي “المعتدل”
دائما في سياق ما استرعى انتباهي في المقال للاستاذ المعطي منجب في كون حزب الأصالة والمعاصرة قد تأسس من أجل مواجهة الإسلام السياسي المعتدل ،كان لابد من ان اضيف الى ما قلته سابقا ان الاسلام السياسي في سياق تطوره لا يحتمل الاعتدال ،بقدر ما يحتمل التشدد، انسجاما وطبيعة تطوره من الشكل الدعوي والحركي الي الشكل الجهادي ،وفي وضعنا المغربي من الإمارة الي الخلافة ،كأفق استراتيجي لكل حركات الاسلام السياسي السني ، وهي الحركات التي تستمد قوتها وتوسعها من فشل كل المشاريع السياسية السابقة سواء المنتسبة للحركة الوطنية اوالقومية اواليسارية، ومن الدعم المباشر الذي قدمه لها ولا يزال النظام السياسي المغربي في مراحل تاريخية سابقة من أجل مواجهة المد اليساري، والغير المباشر من خلال البرامج التعليمية و الدينية وتحويل المساجد الي فضاءات لمحو الأمية وكذلك من مجموع البني التي توفرها له إمارة المؤمنين حتي اصبحت مزاحمة له ومتحكمة في الحقل الديني الذي كان دوما حكرا على الملك بصفته أميرا للمؤمنين .هذا بالإضافة الي ما يعيشه المجتمع المغربي من اغتراب داخلي ،و من هشاشة شاملة تطال كل مستوياته الحياتية ،بما فيها الروحية، دفعت به إلى البحث عن ملاذات أخرى وان كانت دينية، وكذلك دون ان ننسي ما يعيشه محيطنا الإقليمي والدولي، من تصاعد لحركات الإسلام السياسي، وفشل كل البدائل التي قدمت نفسها لعقود من الزمن علي انها ديموقراطية وحداثية .
ان هذه الاسباب مجتمعة هي من سهل مأمورية حركات الإسلام السياسي في التأثير علي مجموع البنى الفكرية والثقافية في اتجاه الأخونة و الدعشنة لتشكل بذلك حاضنة شعبية قوية لاطروحاتها السياسية ،ومناهضة لاي مشروع ديمقراطي وحداثي بديل.
ان حجم تغول حركات الإسلام السياسي في بلادنا يجعل من مهام مواجهتها مسألة حتمية ستفرض نفسها عاجلا ام اجلا، و واهم من سيعتقد غير ذلك. كما أن هذه المواجهة لن تكون باليسيرة، ولا اظن ان حزبا مثل الأصالة والمعاصرة او غيره من الأحزاب التي تشكل جزءا من بنية سياسية فاسدة قادرا علي هذه المهمة ،وان اعتقد ذلك فسيكون واهما.بل ان هذه المهمة لا يمكن ان يقوم بها الا من هو مقتنع بالنضال من أجل الدولة الديموقراطية المتعددة المقرة بحق الجهات التاريخية في تقرير مصيرها في إطار دولة الاوطونوميات الجهوية المتضامنة كمدخل للنضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمجالية، وفصل الدين عن الشان السياسي ،و ضد الدولة الشمولية والدكتاتورية سواء السياسية منها او الدينية .