1

“اغتيال السياسة في المغرب” ..

هي الخلاصة التي تتبلور عند التحليل النبيه للسيرورة الواقع السياسي الحزبي السائد في المغرب. و “اغتيال السياسة” لا يمكن لها أن تنجح لولا تواطئ جزء كبير من نخب الأحزاب السياسية و النقابية مع سياسة المخزن لعزل نضال “حركة 20 فبراير” و جماهيريها. وهو تواطؤٌ سياسي لا زال مستمرا في التعامل السلبي مع نضال الحراك الديمقراطي للريف ومع مناضليه المعتقلين ومع صحافيين أحرار مارسوا مهنتهم بنزاهة فكرية بالدفاع عن حرية التعبير والتظاهر.

وإذا حللنا ما يجري من صراع داخل حزب الاستقلال اليوم، وما جرى من صراع داخل حزب الاتحاد الاشتراكي لا زالت تداعياته مستمرة، يعبر عن صراع مصالح سياسية واجتماعية طبقية داخلهما وعن تحول في خطهما السياسي نتيجة ارتباط مصالح بعض النخب القيادية داخل هذين الحزبين مع مصالح السياسية للمخزن و خضوعها سياسيا له.

2 

كان دائما لليسار الجذري تناقض سياسي وإيديولوجي مع حميد شباط و”حزب الاستقلال”. وهو تناقض سياسي وإيديواوجي رئيسي.

سياسيا يمكن اعتبار موقف حميد شباط، وهو يعترف اليوم أن المغرب لا يعيش ديمقراطية حقيقية، اعترافا وموقفا يعبران عن عودة الوعي “الديمقراطي” لحميد شباط الذي تبلور منذ الانتخابات البرلمانية لـ7 أكتوبر 2016 و نتائجها.

لكن هل هذا الاعتراف والوعي جديدين يندرجان في إطار تبلور “تيار” مفترض يتزعمه حميد شباط للتخلص من تاريخ ومواقف حزب الاستقلال التي كانت تاريخيا و باستمرار مساندة للمؤسسة المخزنية ونظامها السياسي منذ 1959، و هو تاريخ يؤرخ لانفصال جناح حزب الاستقلال اليساري الذي شكل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟

لذلك تنطرح أسئلة حول موقف حميد شباط الذي يعلن منذ سنتين “أن المغرب لا يعيش ديمقراطية حقيقية”

3 

هل هو موقف تكتيكي ظرفي ناتج عن صراع المصالح السياسية والاجتماعية داخل حزب الاستقلال بين نخب سياسية انبثقت من داخل فئات شعبية يمثلها حميد شباط وبين نخبة أرستوقراطية حزب الاستقلال التي يمثلها ورثة برجوازية وطنية مخزنية تربت في حضن المخزن و استمرت مُسَانِــدة للمخزن ومُسَانـَـدَة من طرف المخزن؟

يمكن اعتبار أن المخزن في مصلحته السياسية أن يستمر حزب الاستقلال كحزب “العائلات الكبرى المخزنية”. وهذا واقع يعرفه حزب الاستقلال منذ عقود. إذ استمر نفوذ هذه العائلات في قيادته كعائلة الفاسي وعائلات غلاب والديوري واحجيرة وبادو/الفاسي. كما أن عائلات أخرى التحقت بالحزب مثل عائلات قيوح وحمدي ولد الرشيد التي لها مكانة مالية أوقبلية وتربطها مصالح الشخصية بالمخزن. هذه العائلات كسبت رضى المخزن كما يؤكد الصحافي خالد الجامعي. ومن يسعى للظفر بمركز أمين عام لحزب الاستقلال يجب أن يكسب رضى القصر. ويظهر أن نزار بركة يرضى عنه المخزن لأن والده وهو كذلك من دار المخزن.

– هل موقف حميد شباط سندرج في إطار موقف استراتيجي وفي إطار التناقض الرئيسي مع النظام المخزني التبعي؟

مستقبل موقف حميد شباط وتياره المفترض هو الكفيل بالإجابة عن هذا التساؤل.

4

لكن، لا بد من نقد جذري لخط السياسي لحزب الاستقلال منذ 1959 ومواقفه التي سايرت سياسة الملك الراحل الحسن الثاني وحكمه الفردي وتكتيك واستراتيجية المخزن المتمثلة في قمع اليسار عموما، رغم تضامن حزب الاستقلال المعلن، في بعض محطات الصراع السياسي بين النظام الملك الراحل الحسن الثاني الذي مارس سياسة ضرب اليسار وإضعافه، بهدف اغتيال السياسة في المجتمع المتمثلة في تقوية حكمه الفردي كفاعل سياسي رئيسي و فرض “الملكية التنفيذية” و بناء “نظام سياسي مخزني تبعي”. و بالتالي فشل الحزب بسياسته في أن يتطور إلى حزب يمثل برجوازية وطنية لها تناقض أساسي مع اللنسق السياسي المخزني و مع السيطرة الرأسمالية الامبريالية. 

5

إن “اغتيال السياسة في المغرب” هو منهج سياسي يمارسه المخزن  للاستفراد بالنخب الحزبية السياسية تمكن نظام المخزن من استمرار السيطرة في الحقل السياسي والحزبي وإعاقة الانتقال إلى نظام سياسي ومجتمعي ديمقراطي.

خطة “اغتيال السياسة” تمارسها سلطة المخزن بأساليب قمع والاستبدا السياسي وانغلاق نظامه السياسي، أو بتواطئ قوى سياسية ونقابية، تتبنى خطاب الديمقراطية، مع خطة المؤسسة المخزنية، في المجتمع المغربي و داخل الطبقة السياسية وانقلاب النظام السياسي المخزني وللقوى الرجعية والإسلاموية المخزنية كلما تبلور منعطف سياسي تاريخي في المغرب. بدستور 2011 وانتخابات 25 نوفمبر 2011 على النضال الديمقراطية لجماهير شعبية في إطار “حركة 20 فبراير”.

ومع الأسف ساهمت في اغتيال السياسة قوى محسوبة عن الحركة الديمقراطية السياسية والنقابية بدءً من “حزب الاستقلال” و”الاتحاد الاشتراكي” و”التقدم والاشتراكية”.. وصولا إلى “الاتحاد المغربي للشغل” و”الكنفدرالية الديمقراطية للشغل”.

ونرى اليوم كيف أصبحت هذه الأحزاب والنقابات ضحية مواقف ترددها ورفضها للانخراط في النضال الديمقراطي لجماهير “حركة 20 فبراير”.. وبدأ المخزن في تفتيت وشرذمة وإضعاف الأحزاب الوطنية التي لها تاريخ باستكمال إدماجها الكامل في النسق السياسي المخزني لتبقى المؤسسة المخزنية هي صانعة السياسة في المغرب.