الشعب يئس من تزييف حقيقة الفقر ببرامج شكلية…

 أكد مصطفى الخلفي، في تصريح غريب أن “التسابق للاستفادة من المعونات الغذائية كان السبب الرئيسي في الفاجعة.. و دماء الشهداء يسائلنا جميعا”. وهو ما يعني، عكس الحكومات التي تتحمل مسئولية ما يجري لمواطنيها ولمواطناتها، أن الوزير يبعد أية مسئولية عن الحكومة والسلطة المحلية.

من المسئول إذا لم تكن الحكومة والسلطة المحلية بل وسياسة الدولة التي ترخص لمثل هذه الأعمال العشوائية؟

يقول الوزير الخلفي هذا الكلام كأنه يرد على ما ذكرته بعض الأخبار، من ضمنها موقع “0Rue2″، أن الجمعية التي استقطبت عدد كبير من المواطنات والمواطنين يصل عددهم إلى حوالي 1500، وحتى من خارج مدينة الصويرة، لتوزيع المعونة عليهم هي من الجمعيات تابعة لـ”حزب العدالة والتنمية”.

وترى بعض وسائل الإعلام أن الجمعية تتوصل بأموال  من جهات خليجية لها علاقة بـ”تنظيم الاخوان المسلمين”.

1

المغرب بلد غني بفلاحته وبمناجمه وبفوسفاته وبثرواته البحرية وبمثقفيه الديمقراطيين واليساريين وبشعبه. و دولة المغرب تَحْرُثُ فقر وتجهيل فئات شعبية تعد بالملايين.. وهي دولة تُغْنِي الأغنياء الذين يحكمون فعلا المغرب.

في مغرب هذه الثروات تحدث مأساة أخرى نتج عنها وفاة 15 امرأة، حسب الأخبار، خلال ازدحام لـ”الظفر” بمواد غذائية هزيلة في منطقة “سيدي بوعلام” قرب الصويرة في فضاء السوق الأسبوعي.

ونسجل مع الشعب المغربي تعازينا ومواساتنا لأسر ضحايا الفقر و الجهل والمأساة التي ضربت فئات شعبية فقيرة.. ونتقاسم ألمها.

2

 وإذا كان صحيحا ما تداولته بعض وسائل الإعلام بأن الجمعية التي وقعت بسببها الفاجعة هي من الجمعيات تابعة لـ”حزب العدالة والتنمية”، فإننا نفهم خلفية تصريح الوزير مصطفى الخلفي بكون السبب الرئيسي للمأساة هو “التسابق للاستفادة من المعونات الغذائية”. لم أرى في العالم وزيرا يتملص بهذه الوقاحة من مسئولية حكومته عن تدبير ومراقبة ممارسة اجتماعية همت ما يزيد عن ألف مواطن و مواطنة.

إن هذه الفاجعة فضحت الممارسة الانتهازية المتخلفة لـ”حزب العدالة والتنمية” تجاه المواطنات و المواطنين الفقراء، ولأحزاب الحكومة مادام الوزير مصطفى الخلفي يتحدث باسمهم.

إنها مأساة يعود احتمال وقوعها كذلك إلى ما آلت إليه أوضاع الفئات الفقيرة من الشعب بسبب الغلاء المهول للمعيشة بعد ارتفاع أسعار المواد الأساسية من جراء سياسة حكومة ع. بنكيران التي قضت على صندوق المقاصة (الذي يُمَوّلُ من أموال الشعب العمومية) و تخلت عن دعم المنتجات الأساسية والمواد الغذائية مما زاد من معاناة فئات عريضة من الطبقات الشعبية التي تعاني الفقر والهشاشة الاجتماعية.

4

إن حدث هذه المأساة يطرح عدة أسئلة.

– لماذا مساعدة غذائية لفقراء ولفقيرات الشعب من طرف داعية ديني وجمعيته تتم بهذا الشكل العشوائي المتخلف بدعوى ما يسمى “العمل الخيري” و “الإحسان”؟، وبالفعل هو عمل عشوائي تحت أعين ومسامع السلطة الترابية المخزنية (الوالي، العامل، القايد)، والذي أدى الازدحام خلاله إلى مأساة و كارثة وفاة 15 مواطنة من فقراء الشعب.

مثل هذا العمل العشوائي لتوزيع مواد غذائية وغيرها يحدث في جميع مناطق المغرب وتقوم به عدة جمعيات بخلفيات إيديولوجية ومصلحة ضيقة بعلم السلطات الترابية (الوالي، العامل، القايد).  

وغالبا تجري مثل هذه الممارسات في ظروف تتسم باحتقار كرامة وإنسانية الفقراء.

5

لا زلنا في وطن يزدحم فيه مواطنات و مواطنين من أجل كيلوات دقيق و مواد غذائية، وغالبا تكون قيمتها هزيلة، وهذا  يعني تفشي الفقر والإقصاء الاجتماعي وتدني الوعي في جميع مناطق المغرب. والكارثة وفاة 15 امرأة كن يبحثن عن إعانة ليستمررن في الحياة. لكن هذا البحث سلبهن الحياة.        

يطرح هذا الواقع عدة أسئلة  في وطن يؤدي ازدحام السِّعَايَة من أجل لقمة عيش إلى مأساة الموت.

الفقر والجهل والطموح للحصول على مواد غذائية هزيلة يؤدى إلى مأساة الموت!  هذا الحدث و في مثل واقعنا الاجتماعي، مسئولية من هذه المأساة؟ 

من يتحمل مسئولية من انتهاك أسمى حقوق الانسان وهو الحق في الحياة؟ 

مسئولية من توفير النظام والأمن للمواطنات وللمواطنين، و صون واحترام حقهم في الحياة، في مثل هذه الأعمال التي تسمى “إحسانا” أو “تضامنا اجتماعيا” من طرف ممارسات انتهازية؟ 

وأكبر من هذا السؤال، من هو المسئول عن فقر فئات عريضة في الوطن؟

أليست مسئولية الدولة والنظام السياسي والحكومة. 

مسئولية الحكام تكمن في إيجاد الشغل للنساء والرجال من لتتجاوز الفئات الفقيرة فقرها ولتوفر لأفراد أسرها دخلا يؤمن حياتهم وكرامتهم. شغل يحترم كرامة الانسان.

مسئولية الدولة والحكومة هي أنها تتسامح مع مثل هذه الممارسات العشوائية و ذات الخلفيات السياسية الانتهازية أو غيرها، مسئولية الدولة و الحكومة لأن سياستها لا تعمل على إنشاء مؤسسات متقدمة لتضامن وطني باسم الشعب والمجتمع للذين يعانون من الفقر لعجزهم عن العمل كما هو موجود بقوانين ومراقبة مستمرة للدولة وحكومتها ولا تُعْرَفُ الجهة السياسية أو المؤسسة الاقتصادية أو التجارية التي  تساهم و تنظم مساعدة الفقراء، كما يتم ذلك في بلدان متقدمة الدولة تحترم إنسانية الانسان. 

مسئولية الدولة ومؤسساتها و هي ترى عدد من الجمعيات تنبت كالفطر دون تصور وتنظيم و دون وعي بضرورة و أولوية حقوق الانسان و تبحث عن مصالح ضيقة، جمعيات تمارس بأسلوب يهين، بمثل هذه الممارسات التي تسمى “أعمال خيرية”، مواطنين و مواطنات فقراء. و تساهم التلفزة المغربية في نقل أنشطة مثل هذه الجمعيات !

ثم أن السياسة في البلد التي تسمح بممارسات المتخلفة كالتي حدثت في منطقة “سيدي بوعلام”، يهينون كرامة الفقيرات والفقراء. بل و تساهم التلفزة المغربية في الدعاية لمثل هذه الجمعيات وفي التشهير بالصور و الأشرطة بهؤلاء الفقراء وهم يتلقون “معونات” هزيلة قيمتها.

6

إن مثل هذه المآسي هو نتيجة لتصور سائد في المغرب لما يسمى “التضامن” من طرف أشخاص أو جمعيات بل و أحزاب و دولة لما يسمى بـ”الإحسان” وغيرها من سياسة البروباغاندا ! التي لا تندرج في سياسة حقيقية لتنمية الاقتصاد المغربي كي يتخلص من اقتصاد الريع و سيطرة الأقلية البرجوازية الكمبرادورية على خيرات البلاد من فلاحة وفوسفات وثروات بحرية ومناجم الذهب والفضة والنحاس والمنغنيز و الكوبالت، و الفلييورين و و و … 

شعبنا لا يتجاوز 34 مبيون نسمة.

مداخيل الفوسفات والمناجم والثروات البحرية وحدها يمكن أن تجعل من المجتمع المغربي مجتمعا بدون فقراء.

 12 سنة من ما يسمى “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” ولا زالت جماهير شعبية تعاني من سياسة التفقير والتجهيل رغم الثروات البحرية و المنجمية و الفلاحية و البشرية .

ولازال مجتمعنا يسجل أكثر من 30 % ممن يعانون الفقر المدقع…

وحراك الريف لمدة سنة شاهد على فقر فئاتنا الشعبية.

ومن طالبوا في الريف و زاكورة بعدالة اجتماعية تصون كرامتهم و إنسانيتهم تم اعتقالهم ومحاكمتهم و سجنهم…